وما يخطه مداد القلم
لا فرصة لمحو الأثر
فبصمة المداد في الرسم كالقدر
يروض الفكر آثار القلم
والخيال سابح في فراغ القلم”.
يُدوُن الفنان التشكيلي محفوظ صليب مقطعا بعنوان “انطلاقة بين ورقة وقلم” بجانب لوحته المُشكلة باللونين الأبيض والأسود، لوحة دقيقة التفاصيل مليئة بالتعاريج والتموجات التي تستدعي للذهن تشريح الورود والأشجار القديمة.
مشاركة محفوظ صليب تأتي ضمن مشاركة 300 فنان في المعرض العام بقصر الفنون بالقاهرة، في دورته الـ 39.
المعرض العام هو أحد أبرز اللقاءات التشكيلية التي تُعقد سنويا في مصر، وحسب خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، فإن هذا الحدث يُقدم رصداً مهماً للمشهد التشكيلي المصري المعاصر.
وأضاف في كلمته، خلال افتتاح المعرض العام بدار الأوبرا المصرية، إنه إلى جانب أهمية وجود هذه الفعالية الفنية القومية على خريطة الأنشطة التشكيلية السنوية، فإن دورية انعقاده بانتظام تشكل امتداداً معرفياً يُمكن من خلاله رصد وتحليل المنحنى الدال على مسيرة التشكيل المصري الرائد سواء إيجابا أو سلبا”.
المعرض العام هو الحدث الأهم والأكبر على الساحة التشكيلية المصرية المحلية، ويُشارك في هذه الدورة فنانين فوق 30 سنة في مجالات التصوير، النحت، الخزف، التصوير الضوئي، الجرافيك، الرسم، الكمبيوتر، الفنون الفطرية، التجهيز في الفراغ، التصوير الجداري، والخط العربي.
أعمال الفنان مصطفى الرزاز كانت في مقدمة قاعة العرض، شخصياته حالمة تهبط من تاريخ قديم، شعر عفوي وعيون فرعونية، الخيول والطيور والبشر يختلطون تماما في عمله، يتبادلون الأدوار وكأنهم من عالم آخر، كنقوش على معبد مصري قديم.
استخدام الخامات المتعددة كان من أبرز ملامح أعمال المعرض العام، ويبرز مشروع مكتمل للفنانة سماء يحيى ككتلة مسرحية في قلب المعرض العام، خلفيته “الخيامية” المصرية المستوحاة من الموالد الشعبية، وأبطالها عرائس مصنوعة من خامات مُعادة التدوير على رأسها الخشب والمعدن والرمل والأوراق المجففة وبعض مخلفات البناء، تكاملت العناصر وبنت تكوينا مسرحيا يُحيلك لأجواء “الليلة الكبيرة” التراثية.
النسيج كذلك كان له نصيب من استخدام الفنانين، منها عمل استخدم تدريجات صوفية تموج كبحر للفنانة رندة فخري، وأخرى جعلت من وجه الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو مركزا رئيسيا لعملها، بحاجبيها المعقودين الشهيرين، كانت فريدا خلفية ممسوحة كطيف بعيد وأثر صاخب.
الخط العربي كان له حضوره البارز ، تمت الاستعانة به في أغلب الأحوال كحلية تضيف للعمل وتشحنه جمالا، بما في ذلك الأعمال التي جمعت بين النحت والتصوير، والأخرى التي استخدمته في تداخلات مع العمل التكويني للألوان كعمل الفنان أشرف رضا الذي تقاطعت فيه الألوان بين زاعق وبارد مع الخط العربي، مضفية على ركن عرضه الكثير من العفوية والاستئثار.
رغم المباراة اللونية الخصبة التي تحاصر المعرض العام، فالاستحواذ الذي خلقه استعانة بعض الفنانين باللونين الأبيض والأسود والتدريجات “الفحمية”، كان لافتا، لاسيما في عمل قدمه الفنان فتحي عفيفي محمد، أقرب للقصة المصورة، التي تُستعرض في فصول متتالية لأبطال متحركين.
“البورتريه” كعادته هو سيد القرار، استخدمه عدد كبير من الفنانين كمحرك للأحداث، كمركز للكون، كمستقر أخير، إطلالات كثير منها يغمرها الحزن، والسكون.
التماثيل البرونزية والمعدنية تقبع في أركان المعرض بانسيابية مع اللوحات، اللافت كان المنحوتات الزجاجية التي استعارت من جسد الإنسان أجزاء من جسده كالقلب، وتظهر عليها تعريجات تشريحية كالتي تظهر لك في صور الأشعة المغناطيسية.
علاوة على تماثيل أخرى جعلت أذن البشرية بطلتها، وأخرى ليد معلقة تُطل منها القوة وهي في مهمة طحن ثقيل.
وأطلت الفنانة الراحلة سعاد حسني في المعرض العام من خلال لوحات “جرافيك” اتخذت ركنا خاصا، تبدلت فيه ملامح السندريلا حسب زاوية رؤية المشاهد، أحيانا تستقيم ملامحها وأخرى تتبدل وتتشوش وتصبح طيفا شاردا لها.
أما “الكولاج” فحلّق على عدد كبير من اللوحات التي تسربت منها نزعات “نوستالجية”، وأخرى أطلّت منها قضايا إنسانية مُلحة، كلوحة الفنانة غادة أحمد مبارز التي جعلتها منصة دمج لأطفال مرض “داون سيندرم”، مع تقديمها لراقصة باليه من أطفال الـ”داون” ترقص وتحلم بكل رشاقة.
على هامش هذه الدورة تم تكريم أربعة فنانين هم: جابر حجازي، جميل شفيق، سعيد حدايه، أحمد شيحة، ويستمر حتى 8 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.