استدعيت ذاكرتي اليوم بعد رحلة جمال كنت في حوزتها البارحة.. بدعوة كريمة من الفنان “زهير طولة” وزوجته الرقيقة, جو من البساطة اضفى الكثير من الألفة والصدق في اللقاء وبعيدًا جدًا عن التكلف والاصطناع كان هناك حوار سمته الاساسية “الفن التشكيلي” ومحتواه مثل المعاناة في تمكين الفنان من نثر رؤاه للأحداث التي يتعايش بها مع ما يتفق من احداث يومية حياتية…
تكلم زهير بشفافية عن رحلته الفنية بتعبيرية رائدة… تحمل في محتواها معاناة مشتقة من رحم الوجع فكانت سفيرة لقناعته الذاتية المنبثقة.. من تاريخ امتد ما يقارب الـ25 عامًا أودعه مجموعاته الفنية “ممتلكات الأرض” أو “خدود الأرض” كما يحب أن يطلق عليها, ومرورًا بمعرض مجزرة جنين, ودعوة للحوار في معرضه الثنائي مع الفنانة “نورة القحطاني”.. وتتجلى المعاناة في معرضه الخاص “لمجزرة جنين “ووصولا بعمله الحالي لـ 100 وجه.
تتملك “زهير طولة” مساحات حزن تبرز في ضربات فرشاته التي قد يعتقد البعض أنها صفة عنف.. في اسلوب تكوينه للوحة.. لكن من يقترب من تلك المعاناة يدرك كونها تعبيرات عميقة نابعة من عمق الإحساس بمعنى الحدث, رغبة منه في بناء الحقيقة كما يراها انتفاضات تناقش المعنى والمضمون, يكتب حروفياته المتقطعة, ويصور لحظات كٌتبت على الجدار خطته يد مناضل استشهد بالأمس, هذا التلاصق اضاف.. حميمة إلى تعبيراته العميقة بشفافية تناغمت في تكويناته غير المحدودة فهو يعبر جسور الإنسانية الممتلئة بالجروح الألم, المعاناة.
يدمج ألوانه بعنفوان مقاتل, يفتت اللون على سطح اللوحة كنشيد اقتبسه من وداعة الحلم, كسرته حدة الواقع فانهزم الحلم، هكذا رأيته حالما يسعى لدمج الخيال بالواقع … وقتها قلت:
ليته يتروى!!!
اليوم وبعد أن تحاورت معه سمعت معاناته.. عشت في لوحاته.. اصراره استمراريته
رغم كل إنجازاته “مفتاح ليون, جائزة السعفة الذهبية”, وغيرها الكثير من الجوائز على مستوى دولي.. بعدها ادركت أن كفاه ترويًا فليته الآن يكون ذلك الحالم الذي يدمج الواقع بالخيال وبلا ترو!!!
نعم.. توقفت كثيرًا أمامك يا شام…. عشت فيك معاناة اللجوء التهجير والخوف، جرعات الألم… تكاثرت عليك الاوجاع.. فكانت الخطوط فيك حادة قاسية… مربكة لمن يعيش, اللوحة تنادي أين أنا؟ هل هو الشتات؟ أم هي الهزيمة؟ أم ماذا تنادي “لوحة شام” ومن تنادي؟
وإلى أين؟ وحتى متى؟؟
وبنفس الأسلوب البسيط الذي تم فيه الحوار برزت صفة تميز بها أبناء المدينة النبوية بأنوار ساكنها عليه الصلاة والسلام التلقائية أكدها الناقد الفرنسي أونوتسو. جي يو، حين قال: زهير طوله دائماً حاذق، بارع يستمد إلهامه من وحي الضوء الساطع الذي يتميَّز به المدينة التي ولد فيها”.