مهرجان سوسة لفيلم الطفولة والشباب مهدد بالتوقف
- من الرّائج أن تتأسّس في البلاد العربيّة مهرجانات وملتقيات ثقافيّة، تعلن لنفسها أهدافا سامية وتطلّعات كبرى، بعضها يظلّ مجرّد عناوين لامعة، والبعضُ الآخر يشرع في التحقّق قبل أن تطاله يد الخذلان من قبل المؤسّسات الرّسميّة، التي تشاركه بريقه وتلتفت دونه عند بروز المصاعب والإشكالات. ذلك هو حال مهرجان سوسة الدّوليّ لفيلم الطّفولة والشّباب، الذي كان لـ”العرب” لقاء مع رئيسه، من أجل الحديث عمّا وصل إليه المهرجان، وانطلاقا منه إلى واقع المؤسّسة الثّقافيّة التّونسيّة.
العرب أشرف القرقني
[نُشر في 2017/09/29م
أرجو ألا يتوقف المهرجان
يعتبر حسن عليلش أحد أبرز النّاشطين السّينمائييّن التونسيين منذ السّبعينات. انخرط في الجامعة التّونسيّة لنوادي السّينما، وهي أوّل جامعة من نوعها في أفريقيا والعالم العربيّ، وقد أثرت المشهد التّونسيّ بكفاءات في مختلف مجالات السّينما والتّنشيط الثّقافيّ، وترأس هذا الهيكل بين سنتي 1980 و1984 ومن ثمّ سنة 2004، في سياق محاولة تجاوز الأزمة بين الجامعة ووزارة الشّؤون الثّقافيّة.
إضافة إلى مقالاته العديدة في النّقد السّينمائيّ ومشاركاته في مختلف المهرجانات الدّوليّة ضمن لجان التّحكيم. يعتبر حسن عليلش أحد مؤسّسي مهرجان سوسة الدّوليّ لفيلم الطّفولة والشّباب، ما يعرف بـ”الفيفاج”، وهو رئيسه الحاليّ.
مجرد وعود
إثر سؤاله عن المصاعب التي صار من المعروف تعثّر المهرجان إزاءها، يؤكّد لنا عليلش وجود عدد من المصاعب وتراكمها نوعا ما. تتركّز أساسا في المصادر المادّيّة، وبالتّالي تنعكس بطريقة مباشرة على فعاليّة المهرجان. وهذه الإشكالات حسب رأيه لا تنفصل عمّا يعانيه المشهد الثّقافيّ التونسيّ بشكل عامّ.
وفي محاولة منه لإجمال بعضٍ منها يقول ضيفنا “في كلّ مرّة، يأتي وزيرٌ جديد. يقدّم وعودا ويعلن عن تصوّرات كبرى لتغيير واقع الثّقافة وتفعيل عمل مؤسّساتها. لكن للأسف تظلّ هذه الوعود والتّصوّرات صوريّة. ولنا مثال واضح في ما قام به الوزير الحاليّ. فقد كانت إحدى النّقاط الرّئيسيّة التي ركّز عليها في بيان ‘مشروعه’ إن صحّ التّعبير، مسألة ردّ الاعتبار للجهات، وكسر المركزيّة المشطّة، تناغما مع روح الدّستور والتّشريعات الجديدة. كانت تلك فكرة مهمّة ثمّنّاها وأشدنا بها. وتفاعلا منّا، قمنا بالمشاركة في خلق هيكل تنسيقيّ بين المهرجانات السّينمائيّة في الجهات. ولكن، في المقابل لم يكن هناك أيّ تفاعل من قبل الوزارة مع هذا المقترح. ما من دعوة لأعضاء الهيكل. وما من حوار يقام معهم قصد الإصغاء إلى وجهات نظرهم وتطلّعاتهم ومطالبهم”.
يرى عليلش أنّ قرارات الوزير تعدّدت وتنوّعت. لكن ما يحدّ من قيمة هذه القرارات، غياب النّجاعة في مستوى التّنفيذ، كما لو أنّها مجرّد قرارات من أجل التّداول الإعلاميّ وخلقِ صورةٍ دعائيّة عن عمل الوزارة. هناك مشكلة هامّة بالنّسبة إلى مدير “الفيفاج” تتمثّل في افتقار آليّات المتابعة والرّقابة والتّقييم. فالموظّف الإداريّ حسب رأيه لا يمكنه أن يقيّم عمل مهرجان أو ملتقى ثقافيّ، ويحرص على تواؤمه مع التّصوّرات الكبرى المعلن عنها سلفا.
هذا الموظّف الذي يكون مختصّا، في الغالب الأعمّ، في التّسيير الإداريّ لا يمكنه أن يحقّق النّجاعة المطلوبة من دون المثقّفين أنفسهم، أصحاب التّصوّرات الرّصينة والمراوِحة بين عمق نظريّ وآخر إجرائيّ.
يعلّق عليلش في هذا السّياق “هناك مثلا مسألة دعم المهرجانات. توجد لجان مكلّفة بتحديد قرار منحة دعمها. ولكن، أين منظّمات المجتمع المدنيّ والمختصّون في عضويّة هذه اللّجان؟ وأيّ معايير معتمدة في رصدها للدّعم العموميّ؟ ليس هناك تصريح لهذه المعايير ممّا يربك مبدأ الشّفافيّة. كما أنّ أحاديّة الجانب في اعتماد هذه القرارات وفوقيّتها تضع العاملين على تطوير المهرجانات -ومن خلالها الثّقافة التّونسيّة- في موضع إحراج وتناقض. يقفون بمفردهم لمواجهة تحدّيات من المفترض أن تكون جماعيّة وأن يرفدها تمويل المجموعة الوطنيّة”.
مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب تظاهرة مبتكرة، وهي فرادة الأولى من نوعها في العالم العربي والأفريقي
أهمية الثقافة
إنّ النّشاط الثّقافيّ بالنّسبة إلى حسن عليلش أكثر جدّيّة وأهمّيّة من أن يترك في يد الإداريّين بمفردهم. فوسط كلّ التحوّلات السّياسيّة والاقتصاديّة، مازال هناك إيمان لديه ولدى العديد من النّاشطين والمثقّفين بأهمّيّة الثّقافة والفنّ والفكر في تغيير الواقع الرّاهن وإنْ على مدى طويل ولكنّه جذريّ.
وبالعودة إلى مهرجان سوسة الدّوليّ لفيلم الطّفولة والشّباب، يؤكّد رئيسه على فرادة هذه التّظاهرة. فهي الأولى من نوعها في العالم العربيّ والأفريقيّ. ولها امتداد تاريخيّ هامّ، إذ انطلقت منذ سنة 1991 وتتواصل إلى الآن.
هذا المهرجان دوليّ وله سمعة هامّة وعلاقات عالميّة وشراكات مع مهرجانات في أوروبا وأميركا اللاتينيّة والعالم العربيّ. يستقدم شبابا من كافّة أنحاء العالم ويكوّنهم في مختلف مهن السّينما. كما يعمل على نحو دائم في تكوين الشّباب التّونسيّ. وقد أطلق من قبلُ مبادرة وطنيّة بالشّراكة مع وزارة التّربية، تتمثّل في مشروع “التّربية عن طريق الصّورة”.
إنّه كما يقول حسن عليلش “مهرجان منفتح على بيئته. ومتفاعل مع مختلف المؤسّسات التي تملك علاقة بالطّفولة والشّباب سواء أثناء دورته الرّبيعيّة أم خارج الدّورة”.
ويتابع متسائلا “لكن بم تكافئه الوزارة؟ بتقليل منحته على نحو مفاجئ وغير مبرّر سنة 2012 والمساهمة في مراكمة ديونه وبالتّالي دفعه إلى التّوقّف؟ أهكذا نحافظ على مكتسباتنا الوطنيّة؟ وإن لم تقدّر وزارة الثّقافة الجهود في القطاع الذي تشتغل على إدارته وتطويره، فمن سيفعل ذلك؟ قد لا تملك الوزارة بدورها إيمانا بالفعل الثّقافيّ؟ لا أعلم حقّا”.
هل المهرجان مازال متواصلا؟ هذا هو السّؤال الذي نطرحه مع بقيّة متابعي “الفيفاج”. وعليه يجيب حسن عليلش “لعلّ الجانب السّاخر على نحو لاذع هو أنّ رهاننا تقلّص ليبلغ هذا الحدّ. نعم نحن نراهن على مواصلة المهرجان. وهذا ما قمنا به خلال السّنوات القليلة الماضية. بذل الفريق المنظّم للمهرجان كلّ جهوده حتّى يتواصل تنظيم كلّ دورة في ميقاتها وبالمستوى الذي نتطلّع إليه.
لكنّ المحافظة على هذا المستوى وتطويره قد صار أمرا يكاد يكون مستحيلا في ظلّ ما ذكرته سلفا. وكلّ رجائنا أن نرى تحوّلا ولو طفيفا في تعامل الوزارة معنا ومع مختلف المهرجانات والفعاليّات الثّقافيّة الكبرى في البلاد”.