هاشم المدني الفلسطيني مؤرشف تاريخ صيدا بـالأبيض والأسود
2 يوليو 2014
بعد ثلاث سنوات تمكّن من شراء “كاميرا كوداك (ريتينات) تصوّر 36 صورة”. وراح يجول بين الشوارع والأزقة، يصوّر الشيوخ والشباب والأطفال، والشخصيات المهمّة، مثل رئيس مجلس النواب عادل عسيران، ومعروف ومصطفى سعد، ونزيه البزري، خلال الحملات الانتخابية عام 1972، في أحياء صيدا القديمة.
هكذا بات من مؤرّخي مدينة صيدا. وقد استطاع جمع 800 ليرة، من تقاضيه ليرتين ونصف الليرة مقابل ستّ صور بالأبيض والأسود، وربع ليرة ثمن الصورة الواحدة. في زمن لم يكن “التسليم الفوري” شائعاً، بل يكون التسليم في اليوم التالي، أو بعد يومين أو 3 أو أسبوع كحدّ أقصى، لغير المستعجلين.
في عام 1953 استأجر محلاً كبيراً لمدة ستّة أشهر سمّاه “استوديو شهرزاد”، واشترى معدّات تصوير وإضاءة، وواجهات مخصّصة لعرض الصور. وهناك عايشت عدسة المُدني معظم أحداث صيدا في “السلم والحرب”. ورافق فنّانين عرّجوا على المدينة منهم “وحش الشاشة” فريد شوقي و”الشحرورة” صباح، والفنانة طروب وأبو ملحم ومحمد أمين وغيرهم.
هذا الاستوديو ما زال مكانه. وكثلاجة زمنية بقي تاريخ عاصمة جنوب لبنان، صيدا، محفورا على جدرانه: صور أحداثاً كبيرة وسياسيين وزوّاراً، وصور أبناء المدينة، منذ خمسينيّات القرن الماضي، كلّها تشكّل مجموعةً قيّمة تؤرّخ تراث المنطقة.
لكن بعد ستّين عاماً من احتراف التصوير، توقف المُدني عن العمل “بسبب عدم توافر الموادّ اللازمة لمعدّاته”.
كبر الرجل، لكنّه ما زال يحافظ على هذا الأرشيف. وزيارة الاستديو أشبه برحلة في التاريخ.
“الصور مليئة بالعزّ والشغف والعمل رغم كلّ التّعب”، يقول، ويتابع: “الصور لها روح”. يحكي بين عشرات الصور التي مات معظم أصحابها، لتصير كلمة “روح” أكثر ثقلاً في الاستديو – التاريخ.
قبل الفوتوشوب كان الشاب هاشم يدخل تعديلات على بعض الصور. كأن يلبس سيّدة قرطاً، وأخرى عقداً، محوّلاً الصور إلى لوحات. هذا الرجل الذي شارف على الثمانين شارك في معارض بين فرنسا (2004)، وبيروت وبيت الدين وإسبانيا (2006). ولا تزال إحدى صوره تزيّن معرضاً فرنسياً على انّها “أجمل صورة لبنانية قديمة”. وهي “صورة مواطن صيداوي، يحمل ولده على يده، ويبدو الأخير كأنّه يطير في الهواء”.
يروي أنّ الصورة نالت إعجاب الحاضرين في معرض بلندن (2005). وقد طبع منها 500 نسخة، بيعت الواحدة منها بـ500 جنيه استرليني. يروي بفخر عن نجاحه والاعتراف “الدولي” بقيمة تعبه، ويختم: ليتني أستعيد الشباب لأعطي أكثر.