اللاذقية/جريدة السفير – اعتاد الجمهور السّوري، على مدى عقود من الزمن، رؤية المرأة السّوريّة عبر الشاشة الصّغيرة. تنوّعت صفاتُها: مقدّمة برامج، ممثّلة، مطربة، ضيفة. وبقدر اعتياده على وجودها خلف الشّاشة، لم يطرح يوماً غيابُها عن عالم «ما خلف الكاميرا» أيّ تساؤلات.
ولكن عندما دخل الدكتور جلال حسن استوديوهات «التّلفزيون السوري» في اللاذقيّة، تفاجأ بمشهدٍ جديد: «ستّ نساءٍ يقفن خلف الكاميرات». يصف حسن المشهد بـ «الجميل والمشجّع»، مضيفاً: «كنتُ على ثقةٍ بأنّني سأظهر كضيفٍ بأبهى صورة».
وجود النّساء السّتّ خلف كاميرات استوديوهات «المركز الإذاعي والتلفزيوني» في اللاذقية جاء لتعويض النّقص في طاقم العمل الذي استُنزف بسبب الحرب السّوريّة. وحدَها اللاذقيّة من بين جميع المحافظات السّوريّة تُطبّق سياسة «تعويض النّقص».
«قبل أكثر من عام، التحقتُ بمهنة التصوير، بعد أن كنت عاملةً في المقسم»، تقول جمرة سعود، السّيّدة الأربعينيّة العاملة في القناة الأرضيّة والفضائيّة السّوريّة في المدينة.
بالنّسبة لجمرة، لم تكن الأمور سهلة. كان عليها الحصول على الشهادة الثانوية كي يتمّ قبولها كمصوّرة. وبالفعل، هذا ما حصل. بعد ذلك، خضعت جمرة لدورةٍ تدريبيّة لمدة سبعة أشهر (نظري وعملي)، وانتهى بها المطاف مصوّرةً معتمدةً في التّلفزيون.
لأكثر من ثماني ساعاتٍ تقف جمرة خلف الكاميرا. في يومها الطّويل، تتولى تصوير كلّ البرامج في الأستوديو، كما تقوم بتصوير الندوات والبثّ الحي والمباشر.
تشرح المصورة التلفزيونية لـ «السّفير» كيف أنّ «النّساء دخلن، قبل أكثر من عام، عالم التّصوير في الإعلام السّوري»، مشيرةً إلى أنّه «قبل الأزمة السورية، لم يتمّ الاعتماد عليهنّ في هكذا مهامّ». تنقل جمرة وجهة نظر المصوّرات، «حيث انّ المجتمع وحده كان عائقاً أمام عملهنّ في هذه المهنة»، موضحةً كيف أنّهنّ «واجهن في بداية الأمر نظرة استغراب، لكن ما لبث عملهنّ أن أصبح معتاداً وكُسرت القاعدة وبات مقبولاً أن تعمل المرأة كمصوّرة، كما أنّ الفكرة أخذت تنتشر حتّى أصبح عدد المصوّرات النساء أكثر من الذكور في استوديوهات المركز الإذاعي والتلفزيوني».
من جهته، يشرح مدير التلفزيون في اللاذقية أيمن الكنج كيف أنّ «دخول النساء إلى الأستوديو كمصوّرات جاء نتيجة الحاجة إليهنّ في ظلّ نقص الكادر البشري»، مشيراً إلى أنّه «تمّ تدريبهنّ وضمّهنّ إلى فريق التصوير».
يؤكّد الكنج، لـ «السّفير»، كيف أنّهنّ «أثبتنَ جدارتهنّ، كما أدّينَ ما هو مطلوبٌ منهنّ»، موضحاً أنّه « بدأ مؤخّراً الاعتماد عليهنّ خارج الأستوديو في عربة البث، ولاحقاً يمكنهنّ العمل في التصوير الخارجي، حيث لا يوجد أي عائق مهنيّ في ذلك».
يُثني المخرج المهّند كلثوم، بدوره، على وقوف النساء خلف الكاميرا. يعتبر في حديث لـ «لسفير» إنها «تجربة رائعة، وتحطّم القواعد التقليدية التي فرضها المجتمع»، مؤكّداً ضرورة «تعميم تجربة اللاذقية في هذا المجال». ويضيف: «قد تكون الأزمة هي التي تسببت بدخول النساء إلى هذا المعترك، لكن ربّ ضارة نافعة، وعلينا أن نستفيد من حسّ الرتابة والتنظيم لدى النساء خلال تأديتهن لهذا الدور الهام».
بالنّسبة لكلثوم الّذي درس الإخراج في أوكرانيا، تُشكّل النّساء قيمةً مضافةً لعالم التّصوير. يشدّد على أنّ المهنة ليست حكراً على أحد، والمطلوب فقط ممّن يقف خلف الكاميرا أن يكون «على اطّلاعٍ أكاديمي بفلسفة الصورة وأبعادها على اعتبار أنها عملية فنية، وأن يُتقن التعامل مع الكاميرا وأبعادها ومقاساتها وطرق ضبطها ويحسن التواصل مع المخرج والكاميرا وعناصر الصورة لكي يكون مصوراً ناجحاً من أي جنس كان».
نساء اللّاذقيّة حملنَ الكاميرات. بزهوٍ شديد، وقفنَ خلفها. ومع كلّ لقطة، كنّ يوجّهنَ رسالة: يُمكن الاعتمادُ علينا، آن أوان التّغيير، فلنعمّم تجربة مدينتنا على باقي المحافظات، قد تكون الصّدفة والحرب أوصلتانا إلى ما نحنُ عليه، ولكن هما خيرُ صدفة، ربّ صدفةٍ خيرٌ من ألف ميعاد».
نساء اللّاذقيّة..للمرة الأولى خلف الكاميرات – 07 يونيو 2016م