محمد طالب أمين سوالمة ..
فنان أردني ..مصور عالمي متألق جمع بين التقاليد والحداثة ..بين الماضي والحاضر..
بقلم المصور : فريد ظفور
- تراتيل الليل بآهات المناجاة الفوتوغرافية..حيث وطن الزهور والسرور والأمان..والقلب الذي يهتف مشتاق لنور محياك..بخمرة ضوئية معتقة من رضاب حبه المعرفي ..لنملأ كأس الفوتوغرافيا العربية ..نذر نفسه للفن ولعشاقة من الشباب ولم يندم..وبعد طول غياب إنقشعت الغيوم المحملة بالوضع البصري ..وجاء الربيع بعد الخريف والشتاء..أيكفي بأن نجمع باقات الورود من أقحوان وريحان ومسك وعنبر ونُحيك عقداً من لولو الياسمين الشامي لنقدمه لضيفنا الفنان الكبير..محمد طالب سوالمة..
- تتمايز الصورة والروح ويقومان معاً في شعاع واحد..لكن الدلالة في الفلسفة الضوئية العميقة كينونية في حقيقتها..تجلياً يشهد للمصور..هو علامة للمعنى والمعنى هو الموضوع ..هو الصورة والإشارة والرمز وهو سهم يلمح الكلي في آن ..عبر إنبثاق الإبداع في قلب الخلود اللحظي الذي لايعرف إنقطاعاً ..وبين كل جولة فوتوغرافية وأخرى من جولات التصوير يستعيد الفنان محمد طالب نشاطه وحيويته ..وينطلق مع المصورين في كل إتجاه يتحاورون ويتناقشون ويعيدون طرح الأسئلة الضوئية الصعبة على أنفسهم وعلى المشاهين للأعمالهم..حول دور الصورة ..ودور المصورين وآفاق المستقبل ..دون أن ينسوا الوقوف عند كل جديد في الإنتاج الفوتوغرافي في عالم الديجيتال..إنهم المصورين الأردنيين الذين يرفضون التخلي عن دورهم في الساخة المحلية والعربية والعالمي..فالصورة حضارة الإشارة..وثقافة التراث المادي والمعنوي..
لا يمكن للمصور محمد طالب أن يبقى لا مبالياً إزاء مايجري في العالم من تحولات تقنية ومعرفية ..ذلك بأن النظام العالمي يشهد زعزعة للمفاهيم الفوتوغرافية القديمة التي طالت أكثر من نصف قرن ..وخلخة للعلاقات المتوترة ..تارة بشكل ساخن وأخرى بشكل أقل سخونة بين جيل الرواد والمؤسسين للفن الضوئي والمتسلحين بالخبرة والتاريخ الضوئي الناصع ..وبين جيل الشباب الساعي للمجد والذي يتسابق مع الزمن والذي لايخاف من شيء ومتوفر له كل وسائل التعليم والأجهزة التقنية والمعرفية بيسر وسهولة ..ولا سيما ونحن في عصر الصورة وعصر الأنترنت والسوشيل ميديا ومواقع التواصل الإجتماعي التي عرفتنا على كم كبير من المصورين والمصورات ونجد فيها الغث وفيها الثمين..فيه المبدع وفيها المتعدي على التصوير ..والحقيقة حال الفيس بوك مثل مجموعة أصدقاء أو مصورين يجلسون في شارع ..فسيشاهدون الجميل والقبيخ والطويل والقصير والسيء والجيد ..وكل ذلك ليس بإختيارهم بل مفروض عليهم مشاهدته..ولكنهم يستطيعون التنقيب والبحث عن الأفضل..وهكذا حال الفيس بوك..ألغيت العلاقات الإجتماعية واستقرت المصالح محل المباديء وأصبح من يمتلك عدد من اللايكات والإعجابات والتعليقات وما شاكلها هو الفنان أو الفنانة..ورغم هذه الظواهر وتلك التي وراء الكواليس من مصالح ومآرب للفيس بوك والقائمين عليه..فقد تصدى الفنان محمد طالب لتلك الظواهر وحمل لواء التوسط والتفاعل بين الماضي والحاضر ..بين جيل الخبرة وجيل الشباب الطامح والحالم بالمجد والشهرة السريعة..وتلمس بأن وضعية التصوير العربية في وضعية إشكالية وصراع بين الأجيال..والثقافة البصرية تتحرك داخل سياق صراع حضاري كبير وطنياً وعربياً وعالمياً بين الماضي والحاضر..ذلك بأن النخبة الضوئية المثقفة موزعة بين تيارين ..واحد متشبث بالماضي كعنصر ملون للهوية الفوتوغرافية والآخر يعتبر الديجيتال والموبايل والتكنلوجيا هي الجزء المكون للشخصية البصرية العربية..وبين الإتجاهين صراع يشوبه قضايا أخرى..ومن أجل وضع السؤال الثقافي الفوتوغرافي ضمن سياقاته الحضارية والمعرفية برز دور الفنان الأردني محمد طالب سوالمة ..ليُعبّد الطرقات ويملأ الفراغات بين الجيلين ويمد الجسور الثقافية والتقنية وعلاقات المودة والمحبة بين الأجيال..وقد إستطاع بحرفية عالية وبإدارة مميزة رفيعة أن يضع الملح على الجراح العربية ويضمد جراحنا الفوتوغرافيا بإقتدار الطبيب الفوتوغرافي الجراح ..وهو رهان خاسر للبعض بعدم قدرته على مواكبة جيل الشباب والسير واللحاق في ركبه التقني الصعب على الكبار والذين يعادون التقنية بلا مبرر..سوى الخوف من المجهول ..ويرى الفنان محمد طالب بأن النقد مطالب بتحريك أدواته للخروج من المأزق الثقافي وأن يجيب عن إشكاليات وتعقيدات الخطاب المزدوج داخل الفن الضوئي وداخل التفكير الذي ينطلق من بيئة لها خصوصيتها ..ليعبر عنها بلغة بصرية ضوئية محملة برموز وإشارات مخالفة ..لا تملك الخصوصية الحضارية التي يشي بها مضمون ومؤدي الصورة الإبداعية..وفي ظل المفاهيم الضوئية المرتبكة والإستناد إلى المرجعيات الثابتة ولا إلى التي تحتمي بالمشروعية الحضارية والعصرية ..قادرتان على حل الإشكال الفوتوغرافي بين القديم والحديث ..بدون إدماج أسئلتهما داخل السيرورة الثقافية التي تحاور المسألة البصرية الفنية الفوتوغرافية..لا من موقع التهم الفنية الجاهزة ..ولكن من موقع ضرورة تحديد السؤال الفلسفي الذي يحتاج لى إجابات عن كيفية فهم الصورة وقراءتها في سياق معرفة الحق والخير والجمال وكيفية فهمها فلسفياً..
- قبل أن يؤسس السوالمة عالمه وأسلوبه الشخصي الفوتوغرافي ..تميز تطوره بثلاث تأثيرات ..الصحراء والبادية التي تضم الآثار الأردنية والجمال والأغنام والخيم ..والبحر بنوارسه وشواطئه الجميلة..والمدن المدججة بالأبنية الشاهقة والمرتفعة وبشوارعها المكتظة بالسكان وبالسيارات والحافلات والدراجات..ولكن السوالمة إستعمل الألوان ليبني نظاماً تصويرياً جديداً مغايراً للألوان المستخدمة عند البعض ..كأشد الألوان بريقاً وأحرها على موشورات ألوانهم..لتصبح صوره تركيبية وفيها فكرة وليس فقط وصف للواقع المباشر البسيط الذي إستخدمه في ريعان أعماله..في أيام زمن الفيلم الأبيض والأسود وزمن الفيلم الملون..ولكنه بلغ الأوج في الكاميرات الرقمية كاميرات وموبايلات الديجيتال التي وفرت الوقت والجهد والمال للتجارب والنتائج السريعة والتي تشاهد مباشرة أثناء الحدث أو المناسبة أو المهرجان..وبذلك حقق تكامل الشكل والمضمون بإختصار مدهش للوسيلة والفكرة المعبر عنها بأعماله الفنية البصرية..ورصدت عدسته الأشخاص لتشكل منهم سمفونية لونية عظيمة أحادية في الزمن الجميل ولونية في زمن الألوان وزمن الديجيتال الرقمي..وبدأ يهتم في فكرة الموضوع ويقدم النصح لطلبته بأن يهتموا بالعلاقة بين تضاد الألوان وبين كل لونين لتصبح الصورة تركيبية وليقرأها المشاهد وفق خط الهداية ووفق تكوين بصري بسيط وجميل ليس فيه تشويش وتراكم لوني ..فالبساطة هي وسيلة من وسائل الدلالة الرمزية للصورة الضوئية ..ولعل تاريخ الفنان الطويل في إتحاد المصورين الأردنيين وإتحاد المصورين العرب ..حيث كان من الرعيل الأول المؤسس وتجاربه التي كسبها من العلاقات والرحلات والأسفار كانت كلها تصب في خانة تجاربه الريادية في عالم الفوتوغرافيا ..فقد نافت معارضه الشخصية والجماعية عن المائة وعمل في الكثير من ورش ودورات التصوير لتقديم خبراته للهواة والمحترفين من عشاق الفن الضوئي..وقد نال الكثير من شهادات التقدير والجوائز ..وشارك في تحكيم الكثير من الجوائز العربية والمحلية والعالمية..
- وندلف للقول بأننا نصل محطتنا الأخيرة من الفنان محمد طالب سوالمة ..وها هو .. انبثاق الفجر الضوئي والنور المعرفي…..فيض الرحمة….وينبوع الخير..والحق والجمال ..ها هي.. بشارة السيد المسيح رسول المحبة … حيث قامت البتول وهزت غصن السماء فتساقطت الغيمات قطرات ماء عذب..لتغوص في الأرض وتمتذج مع أصدقاء الضوء….. فتعبق في الكون رائحة الجنة المعرفية الفوتوغرافية الفنية ….ميلاد مجيد للبلاد العربية .. وكل عام وأنتم والأهل والزملاء بخير وصحة وسعادة في الأردن الحبيب..ولعل أغنية الميلاد التي تحضرني ..من كلمات الشاعر جوزف حرب وغناء المطربة فيروز..هللو هللويا نجمي زغيري عباب مغارة هللو هللويا و جراس و تلج و رعيان ..ولا يسعني إلا أن أثمن وأثني على ماقدمه الفنان محمد طالب في خدمة الفن الضوئي عالمياً وعربياً ومحلياً وما فرشه من إبداع وجهد في دروب هواة وعشاق الفن الفوتوغرافيا ..والبذور التي زرعها ..وأثمرت وأينعت وصارت مصورين فاعلين في الحركة الثقافية الصحفية والفوتوغرافية..فكل التقدير والإحترام والثناء لجهوده وأعماله الضوئية التي ستبقى شامخة في عباب السماء الضوئية ليقطف منها عشاق الفن أجمل الألوان والأعمال الفوتوغرافية التي خلدتها عدسة فناننا السوالمة..
ــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الفنان محمد طالب أمين سوالمة ــــــــــــــــــــــــــــ