التشكيلية السورية سارة شمة- مواليد دمشق 1975- باتت في فترة قصيرة جداً من أهم الأسماء في عالم الفن التشكيلي، حتى اقتنيت أعمالها في غاليرات ومجموعات خاصة أشخاص حول العالم. وشاركت في أكبر معرض في بريطانيا لفن البورتريه المعاصر عرض ما يزيد على 200 عمل من أفضل أعمال البورتريه المعاصرة.
حصدت سارة شمة خلال مشوارها الفني العديد من الجوائز المحلية والعالمية، كالجائزة الرابعة في مسابقة البورتريه العالمية BP Portrait Award في الصالة الوطنية للبورتريه، لندن، بريطانيا 2004، والجائزة الأولى للرسم في مسابقة الفن العالمية Waterhouse للتاريخ الطبيعي في متحف جنوب أستراليا مدينة أدوليد، أستراليا 2008، وغيرها في سورية وألمانيا واسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، وحصدت الجائزة الرابعة للرسم بالإضافة إلى تقدير خاص في بينالي فلورانسا التاسع في 2013، وذلك من بين 450 فنان من مختلف أنحاء العالم ومن ضمنهم الفائز بالجائزة الدولية الفنان البريطاني أنيش كابور.
أقامت أكثر من عشرة معارض فردية و25 معرضاً جماعياً في سورية والكويت والامارات ولندن، التي انتقلت إليها مؤخراً بعد أن تم منحها إقامة نادرة وهامة باعتبارها “موهبة استثنائية”.
تناولت الفنانة مواضيع مختلفة في لوحاتها، غير أنها لم تخرج عن موضوع الإنسان، فهي ترى كل شيء من خلاله ومن خلال تحولاته وأفكاره وهواجسه.
إنها تقتفي شمة الأثر العميق للرعب على الجسد وتعبيراته، وتظهر رغبة متجددة في سبر واختبار أعماق نفسها قبل غيرها في لوحاتها، حتى في تلك التي لا ترسم فيها ذاتها. إذ لا يسلم شكل الجسد أو الوجه في لوحاتها من التشويه، ولكن دون المساس بـإنسانية ملامحه مهما اشتدت وطأة الألم أو الخوف أو الشك الذي اعتراه أو تعرض له.
يجد الناقد التشكيلي ميموزا العراوي أن هذا العنف الذي تعرض ولا يزال يتعرض له الشعب السوري، كان كفيلا بأن يعلي من نبرة الأحمر المتخثر في لوحاتها، وأن يقتطع من الأجساد أعضاء التقطتها سارة شمة قبل أن تفقد حيويتها، لتشحن بها فضاء لوحاتها ضاربة عرض الحائط قانون الجاذبية الأرضية.
شمة قالت في حديث صحفي إن “الإنسان هو أسمى موضوع بالنسبة لي وأشعر أن أي عمل فني أو أدبي أو غيره لا بد أن يدور حول الإنسان ومن أجله حتى لو لم يظهر فيه فأنا أرى نفسي أرسم الإنسان دائماً ذكراً وأنثى وطفلا بأحوالهم وأوضاعهم وحركاتهم وأمزجتهم المختلفة بأفراحهم وأتراحهم لأن ذلك ما يؤثر في نفسي وشعوري وما يتفاعل معي وما يلهم خيالي”.
تعتقد شمّة بأن الأطفال الذين يتم تشجيعهم على التعبير عن أنفسهم بحرية ودون خوف من القمع، الذين يسمح لهم بالفوضى وباحتضان حماسي لممارسة الاكتشاف كل يوم،” سوف يشبّون مشبعين بقيم السلام والحرية، تلك القيم التي تشكل الحصن الأقوى ضد الحرب الأهلية. الأطفال السعداء يصبحون بالغين أكثر ثقةً، لا يقعون بسهولة فريسة في أيدي أولئك الذين يريدون استغلال المظالم لأغراض مدمرة. قد لا يكون هؤلاء الأطفال ضمانةً أكيدةً ضد العنف والحرب، ولكنهم شرط أساسي للديمقراطية، ومعها أي أمل في سلام دائم”.
خلال زيارتهم لمرسمها في لندن، أعطت شمة الأطفال أدوات رسم للهو بها، وقامت فيما بعد باختيار عناصر من رسومات الأطفال ونسختها على البورتريهات، فدمجت بذلك إبداعاتهم الوليدة في العمل الفني الخاص بها، مما حول العمل لنوع من التعاون، فضلاً عن استحضار شخصي للحظة معينة وثمينة من هذه ‹الحيوات› الشابة.
اختارت الفنانة أن ترسم في أول مسابقة لها حيوان وحيد القرن، لأنه بالنسبة لها حيوان حزين ومسالم بشكل مستمر. وتقول سارة شمة في إحدى المقابلات “ركزت على رسم تفاصيله وخاصة مسام جلده التي تشبه مسام جلد الإنسان، رسمت له قرناً وهمياً، لأنه كان مقطوعاً في الطبيعة. كذلك اهتممت برسم عين وحيد القرن التي تتميز بوجود دمعة دائمة فيها، وهذه خاصية مؤثرة تعنيني كثيراً، وأحب أن أعمل عليها”.
مؤرخ الفن البريطاني ادوارد لوسي سميث تحدث بأن شمة امتلكت الشجاعة لتتفاعل مع الأحداث المأساوية الجارية في بلدها وتعلق عليها من خلال لوحاتها الحديثة التي تعتبر رجع صدى للشعور بالأوضاع التراجيدية الراهنة في وطنها، مبيناً أن التركيب والاستخدام الروائي في أعمال شمة يستدعي المقارنة مع أعمال رسامي التاريخ العظماء من أمثال غويا ودولاكروا في رائعته مجازر خيوس.
ويرى سميث أن لوحات شمة تأخذنا من خلال ما يشبه الرحلة السينمائية في تجربة الحرب نفسها فتسمح لنا بمشاهدة فظائع التهجير والفقدان وحتى الاحساس بها عبر أعين اللاجئين والمعذبين والمشوهين وضحايا الإرهاب. وفقا لما نشر بصحيفة الاتحاد برس.