جسر المحبة: علشان الصورة تطلع حلوة
على طريقة الفنانة سعاد نصر رحلت ملكة جمال الأرجنتين السابقة، سولانج ماجنانو، منذ أيام، متأثرة بمضاعفات جراحة تجميل أقل من عادية، وسولانج امرأة مشهورة وناجحة لم يتجاوز عمرها 37 عاما، ومنذ حازت على لقب الملكة عام 1994 وهى تواصل الصعود على سلم النجاح فى مجال المال والأضواء، أسست وكالة لاستكشاف وإدارة الموديلز بعد أن تزوجت وأنجبت توأما عمرهما الآن 8 سنوات.
على موقع الكترونى أسسه المعجبون لتأبين سولانج قال أحدهم: «لا يمكن أن تكونى أجمل مما أنت عليه»، وأضاف آخر: «هل كان يجب أن تدفعى الثمن حياتك؟».
السؤال بسيط ويقترب من حدود السذاجة، لكنه يكفى لربط الأسباب بالنتائج فى حياتنا، كما يكفى لتأمل ما نحن عليه وتصورنا عن الصورة التى نود أن نكون عليها أو نرى أنفسنا بها، وأنا أتأمل حالة سولانج تذكرت صورة طريفة لقطة تتأمل صورتها فى المرآة، والمفارقة أن الصورة التى تظهر فى المرآة لم تكن القطة، بل صورة أسد.. فهل هكذا ترى القطة نفسها؟، أم أن صورة الأسد هى الصورة التى تريد القطة أن نراها بها؟
سألنى صديق وأنا أعبر عن اعجابى بالصورة وفلسفتها: وأنت.. ماذا ترين عندما تنظرين فى المرآة؟ قلت: أراها فارغة، وضحكنا، ليس لأننى شفافة وغير مرئية، بل ربما لأننى لم أشأ أن أجيب، وربما لأننى مثل الكثير منا لا أعرف حقيقة من أكون بالضبط. حين ننظر للمرآة لا نرى الحقيقة المطلقة ولكن نجد صورتنا الداخلية منعكسة على الصفحة المصقولة الناعمة.
فى السنوات الأخيرة، زاد الإقبال على عمليات التجميل بصورة مذهلة، وأصبحت تستهلك المليارات، ولم يعد زبائنها من المشاهير والأثرياء فقط، بل من العامة والبسطاء، الساعين إلى إعادة رسم صورتهم على غير ما هى عليه. أى البحث عن صورة غير تلك التى يراها فى المرآة.
لقد أسرف الكتاب منذ القدم فى وصف الإنسان بأنه حيوان مفكر أو متكلم أو ضاحك، لكن ما لم يقولوه، ويصلح جدا لتعريف الإنسان هو أنه «حيوان يعشق النظر فى المرآة».. باحث عن هويته ومهووس بصورته.
وصورتنا فى المرآة نابعة من داخلنا وليست مجرد شكل خارجى ينعكس على سطحها.. لذلك نتباهى بكثير من الصور، ونخفى الكثير منها أيضا، ففى حياة كل منا صور يحب أن يراه بها الآخرون، وصورة دائما ما نحاول إخفاءها أو التندر عليها، وأشهرها صورتنا فى بطاقات الهوية.. الصورة الرسمية التى نقدمها لكل الجهات والتى ينبغى أن تكون أصدق تعبير عنا، لكن هل هى كذلك فعلا؟،
وهل صور العائلة والرحلات والزواج هى الصور الحقيقية التى تعبر عنا، وهل فكرنا قبل أن نلوم سولانج فى أننا سبقناها وأجرينا عمليات تجميل ولازلنا نجريها بأشكال مختلفة كل يوم، لنصنع لأنفسنا صورا قد تكون أبعد كثيرا عن حقيقتنا، لكنها تظل الصور التى نحبها ونحب أن يرانا عليها الآخرون، والأمر ليس ببساطة عبارة بهجت الأباصيرى فى مدرسة المشاغبين «شوفتوا صورتى وأنا ميت.. أجنن وأنا ميت مش كده؟»،
لكن علينا أن نستعيد فلسفة أوسكار وايلد فى رواية «صورة دوريان جراى» لنسأل أنفسنا عن العلاقة الحقيقية بيننا وبين الصور التى ندعى ونزعم أنها صورتنا، فهذا شريف، وهذا ناجح، وهذا ديموقراطى، وهذا متدين، وهذا «ابن الأصول»، لكن الصورة تظل بعيدة عن سلوكيات صاحبها، وكلما شعر بذلك يقرر أن يجرى بعض الرتوش على الصورة، ولا يهتم بتعديل الأصل، فمتى نتعلم أن نجمل الأصل وساعتها «الصورة هتطلع حلوة».