فيلم محروق أنار درب التصوير أمامه
مرشد المهيري: علَّمت نفسي وخدعني طفل!
الأحد 24 مايو 2009
فتحية البلوشي
فتى في الخامسة عشرة من عمره، يقف في عصر ساخن أمام محل تصوير بدائي، يمسك بيده غلافاً أبيض، وصوت قلبه المسرع يكاد يقفز من صدره، يحاول أن يفهم شيئاً جديداً، وأن يفخر بإنجاز صغير، يفتح الظرف ليجد شرائط «نيجاتيف» سوداء، لا تحمل أي صورة،» لقد احترق الفيلم»، فيتبدد توجسه بحزن، وتنكسر نظرة بريئة.
هذا الفتى نفسه، يبتسم اليوم وهو يرى صورته تلك منطبعة في ذاكرته، ذاك الانكسار الأول لم يدم إلا دقائق، جرى بعدها مرة أخرى نحو كاميراته الفيلمية وبدأ التقاط الصور من جديد، وهذه المرة تعلم أن يثبت فيلمه جيداً ويصور. مرشد المهيري كان ذاك الفتى الصغير، الجزع باحتراق فيلمه الأول، وهو اليوم واحد من إماراتيين قلة عملوا في التصوير، وربما يكون أول محترف إماراتي متفرغ تماماً للتصوير. يقول مرشد: لم تجذبني الصورة إلى عالم التصوير، بل الكاميرا، كانت أولى كاميراتي فيلمية، شكلها الصغير وصوت حركة الفيلم فيها مثلا لي تجربة مثيرة برغم جهلي التام بخيارات التحكم بها، وتواضع صوري البدائية، وفيلمي الأول «المحروق»، لكنها دفعتني إلى هذا المجال بقوة.
تطوير الذات
تلك الكاميرا الفيلمية البسيطة علمت مرشد الصبر، يتابع: طريقة التصوير القديمة لم تعتمد على شاشة ديجيتال ولا يملك المصور فيها إلا عينه وزاويته، وكان لزاما علينا أن ننتظر عدة أيام حتى نرى نتيجة العمل، لذا كان التصوير في البداية يتركز على «توثيق الذكريات». يتابع مرشد: كلما حمضت فيلما أشعر بسعادة وحماس يدفعاني لعرض نتاجي على الأهل والأقرباء والأصدقاء، وأحتفظ بالصور مرتبة في ألبومات خاصة، لكن تكاليف التحميض البالغة كانت تبدد فرحتي، في كثير من الأحيان كنت أحتفظ بالأفلام لعدة أشهر أوحتى سنة إلى أن أحمضها. ما وصل إليه مرشد اليوم من حرفية في التصوير كان عن طريق التجارب المتتالية والنجاح والفشل، يقول مرشد: أنا لم أخضع لأي دورة تصوير للأسف، لكني تعلمت بالمثابرة والتجارب التي صُقلت مع الأيام، ولعل احتكاكي ببعض المصورين الذين ساندوني ساهم نوعاً ما في زيادة مهارتي، وبعد اقتنائي لكاميرا الديجيتال كنت أتفرغ بعض الأيام تماما للتصوير وأخرج بحصيلة صور ما بين الـ 400 والـ 700 يومياً. منذ عدة سنوات، بدأ مرشد المهيري بنشر إنتاجه التصويري على شبكة الإنترنت، ويقول: أتاحت لي الشبكة العنكبوتية فرصة الارتقاء بنفسي ولقطاتي، كما أنها وسعت دائرة اهتمامي بالتصوير، فعبرها أعرض 99% من إنتاجي، وعبرها وصلت إلى الجمهور، واستطعت المشاركة في عدد من معارض التصوير في كل من أبوظبي ودبي والعين ومنطقة مسافي، وعبر هذه المعارض استفدت من آراء النقاد وعيون الفاحصين.
مدرب بلا تدريب
من الغريب أن مرشد الذي لم يتلق أي دورة في التصوير صار مدرب تصوير، عن هذه النقلة يقول: أكبر تحد أنجزته بنجاح كان كيفية استخراج المعلومة التي من شأنها رفع مستواي في التصوير، ثم تقديمها للآخرين بصورة أسهل من الطريقة التي تعلمتها، وربما بعدة طرق مختلفة، وهذا هو التحدي الآخر. لذا قدمت ورشاً بصورة مغايرة عن التي يقدمها أساتذتي الأفاضل من المصورين المحترفين، اعتمدت فيها على أن يبدأ المصور بالخيار الاحترافي مباشرة وبصورة عملية بعيدة عن رتابة الأسلوب النظري، وقد وجدت بعض العتب في ذلك ولكن ولله الحمد أثبت هذه الطريقة نجاحها. ويتابع المهيري: تلعب الندوات والورش والمعارض دورا كبيرا في حياة المصور فمن دونها لن تُصقل مواهبه بصورة فعالة، وهي «اختصار للزمن» نوعاً ما، فالمصور دونها يحتاج مدة أكبر تصل إلى سنين كي يتعلم ما يستطيع أن يتعلمه خلال أشهر بسيطة، بسبب غياب النشاطات الفعلية القيّمة. احتاج مرشد المهيري إلى خمس سنوات لينتقل من الهواية إلى الاحتراف، ويقول: كثيرون من الشباب الإماراتيين يمارسون التصوير كمهنة إضـــافية، فهم موظفون صباحاً ومصورون مساء، لكن المحترف يكون التصوير مصدر رزقه الوحيد، وكان حبي للتصـوير دافعي لأن إتجه إليه كحرفة أساسية، فهو مجدٍ نفسياً ومادياً ومعنوياً أيضاً.
الطبيعة والخطر
تتنوع صور مرشد المهيري في مختلف الأوجه، لكن يبقى تصوير الطبيعة أقرب إلى قلبه، يقول: يقربني تصوير «اللاند سكيب» لجمال وطني في كل أحواله، وفي كل فصوله وفي كل ظروفه، لهذا أجد تصوير الطبيعة أقرب للقلب ويثير حماستي بصورة عجيبة، ولعل أجمل ما فيه أن تتضمن صوري قطعة فنية تراثية كبناء تراثي أو قارب من القوارب القديمة أو معلم سياحي أو شعبي معين، وعندما أصور الطبيعة أنسى نفسي لساعات ولا أشعر بالوقت. عشق تصوير الطبيعة، كاد أن تزهق روحه ذات يوم، يقول مرشد: كان يوما بحريا عاصفا، حملت معداتي ووقفت على حافة القارب، أجازف بقوة لالتقاط صورة الموج، حاولت وكنت أود أن أنتهي بسرعة، لأن ضبط الإعدادات يحتاج إلى دقة لا توفرها لي حركة الأمواج العالية، حقيقة شعرت بالخوف حين أوشكت على السقوط في البحر، ولكن ولله الحمد التقطت الصورة وابتعدت عن حافة القارب، ومع أني من مرتادي البحر الدائمين، وجدت تلك الصورة بمثابة المغامرة التي يجب أن لا تتكرر ففي النهاية «موب كل مرة تسلم الجرة». أما أطرف صورة، فهي مقلب من طفل صغير، يضحك مرشد قائلا: أعتقد أنه شقي ومشاغب، فقد أوقعني في مقلب غريب، كان طفلا يملك الكثير من التعابير العفوية المميزة، فجذبتني تفاصيل حركاته وأخرجت الكاميرا والتقطت صورة سريعة، ولدى عودتي للصور اكتشفت أنه أخرج لسانه بصورة يستفزني بها ولم أنتبه لأن الحركة التي قام بها في نفس وقت التقاطي للصورة، ونجح في ذلك!