قرنٌ ونصف القرن .. صورة فوتوغرافية لـ”اللاذقية”
الثلاثاء 03 كانون الأول 2013
اللاذقية
لم يمضِ وقت طويل على اكتشاف التصوير الفوتوغرافي في العالم حتى وصلت طلائع المصورين إلى “اللاذقية” موثقة تاريخها وأمكنتها وناسها.
للحديث عن تاريخ بواكير التصوير الضوئي في “اللاذقية” التقت مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 15 تشرين الثاني 2013 المصور الفوتوغرافي المهندس “منير كباس” (59 عاماً) وهو يجهز حالياً لطباعة أول كتاب من نوعه حول تاريخ التصوير الفوتوغرافي في “اللاذقية” والساحل، وقد تحدث السيد “كباس” قائلاً: «اكتشف التصوير الضوئي عام 1839 في فرنسا، وبعد عشرين عاماً وتحديداً بين العامين 1858- 1859 مر جغرافي فرنسي اسمه “لويس دوكلير” Louis de Clereq 1837-1901 بالمدينة وقام بتسجيل صورة بانورامية لمدينة “اللاذقية” تظهر جامع “المغربي” وما حوله (مرفقة مع الصور
وتعرض للمرة الأولى على المواقع العربية)، وقد تمكنت من تحديد النقطة التي التقط منها الصورة وهي حالياً في منطقة “القلعة”، وصورة أخرى لبلدة “جبلة” تظهر قباب جامع السلطان “إبراهيم” وما حوله، فكانت هذه الصور أول الصور للمحافظة في تاريخ التصوير الضوئي، وهذه الصور بنسخها الأصلية محفوظة اليوم في متحف “متروبوليتان” الأميركي وتوجد نسخ منها للبيع».
وتابع السيد “كباس” حديثه وقال: «ثم مر بمدينتنا المصور “أندريه بونفيلز Bonfits” ما بين العامين 1890-1895 مسجلاً ثلاث صور لمدينة “اللاذقية” وهي: صورة للمرفأ وأخرى لقوس النصر وصورة ثالثة لمعبد قديم في “اللاذقية” على طريق (الشبطلية – كسب)، كما سجلت صور لـ”اللاذقية” من قبل الدكتور “جيمس بالف” وهو أول طبيب مقيم في المدينة أتى مع الحملة التبشيرية البروتستانتية عام 1897 تظهر الأزياء التي كانت دارجة في ذلك التاريخ إضافة إلى صور موقع المدارس التبشيرية (كانت مكان مشفى الأسد حالياً)، كما مر بـ”اللاذقية” أيضاً المصور الفرنسي “رينيه دو بارك” في عام 1905 وسجل بعض الصور التي ترصد الحياة الاجتماعية تم إصدارها بشكل بطاقات بريدية».
وأشار السيد “كباس” إلى أنه لم يلحظ وجود أو إقامة مصور ضوئي سواء كان من أهل المدينة أم من خارجها قبل العشرينيات من القرن الماضي إلى أن جاء المصور الفيتنامي “هوان فان تيان” Hoan Van Tian 1890 -1957 مع الجيش الفرنسي عام 1918، وعند انتهاء خدمته مع الجيش الفرنسي عام 1922 بدأ يعمل في التصوير بعد أن استقدم كاميرا من فرنسا، وقد سجل بنشاط منقطع النظير جميع معالم “اللاذقية” الاجتماعية والتاريخية والسياسية، فكان عن حق رائداً للتصوير الضوئي في “اللاذقية”، وأغلب الصور المنشورة لتلك الفترة هي له ويتم تمييزها من طريقة كتابة اسم
المهندس “منير كباس” |
“اللاذقية” على البطاقات إذ كان يستخدم حروفاً إنكليزية تظهر على الصورة كلمة “Lattakia” ولكنه لم يكن يكتب اسمه عليها».
من أهم عوامل استمرارية “هوان” في عمله التوثيقي هذا هو قيام اثنين من أبناء المدينة هما “جميل عقيلي” و”شفيق ماميش” بتمويل وإصدار صور التقطها “هوان” على شكل بطاقات بريدية، فكانت الحصيلة ثلاث مجموعات من الصور تحوي كل مجموعة منها اثني عشر منظراً مختلفاً يرصد معلماً معيناً من معالم “اللاذقية”، الأمر الذي أدى إلى انتشار تلك البطاقات في جميع أنحاء العالم فقد وجد منها في مصر والسودان وفرنسا، وطبعاً لم ترسل كلها من “اللاذقية” إنما وجدت هناك بطريقة ما وقد تكون من قبل دار الطباعة الفرنسية التي طبعت تلك البطاقات وهي Catala freres وكتب عليها إصدار “جميل عقيلي وشفيق ماميش”.
وأضاف: «من الحكايات التي تروى عن “هوان” أنه كان يلقب نفسه بـ”الأندو شيني” ويتكلم العربية مكسرةً بينما لقبه أهل المدينة بـ”الشيني” أي الصيني بعد أن تزوج فتاة من المدينة وأصبح واحداً من أهلها، وعندما حضرت السيدة “أم كلثوم” لتقدم حفلتها الشهيرة في مقهى “شناتا” عام 1930 استدعته للتصوير وعرضت عليه مقابل كل صورة عشرة قروش وطلب هو خمسة عشر قرشاً فرفضت فتركها ومشى، وضاعت بذلك صور كانت ستضيف إلى سيرة المدينة حدثاً مهماً، وقد بقي “هوان” يصور في مدينة “اللاذقية” حتى عام 1942 حيث غادرها إلى “بيروت” وتوفي عام 1957 ودفن فيها».
في نهاية العشرينيات تقريباً ظهر مصور أرمني يدعى “بابازيان” صور أيضاً في المدينة عدداً مهماً من الشوارع والأمكنة داخل وخارج “اللاذقية” المدينة، وقد كان يكتب على الصور التي يلتقطها بخط يدوي ذاكراً أسماء المناطق التي صورها، من بينها صورة مهمة جداً لـ”رأس
الصورة الوحيدة للمصور هوان |
شمرا” (أوغاريت) عند بدء عمليات التنقيب الأثرية فيها عام 1929 وصور أخرى من بينها صورة جوية للمدينة ومدن سورية أخرى كـ”حمص وحماة وطرطوس”.
وبعد “هوان” لم تسجل فوتوغرافيا الحركة العمرانية والاجتماعية في “اللاذقية” بهذه الاستمرارية والدقة إلا ما بين عامي 1959-1960 من قبل المصور “طوروس”، وهذا المصور كما قال المصور المهندس “قيس محجازي”: «اسم “طوروس” في الحقيقة هو اسم لاثنين من الأخوة وليس شخصاً واحداً، كان الأستديو الخاص بهما في شارع الحرية قرب بناية الأخرس، جانب ثانوية الأرض المقدسة، ويستحق أحدهما لقب فنان ضوئي مبدع، وعندما توفي استمر شقيقه بممارسة المهنة، ولكن عندما توفي الثاني توقف الورثة عن ممارسة المهنة واستبدلوها بمهنة أخرى، استمر نشاطهما من أوائل الخمسينيات حتى أواخر السبعينيات من القرن، وقد كلف بشكل رسمي من قبل حكومة الوحدة بين “سورية ومصر” برصد وتسجيل المنشآت الاقتصادية والسياحية العامة والخاصة بغية إصدار دليل اقتصادي عن “اللاذقية”، فكان حصيلة ما صوره مجموعة ضخمة من الصور تسمح للدارس المهتم أن يقارن بين لاذقية “هوان” في العشرينيات ولاذقية “طوروس” في الستينيات.
بعد الستينيات ظهر العديد من المصورين من أبناء المدينة، فكان أول من مارس التصوير في “جبلة” المرحوم “مأمون مورلي” الذي يتابع أولاده إلى اليوم هذه المهنة، وفي “اللاذقية” ظهر العديد من المصورين المحترفين الذين سجلوا تطورات المدينة بعدساتهم.
وعلى صعيد الريف اللاذقاني بدأت حركة التصوير متأخرة حتى ما بعد منتصف الستينيات تقريباً، وفي حديث سابق قال المصور الضوئي المعروف “عبد الحميد هلال” وهو من أوائل من صور مناطق وعادات وتراث أهل الريف: «بدأت التصوير تقريباً في أوائل السبعينيات مستخدماً كاميرا روسية بالأبيض والأسود، ثم انتقلت إلى الملون في أوائل الثمانينيات، وأنا اليوم أرفض
أقدم صورة لمدينة اللاذقية |
الدخول في عصر الديجتال وأصرّعلى التحميض والأفلام».