المرئي في أعمال منصور البكري
عصام الياسريبعد فوز إحدى لوحاته في المعرض الدولي الأول لرسوم الكاركاتير في “أغادير” المغرب، قام “منتدى بغداد للثقافة والفنون ـ برلين” في 28 أكتوبر/تشرين أول 2017 وسط جمهور من المثقفين والفنانين والاعلاميين العرب والألمان بمنح “شهادة التكريم” للفنان التشكيلي المبدع “منصور البكري”، تقديراً له وفوزه المتميّز بالجائزة الأولى. أيضاً مسيرته الفنية التي لازمها إصراره على محاكاة قيّم ومصير وطن اسمه “العراق”.
ويعتبر فن رسوم الكاريكاتير من الفنون النقدية المهمة في وسائل الإعلام كونه وسيلة تعبيرية ساخرة ترصد الظواهر المجتمعية والسياسية بطريقة نمطية ثاقبة وبشكل كوميدي لاذع، وبأسلوب بصري يتجلى فيه الحدث بشكل صارخ.
وتميزت الصحف والمجلات السياسية الشهيرة في العديد من بلدان العالم ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، بنشر رسوم الكاريكاتير المعنية بالسياسة وأحوال المجتمع. وهناك مشاهير من محترفي فن رسم الكاريكاتير يجولون حول العالم يرصدون الوقائع والأحداث اليومية في مجتمعاتهم، وكان الفنان الفلسطيني الرائع الراحل ناجي العلي واحداً من هؤلا ، وكان يتصدى في نهاية القرن الماضي لتسليط الضوء على هول الحروب وقهر دول وحكومات جائرة لشعوب وأمم. ولعل أكثر إثارة وتهكمية تلك الرسوم التي تتعرض للسياسيين وقادة الدول والفنانين بطريقة ساخرة.
من بين 400 فنان محترف، شاركوا بمعرض فن الكاريكاتير الدولي الأول الذي أقيم في 21 يوليو / تموز 2017 في مدينة “أغادير” بالمغرب، فاز الفنان العراقي المبدع منصور البكري بالجائزة الأولى. والمعرض هو الأول من نوعه على مستوى العالم العربي، وشاركت فيه 75 دولة من ضمنها 15 دولة عربية. ضم أعمال: كاريكاتير “بروتريه” ورسوم كاريكاتير تحت عنوان “مرحبا أفريقيا”، تتميّز من ناحية البعد الفني شكلا ومضموناً بنقاء الألوان التعبيرية وبلاغة اللغة التصويرية وأسلوب التكنيك وإكتمال الدلالات الرمزية المثيرة.
بعد فوزه بالجائزة كتب بعض الصحافيين في وسائل الإعلام يباركون الفنان، ومن بين هؤلاء الصحفي ستار كووش الذي قال: بماذا سنشعر، وكيف سنفكر، حين نعرف أن مجموعة من المنظمات الثقافية الألمانية في برلين تحتفي بفناننا المبدع منصور البكري، تحتفل به وتعطيه بعضاً من حقه وتشير إلى إبداعه الجميل وحضور رسوماته التي تداعب المشاعر وتدخل الروح بعذوبة تنفيذها وتقنيتها المميزة وأسلوبها الخاص بالبكري، والذي لا تخطئه العين. نعم، لقد عاد منصور في الأيام الماضية منصوراً من المغرب الى برلين وهو يحمل جائزة حصلت عليها إحدى رسوماته المشاركة في مسابقة المغرب الدولية للكاريكاتير، حيث حصل على الجائزة الاولى في رسم البورتريه. منصور لم يمثل ألمانيا في المهرجان، ورغم ذلك احتفوا به وأشاروا الى جمال وحضور رسومه وابداعه، هو الذي مثل العراق في المهرجان.
والسؤال المطروح أمامنا، هل سيكفي إحتفاء مؤسسة ثقافية مثل “منتدى بغداد” لتكريم فنان مثل “منصور البكري” وفاءً لمنجزه الإبداعي الذي لازمه، حيوياً ، ثرياً، يسير على خطى ثقافة بلدٍ حضارته آلاف السنين؟ وهل يستحق هذا الفوز بالجائزة الأولى على لوحة كاريكاتير “بروتريه” لشخصية الفنان المغربي ابراهيم بالهادي؟ الجواب بالتأكيد ، نعم.
وبصدد الفوز، يقول الفنان العراقي منصور البكري: لا يشكل بالنسبة لي هذا الفوز الذي تفاجئت به قسطاً اعتبارياً وفنيا مهما وحسب، انما أصنفه مرسالا يجسد مشاعري تجاه وطني حيث شاركت باسم “العراق” على الرغم من أنني مقيم وأحمل الجنسية الألمانية لأرفع شأن بلدي بين الأمم. وعلى قدر قيمتها الفنية والمعنوية، أعتقد أن مشاركة الفنان منصور لها اعتبارات مهمة شكلت أساساً متجذراً يعبر عن أصالته تجاه وطنه وحضارة بلاد ما بين النهرين التي لها من القيم الثقافية والإنسانية ما لا تملكه حضارات أخرى.
تثير أعمال الفنان منصور البكري التشكيلية، جدلا فنيا يتمحور حول مفرداته المتميزة، التي تحمل ظواهر اجتماعية، استطاع أن يقومها بطريقة “سيميائية” لا تخلو من احساس داخلي غير مرئي او ملموس، تتموضع فيها الأشكال البنيوية والألغاز على نحو مثير. واستطاع في لوحاته أن يظهر الرمزية للعيان أو يوظف اوصافها. ونحن نتحدث هنا عن أثر “البعد الثالث” وكأننا نبحث عن القيّم الفنية التي تشكل عادة أعمدة العمل التشكيلي، كالطاقة والحركة والظل واللون والأسلوب الجمالي بالاضافة الى الظواهر “السـوسيولوجية”.
ومن المنظور النظري الجمالي في أعمال الفنان منصور البكري المصنفة في علم فنون الرسم بالواقعية، تتميز بثنائية التصنيف، متمردة على الأزمنة على الأقل روحيا وبصرياً، وتجسد مظاهر الحدث أو شكله من ناحية التراتبية والملاءمة وكأنها مثالات خياليّة.
إن أعمال الفنان منصور البكري التي تمتاز بالألوان المائية “أكرليك” متقاربة من بعضها ومنسجمة في أسلوبها الفني، كما لو كانت تشكل كلها جدارية، تتسم برؤية تعبيرية تعد من أبرز فنون الرسم “الواقعي المعاصر” أو ما يسمى بفن الرسم “التسجيلي”.
وكما اراد “غوته” في رائعته “فاوست” ان يستمد – مثلما رسمها المتصوف باراسيلزوس في حكاياته العجيبة من روح العصر – الرغبة في امتلاك المعرفة للوصول الى الحقيقة، فمنصور استطاع الى ما وراء الحدود، أن يخلد في أعماله التشكيلية الحدث “حسيا ـ بصريا” حتى يكاد جزءاً من أدوات المعرفة لاكتشاف الواقع. وجعل أعماله تتحدث عن قهر الإنسان وتحاكي وطنا فقد عوالمه الجميلة، تحت ظل أحداث تشد قبضتها على ارث حضاري يمتد الى أقاصي بلاد ما بين النهرين.
وفقا لما نشر بصحيفة ميدل ايست أونلاين.