وفاة المخرج محمود زموري
4 نوفمبر 2017 (منذ يومين) – الخبر أونلاين/ وأج
توفي المخرج الجزائري محمود زموري صباح اليوم السبت بإحدى مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 71 سنة اثر مرض طويل حسب ما علم لدى اليوم لدى رئيس جمعية اضواء السينمائية اعمر رايبا .
و عرف المخرج والممثل زموري المولود بمدينة بوفاريك ( البليدة) في 2 ديسمبر 1946 بمسار سينمائي ثري على غرار “سنوات التويست المجنونة ” و”مائة بالمائة ارابيكا” و “بور بلان روج” وغيرها .
توفي صبيحة يوم السبت 04 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، المخرج الجزائري القدير محمود زموري المولود بتاريخ 02 ديسمبر/ كانون الأول 1946 بنواحي ولاية البليدة/ الجزائر، بأحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، بعد معاناة مع المرض، وقد وهب زموري الذي كان يعيش بفرنسا حياته للسينما والفن، حيث يُعد من بين أهم المخرجين الجزائريين، الذين قدموا أعمالا راقية ومهمة، تناول فيها مواضيع عديدة، عكس من خلالها هاجس الأسئلة الذي يسكنه، بعيدا على أي رقابة ذاتية، على عكس العديد من المخرجين، من بينها مشكلة الهوية، الانتماء، والاندماج، وهي أزمات يعاني منها العديد من المهاجرين في فرنسا وأوروبا على العموم، في محاولة منه لنقل ما يشعر به وما يعانونه، بحكم أنه مهاجر قبل أن يكون مخرجا عايش الاغتراب، وهي الذاتية التي أسقطها على هذه الشريحة التي لطالما كانت حاضرة بقوة في مجمل أفلامه، حيث كان يقدمها بطريقة لا تخلو من الخفة والمرح، مطعّمة بتوابل الكوميديا وفنونها، والتي كانت الخيط الرفيع الذي يربط جميع أفلامه، حتى أكثرها جدية، صعبة التناول والمعالجة، وهذا ما نجده مثلا في فيلم “حلال مصادق عليه” 2015، الذي نقل من خلاله بعض المشاكل التي يعاني منها المغتربون، الذين ولدوا وتربوا بعيدا عن أوطانهم، ولم يندمجوا، إذ مزّق مفهوم الهوية انتماءهم، وأصبحوا غرباء في الفضاء الذي يعيشون فيه، وغرباء حتى في أوطانهم، ومن حين لآخر يخرج أحد المغتربين، لإثارة مسألة ما، كي يثبت للآخر أنه يعتنق مفاهيمه ورؤاه، وهذا ما فعلته “كنزة” بطلة الفيلم المذكور، وهي مغتربة تعيش في إحدى المناطق التي تقطنها أغلبية مهاجرة ومسلمة، حيث أثارت مسألة مهمة جدا، وهي “العذرية”، ما دفعها لتحريض النسوة والفتيات لإثارة هذا النقاش، وهو ما جعل القضية تتسع، ويتم تداولها إعلاميا، وسط سخط العائلة والسكان من هذه المرأة التي خرجت عن خط عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الإسلامية، ومن هنا يقرر أخوها البحث عن حل لإصلاح هذه الفضيحة الكبيرة “حسب اعتقاده” التي أثارتها أخته، حيث يقرر إرجاعها للبلد، وتزويجها ابن العم الذي لديه أكثر من زوجة هو الآخر، حيث وافق على الأمر من أجل كسب الوثائق والهجرة. وسط هذه القوالب الاجتماعية والفكاهة، يقدم المخرج محمود زموري رؤاه لمسألة الاندماج، وقد سبق أن أخرج بعض الأفلام التي سارت على هذا النحو، على غرار، “خذ ألف فرنك وانصرف” 1981، و”من هوليود إلى تمنراست” 1991، و”100 بالمائة أربيكا” 1997، ” بور بلان روج” 2006.
أما أكثر الأفلام قيمة للمخرج، سواء من الناحية الفنية أو “الثيمة”، فهي تلك التي ناقش من خلالها مواضيع تتعلق بالثورة الجزائرية، كانت ولا تزال تابو لفئة واسعة من المخرجين، وتحمل نقدا لاذعا عليها، على غرار فيلم “سنوات التويست المجنونة” 1986، الذي تناول من خلاله فترة مهمة جدا من تاريخ الثورة الجزائرية، وهي فترة ما بين (1960-1962)، أي سنتان قبل الاستقلال، الحقبة التي أفرزت الكثير من الانتهازيين، حيث قام العديد من الأشخاص ممن لا تجمعهم أي علاقة بالثورة بالانخراط فيها، بعد أن أحسوا بأن الاستقلال على الأبواب، وتبؤوا مناصب مهمة في اللحظات الأخيرة، لسبب بسيط هو إجادتهم القراءة والكتابة، على حساب المناضل الحقيقي الذي لا يجيد القراءة، فمثلا نلاحظ في هذا الفيلم كيف قام أحد الشباب الطائش (أدى الدور مالك لخضر حمينة)، الذي لا يحفل بشيء اسمه الوطنية، بتقلد منصب، ومن خلاله يبدأ في خدمة مصالحه الخاصة، ووالده (أدى الدور مصطفى العنقة) الذي يخاف ويحابي فرنسا ولا يقدم لهم أي دعم، حيث تحوّل إلى مناصر للقضية الجزائرية يوزع ويبيع الأعلام. يقدم الفيلم الكثير من الرسائل المهمة والقوية، من بينها مثلا صورة اليهود والثورة، يقدم إسقاطا رمزيا على الضباط الجزائريين الذين كانوا في الجيش الفرنسي، والتحقوا بجبهة التحرير الوطنية في اللحظات الأخيرة، وأكثر من هذا كله هو إنتاج الفيلم من طرف الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية، خصوصا أن تلك الفترة شهدت صعود وتبوؤ هؤلاء الضباط مناصب عليا وحساسة في الجيش والسلطة، وقد كسر الفيلم هذا الـ”تابو”، عن طريق أحداث هزلية ومضحكة، لكنها كانت قوية وعكست مواقف كبيرة من الثورة الجزائرية.
أما الفيلم الثاني، فلا يقل أهمية ونقدا للثورة عن الأول، إذ تعامل مع الثورة بجرأة كبيرة، لا تقل أهمية عن جرأة الرواية التي اقتبس منها الفيلم والتي حملت نفس العنوان “شرف القبيلة”، للكاتب رشيد ميموني. تدور أحداث الفيلم في قرية صغيرة، يعيش أهلها بشكل عادي تماما، مختلطين ببعض المعمرين، حيث تتواجد في القرية ثكنة عسكرية، وفي إحدى المرات أحضر أحد الأشخاص دبا في قفص، ليقدم به عرضا في القرية، حيث تحدى من يتشاجر معه، فقبل أحدهم هذا التحدي، في الأخير صرعه الدب، ومات وترك خلفه طفلا وطفلة، لكن هذا الشخص الميت لم يجد من يصلي عليه، بعد أن أفتى شيخ القرية بعدم جواز ذلك لأن نسبه مجهول، وبعد فترة زمنية كبر الفتى وأخته، وأصبح مشاغبا وسكيرا في القرية، يسرق ويعتدي على الناس، ولا أحد يقدر عليه، بحكم قوته العضلية، وفي مرة من المرات عاد إلى البيت وهو مخمور، حيث قام بعلاقة غير شرعية مع أخته، هذه الأخيرة حملت منه، أما الفتى فذهب إلى بيت دعارة في المدينة، وهناك حدث له شجار مع أحد الزبائن الأوروبيين، وبعد أن ضربه لم يجد مكانا يذهب له إلا الجبل، وهناك التحق بصفوف الثورة، أما أخته فلم تجد هي الأخرى مكانا بعد أن نمى الجنين وأصبح منظر حملها باديا للعيان، ولجأت إلى الثكنة العسكرية الفرنسية، حيث أصبحت عاملة فيها، وعشيقة للضابط الذي عرف قصتها، وفي نفس الوقت تم إحضار شخص إلى تلك الثكنة يرتدي بدلة أنيقة، وعرف هو الآخر بتلك القصة، وعندما استقلت الجزائر قدّم صاحب البدلة الأنيقة نفسه للسكان على أنه مناضل جزائري كان تحت الإقامة الجبرية، وطلب منهم أن يتصلوا به في حالة احتاجوا إلى شيء، وعاد إلى العاصمة، أما الفتى فقد نزل هو الآخر من الجبال، وتبوأ منصبا سياسيا كبيرا، ورجع إلى تلك القرية لينتقم من أهلها على ما فعلوه بوالده وبه، عندما كان صغيرا، وقرّر هدم القرية، وقطع الشجرة المقدسة بالنسبة للسكان، وعليه يظهر ابنه الذي أنجبه من أخته، ويسافر أبناء القرية للعاصمة لمقابلة صاحب البدلة الأنيقة، كي يحميهم من شر هذا الرجل، تتشابك القصة إلى أن تصل إلى ذروتها.
يمتلك الفيلم من الناحية الفنية حبكة قوية، وكما هائلا من الجماليات التي عكسها المونتاج الجيد وعمليات ضبط الإطارات التصورية، ناهيك عن الاختيار الجيد لأماكن التصوير، أما الموضوع فقد كان قويا لدرجة كبيرة، ويحمل جرأة لم يقدر أي فيلم على تقديمها، بحكم أن الجهات التي مولته فرنسية، ومن هنا يمكن معرفة سبب كسر هذا التابو بسهولة تامة.
لم يتوقف محمود زموري عند الإخراج فقط، بل تعداه إلى التمثيل في الكثير من المرات، وهذا في العديد من أفلامه وفي أفلام غيره كذلك، مثل فيلم “تشاو بانتان” لكلود بري 1983، و”بينو شرطي بسيط” لجيرار جونيو، 1984، و “الزمالة” 1984 لجون لو اوبير، و”ميونخ” 2005، لستيفن سبيلبرغ.