كوراث وحوادث وجرائم كاذبة، وحرائق وغرق، صور وفيديوهات بغرض الإثارة ونشر الشائعات يتناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«يوتيوب»، و«واتس أب» وغيرها، بعضها صحيح والآخر مفبرك أو قديم تحت عناوين جديدة. فهل هنالك من أصبح ذلك شغله الشاغل نشر الشائعات والترويج لها، وما هدفهم، ومن هم؟
«سيدتي» ناقشت هذه القضيَّة مع عدد من الناس، للوقوف على مدى وعيهم بموضوع تناقل الصور على المواقع والجوالات، ورأيهم حول من يصور وينشر.
انتهاك للخصوصيَّة
بداية أوضح محمد العرفي”32 عاماً”، مصرفي وإعلامي وناشط اجتماعي، أنَّ التجمهر عند مواقف الحوادث يعد ظاهرة اجتماعيَّة تنشأ من حبِّ الفرد للاطلاع على المشاهد غير المعتادة في حياته أو الخطرة، مثل وقوع تصادم بين مركبتين أو حريق، ودوافع هذا السلوك تكون عادة لا إراديَّة عند معظم الأفراد الذين دائماً ما يتوقفون بمركباتهم لإلقاء نظرة على موقع الحدث، لكن المشكلة تكمن في الطفوليين الذين قد يقضون ساعات عديدة لمشاهدة مجريات الحادث وعمليَّة الإنقاذ من دون مبالاة لما يسببه ذلك من إعاقة جهود رجال الشرطة في إنقاذ الضحايا أو تعطيل حركة السير، إضافة إلى أنَّ قيام البعض من فئات عمريَّة مختلفة، وأكثرهم من المراهقين، بتصوير ضحايا الحوادث، يمثل انتهاكاً لخصوصيَّة الضحايا، خصوصاً أنَّه يتم من دون موافقتهم، وهم يكونون في موقف يحتاجون فيه للمساعدة والإنقاذ.
تجريح لمشاعر الآخرين
ويتفق معه عبد الرحمن المنصور”35 عاماً”، المذيع بقناة الاقتصادية ، فقال: أعتقد أنَّ هذه الظاهرة غير إيجابيَّة؛ لأنَّ فيها تجريحاً لمشاعر الآخرين، وقد شغلت الناس عن تقديم المساعدة ويد العون لهم من خلال استدعاء الجهة المعنيَّة لإنقاذهم، وربما يتسبب وصول هذه المقاطع لذويهم في حادثة أخرى.” ويحكي المنصور عن حادثة صادفها في طريقه من الطائف إلى جدة ، حيث وجد تجمهر كبير على حادث جمال مع سيارة صغيرة ، وجد فيه مجموعة كبيرة من المصورين رغم وجود المسعفين وبعض من يحاولون الاتصال بأمن الطرق والاسعاف ، وبالتالي ساعدت عملية التجمهر في إعاقة الحادث ، وكان المنظر مريعا وابدى المنصور استغرابه من سلوك الناس رغم وجود الجثث والمناظر المروعة إلا أنهم كانوا يتسابقون في التقاط الصور !
كارثة ومناظر مخيفة
أما عائشة النويمي “45 عاماً”، تربوية متقاعدة فتحكي عن قصة ابن اختها الذي خرج ذات صباح هو أصدقاؤه متوجهين لحفل تخرجهم من الثانوي في احد المدارس في طريق الملك بجدة ، وقدر الله أن يصطدم به احدهم ويدفعه إلى الرصيف وانقلبت السيارة عدة مرات إلى أن استوت عند نخلة فوق الرصيف وتكمل ” طار ابن اختي وسقط على الرصيف ، وسقط أحد اصدقاؤه على الاسفلت والثالث حشر داخل السيارة ، وحينها تجمهر الناس حولهم وعرفنا كل شيء من خلال الصور على مواقع التواصل ، حيث كانت صور مزعجة جداً لأختي ولي وأهل المصابين ، حتى الشاب الميت داخل السيارة لم يرحموا أهله من ذلك المنظر المخيف ، والحمد لله أن ابن اختي فاق من الصدمة بعد اصابته في رأسه وعدة انحاء من جسمه إصابة كبيرة ، ولكنه لا زال يتذكر المصورين وهو يصيح لطلب المساعدة ولكنهم مشغولين بالتصوير ، لولا وجود بعض من ذوي الشهامة حيث قام أحدهم بالصراخ في المصورين والمتجمهرين واحتضن ابن اختي واقتطع قطعة من ثوبه ليلف بها رأسه وساعده حتى وصول الإسعاف !”
الشعور بالنقص
ويضيف ناصر بشير”18 عاماً”، أنَّ استخدام الكاميرا بشكل فردي لتصوير الحوادث سلوك خاطئ، فغالباً لا يراعي المصور حرمة من يصورهم، علاوة على عدم مراعاته لمشاعر المتضررين وأسرهم، كما أنَّه قد يعيق عمليَّة الإنقاذ أحياناً وهذه مصيبة بحد ذاتها. والسبب في هذا السلوك هو الشعور بالنقص الذي يشعر به البعض فيسعون لتعويضه من خلال الضجة التي قد تحدثها المادَّة المصورة، كما أنَّ غياب ثقافة الخصوصيَّة دافع قوي أيضاً فمن لا يجيد ثقافة الخصوصيَّة في المنزل لن يجيدها خارجه.
الرأي النفسي
الدكتورة سحر رجب، مستشارة نفسيَّة وأسريَّة، أوضحت أنَّ الأمر من شقين، أولا يعيق الحركة للإنقاذ ويجلب الفوضى كثيراً، ولا يساهم في الإسعاف وإهدار الوقت وتعاظم الجهد لمن لهم الأولويَّة.
أما الثاني فيسبب الألم للوالدين والإخوة والأقارب عندما تقع الصور بأيديهم من دون وجه حق.
ومن وجهة نظري أجد أنَّ في ذلك استهتار وألم بذات الوقت. وهو سلوك سلبي يجلب الألم والتحسر عندما يصل للأهالي .ولا بد أن لهذه التقنيات أن تكون إيجابيَّة ومقننة، نسعد بها غيرنا لا نؤلمهم. فعلينا أن نتقي الله في ما أيدينا من تقنية، ولنوجهها الوجهة الصحيحة والإيجابيَّة .