حينما يصبح النشاط الرقمي أداة للتغييرالاجتماعي
الإنترنت أداة ثمينة للتغيير الاجتماعي عبر العالم. فالناس يتبادلون المعلومات تفاعلياً من أجل قضاياهم العامة. ولكن كيف يمكن النجاح في حشد الرأي العام رقمياً؟ وما أفضل التقنيات لتحقيق ذلك؟ صحفيون متمرسون يكشفون ذلك لDW.
مصعب الشامي وزوجته في مدينة بون الألمانية
تقدم شبكة الإنترنت أدوات ثمينة للتغيير الاجتماعي والسياسي عبر العالم. فالناس يشتركون في حملات رقمية ويتبادلون المعلومات ويعملون معاً من أجل قضاياهم العامة. ومن هنا فإن تقوية مشاركة الناس وتعزيز تفاعلهم هو مفتاح نجاح أي مشروع يسعى لحشد الرأي العام عبر الإنترنت. ولكن كيف يفعل الناجحون ذلك؟ وما هي أفضل التقنيات للوصول إلى ذلك؟ صحفيون فائزون بجوائز البوبز لعام 2014، التي تمنحها مؤسسة دويتشه فيله DW الإعلامية الألمانية، جاؤوا إلى منتدى الإعلام العالمي في مدينة بون الألمانية في هذا العام كي يعرضوا تجاربهم الشخصية في هذا السياق. فبعض منهم اضطروا لتحمل الرقابة والقمع في أوطانهم.
“العاملون في أماكن الصراعات يصبحون جزءاً منها“
قبل ثلاثة أعوام إبان ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر أخذ مصعب الشامي الكاميرا معه لسبب شخصي، ولم يكن هدفه إعلامياً. التقطَ الصور وبدأ بنشرها ليشاركه فيها غيره من الناس على الشبكة العنكبوتية، وأصبح لهذه الصور معناها الخاص. انتشرت الصور وانتشرت القصص معها. وبعد سنتين من بدء الثورة اكتشف عمله المناسب له بالضبط، فتحوّل من هاوٍ إلى صحفي تصوير محترف. في البداية كان طالباً يدرس الصيدلة، لكنه قطع دراسته وبات متفرغاً تفرغاً كاملاً لهذا العمل. لم يكن يحتاج إلى صحيفة رسمية لنشر صوره، فالناس أنفسهم كانوا وسيط انتشارها.
“أنا أهتم بالجانب الإنساني في أماكن الصراعات حيث يتزايد عدد الضحايا”، كما يقول الشامي، ويضيف: “ينبغي أن يكون التركيز على الجانب الإنساني للناس ثم يأتي التركيز على الصراع، وليس العكس”. ويرى أن من الصعب على الصحفيين أن يكونوا حياديين في أماكن الصراع، ويقول في هذا السياق: “لقد تابعتُ القصة دون أكون جزءاً منها أو طرفاً فيها، لكن العاملين في أماكن الصراعات يصبحون جزءاً منها شاؤوا أم أبوا”، مؤكداً على أن “من الصعب على الصحفيين أن يكونوا حياديين في أماكن الصراعات”. ويشير إلى أن مصر باتت في عهد السيسي مكاناً صعباً للصحفيين أو للمصورين وحتى للسياح نتيجة الخوف الزائد عن الحد، وهو ما جعل صحفيي الجزيرة مثلاً يُلقَوْن في السجن.
“انتشار الكلمة والصورة يكبح الفساد والعنف“
صعوبة النأي بالنفس عن موضوع الصراع يشكّل موضوعاً مباشراً بالنسبة للصحفي الأوكراني دميترو كناب. فالوثائق (عددها 2400) التي جمعها، ووثّقها توثيقاً رقمياً عبر أجهزة المسح الرقمي ونشرها في الإنترنت، تسير في اتجاه واحد: وهو كشف الفساد والرشوة واتهام الفاسدين في بلاده وأسهمت أيضاً في عزل البرلمان الأوكراني للرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في 22 / 02 / 2014 بعد احتجاجات حاشدة. يقول دميترو كناب: “أنا جزء من منظومة أوروبية تعمل على البحث في موضوع الفساد، والمتطوعون يساعدوننا في ذلك. في البداية قال لنا أحد الأشخاص إننا نكتب ونبحث كثيراً في تحقيقاتنا الصحفية ولكن يانوكوفيتش ما زال موجوداً، إلا أن عملنا ساعد في نزع الشرعية عن يانوكوفيتش. عملنا يتمثل في مساعدة الناس على مكافحة الفساد والأسلحة، والآن أصبح لدينا في التلفزيون أكثر من 9 ملايين متابع بعد أن كان ينحصر عملنا في الإنترنت”.
أما في الأرياف الهندية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا صوت للنساء ولا مجال للصور الرقمية، فتعمل الصحفية الهندية الشابة بورفي بهارغافا على تعليم النساء الريفيات التعبير عن أنفسهن عبر الصحف المكتوبة وتوزيع هذه الصحف للناس في الحقول والدكاكين وعلى أرصفة الطرقات. وتقول حول أهمية أن تكتب النساء تقارير صحفية عن محيطهن: “هذه الصحف المحلية تعطي المرأة الريفية وجهاً وصوتاً. ففي الهند وخاصة في الأرياف لا يتم استشارة النساء أو أخذ رأيهن. إنهن يعملن كثيراً ولا يتم الاستماع إلى أصواتهن. الصحف الكبيرة لا تصل إلى هذه المناطق التي تشكو من شح الماء والكهرباء. والظلام يعني عدم سلامة النساء وتعرضهن إلى العنف والخطر أيضاً”.
فالصحف المحلية تطرح قضية العنف ضد المرأة في المجتمع الهندي وغيرها من المشكلات، وسُكان الأرياف المحليون يوزعونها على الناس والعنف يتوقف. “حين يتحدث الناس عن المشاكل فإنها تتوقف في بداية طريقها، كما أن الحديث عنها يشكل ضغطاً على الجهات الرسمية وهذا نوع من محاسبة المسؤولين، من جانب آخر يخلق إنتاج الصحف وتوزيعها فرص عمل للنساء أيضاً”، كما تقول الفتاة الصحفية بورفي بهارغافا، مشيرة إلى بعض الصعوبات التي تواجه النساء حين يكتبن عن محيطهن: “فالناس المنتمين إلى الفئات البشرية الأعلى في النظام الطبقي المتعارف عليه في الهند لا يرغبون في أن تتم الكتابة عنهم وهذا يشكل نوعاً من الرقابة”.
“الصور الرقمية تغير العالم“
ما حفز الشاب المصري مصعب الشامي على البدء بالتصوير في بلده هو رغبته في فهم ما يدور حوله. وقد واصل التصوير كصحفي مستقل حر لأنّ له هدفاً يتمثل بالمشاركة بالصور الرقمية في “تغيير العالم”، ويقول في هذا الصدد: “أنا أكرّس نفسي لهذا الهدف وخاصةً لجيل الشباب الحالي. وهذا يساعد الناس على استعادة بعض الإنسانية التي افتقدوها”. ولكن ماذا يفعل الصحفي الرقمي في مواجهة الرقابة في بلده؟ يؤكد الشامي على أن الرقابة على الصحافة أصبحت عالية جداً في عهد السيسي في مصر، لكنه يشدد على دور الصحافة الرقمية في كسر هذه الرقابة، قائلاً: “الكثير من الصحافيين غطوا مجزرة رابعة العدوية لكن الحكومة لم تستطع التحكم بمواقع التواصل الاجتماعي”. وسواء أكان التمويل الصحفي يتم عبر بيع الصور كعمل حر أو من خلال إنتاج الجرائد بدعم من المنظمات غير الحكومية أو بواسطة التعامل مع منظمات التحقيقات الصحفية وكشف الفساد، يبقى الهدف واحداً: وهو التغيير الاجتماعي.