مع بداية موسم زرع الفطر:
فهم عميق لكائن (الفطر), ولكيفية زراعته الحقيقية.
هل الفطر نبات؟ لا إنّه ليس نبات, بل أنّه أقرب إلى الحيوان منه إلى النبات, أي أقرب إلى الإنسان منه إلى النبات, ولو أننا إعتدنا على تسمية أجزائه بأسماء أجزاء نبات كالساق والبذار, إنّه مملكة مستقلة قائمة بحدّ ذاتها هي “مملكة الفطريات” fungi الفطر الذي نقطفه ونزرعه ونأكله هو ليس “النبته” هو الثمرة, أي البرتقالة, أما شجرة البرتقال فهي “غزل الفطر” mycelium https://en.wikipedia.org/wiki/Mycelium أي شبكة الخيوط البيضاء العنكبوتية داخل التربة مثلاً, وهذه قد تكون بحجم إمتداد لعدّة كيلو مترات مربعة في بعض الأنواع. هذا الكائن العجيب سحر العلماء وحيّرهم, جميل غريب ولذيذ جداً بمعظمه, وللأسف لم يتمّ فهمه بشكل كافٍ ولم تتم حوله دراسات كبيرة, و حتى لم يتمّ تهجينه, إذ أنّ شركات إنتاجه تكتفي بأنواعه الهائلة التي قد تصل إلى 100 ألف نوع, وتنجح معهم زراعته من دون فهمه الكامل, وننشر بحثنا هذا لمعرفة وفهم أكبر لهذا الكائن, ولزراعة أفضل له. (تأمّلوا تعليقات الصور لفهم أكبر).
– فهم دورة حياة الفطر, لزراعة أفضل: ينثر الفطر الواحد مئات الآلاف من الأبواغ (البذار)https://www.youtube.com/watch?v=Mrphn1zOWaE بل عشرات البلايين من الأبواغ في بعضها, وهذه صغيرة مجهريّة, ولو أنّ معظمها نبت لتغطى كوكبنا بالفطر خلال عام, وهذه خفيفة الوزن وبأشكال تساعدها على التحليق والإلتصاق بالأجسام الأخرى, وقد يحملها الهواء إلى طبقات الجوّ العليا فترحل وتصل إلى أبعد القارات, وهكذا فقد ترى نفس نوع الفطر البرّي في سورية وفي أستراليا مثلاُ, وقد تنتقل هذه الأبواغ بطرق أخرى من ماء وحشرات وغيرها. تعطي الأبواغ نموّاً كالجذر يستمرّ بالنمو والتفرع طالما وجد وسطاً مناسباً من رطوبة ونيوترنات (غذاء) وحرارة مناسبة, حتى يلتقي نموان مناسبان فيندمجان مشكلان “عقدة غزل” وهذه تنموا لتشكّل ثمرة الفطر نفسها, وهذا النموّ المستمر مفيد بزراعتة فيمكنك ومن قطعة “غزل” صغيرة إنتاج وإنماء قطع كبيرة مستمرة, لكن فكّر كيف أنّ بلايين الأبواغ تنتج عدّة ثمار فطر فقط. ويبدو لي أن الفطر قد ولّد طريقة إنبات أخرى غير الأبواغ وهذه بنموّ غزل من أنسجته مباشرة, ويبدو أنّ هذه إستراتيجية بقاء إضافية, وهذا يعني لك أنّه يمكنك تقطيع ثمرة الفطر إلى شرائح والإنبات منها مباشرة أيضاً, وحتى لو كانت من لبّ الساق مثلاً. الفطر ليس كالنبات الأخضر الذي يحوي اليخضور ويركب نيوترناته من الأملاح والمعادن بمساعدة أشعة الشمس, بل هو يمتصّ النيوترنات العضوية الجاهزة من بقايا نباتات ميّته مثل التبن وزبل السواد الذي هو أصلاً نباتات مهضومة, إذاً الفطر لايحتاج لا ضوء ولا ظلام وأكيد لايحتاج لا لمع ولا برق, وكل هذا أقاويل عموم وتراث, وخاطئة علمياً, وقد يقول البعض فلماذا يُنصح بإنبات الأبواغ إذاً في غرفة مغلقة مظلمة؟ صحيح أنّ إنياتها في هكذا أماكن هو الأنجح, والسبب أنّ هكذا أماكن تكون عادة برطوبة عالية وثابته, وهذا ما يحتاجه الفطر, فنسبة الماء في ثماره (الفطر) هي 92%. أي عملياً أنت لست بحاجة لوضع عبوات إنبات الأبواغ أو أكياس إنبات “غزل الفطر” في أماكن مظلمة, بل فقط في مكان عالي الرطوبة حوالي 80% لاتدخله نسمات الهواء التي تخرج رطوبته وتخفض حرارته التي يجب أن تكون بالعشرينات (لكلّ نوع درجة حرارة إنبات مثالية له), غير أنّه للفطور مقاومتها وطرقها, فقد ترى الكثير من نمو الفطر في حراجنا, في فترات بردٍ طويلة. وبالتأكيد إذا ما ضربت أشعة الشمس المباشرة أكياس الإنبات فإنها ستخلّ بالرطوبة والحرارة, ويبدو أنّ مقولة اللمع والرعد في تراثنا, قد أتت من أنّ الناس تجد الفطر بعد أيام بهكذا أجواء, وهذا طبيعي, فهكذا أجواء تحمل الرطوبة اللازمة. لكن تذكّر إذا ما زرعت الفطر, أنّه وبعد أن تظهر ثمار الفطر, فعليك بتهوية المكان, فالثمار هذه تتنفس الأكسجين كالبشر, وعليك بالسماح لهواء كافٍ بالوصول إليها مع إبقاء نسبة الرطوبة عالية, وهذا قد تحققه برشّ المكان بالماء يومياً, على سبيل المثال.
– كيف تستخرج أبواغ بذار الفطر من ثمرته؟ يمكنك زراعة الفطر من ثمرة فطر إشتريتها من الأسواق, أو قطفتها من البراري, وأنصحك بتوليد وزراعة الأنواع اللذيذة المنتشرة في منطقتك, ويمكنك سحب الأبواغ من ثمرة الفطر بكسر ساق الفطر ووضعه مقلوباً, أي غلاصمه نحو الأسفل (بحالة الفطور الغلصميّة مثلاً), على ورقة والأفضل على ورقة ألمنيوم (سولفان) معقّمة برشة كحول مثلاً, ويفضل كتابة نوع الفطر, وتاريخ الجمع على ذات الورقة, وإترك ثمرة الفطر هكذا لساعات أو لليوم التالي, وبعد نزعه ستجد تحته “طبعة فطر” دائرية من ملايين الأبواغ المتراكمة فوق بعضها البعض, عندها أطوي الورقة إلى الداخل محتفظاً بالأبواغ داخلها, والأفضل طوي أحرافها أيضاً, لتضمن عدم دخول الهواء إلى الأبواغ وبقائها معقمة, ثم ضع هذه الورقة داخل كيس نايلون شفاف نظيف وألصقه, ويمكنك الإحتفاظ بهذه الأبواغ لأشهر وسنوات, وزراعتها فيما بعد, وهكذا “ظروف أبواغ” هي الطريقة الأساسية التي تباع بها أبواغ الفطر حول العالم, لكنّ المنتجين قد إبتكروا طريقة إضافية لبيعها, وهي “سيرنغات الأبواغ” وهي, هذه الأبواغ نفسها محلولة بماء معقّم مسحوب داخل سيرنغات حقن طبية معقمة ومغلّفة, وهذا ليصبح زرعها أسهل لعامة الناس, أذ يحقنون إبرة السيرنغ وسط قطرميز القمح المغلي المعقم مثلاً, ويتركوه لأسبوعين حضانة, لينموا “غزل الفطر فيه” بعدها. ويمكنك أنت تحضير هكذا سيرنغات, وهذا بغلي ماء وتركه ليبرد, ثمّ حلّ الأبواغ فيه (أبواغ ثمرة واحدة تكفي قطرميز 1كغ), ثمّ سحب وإملاء السيرنغات منه, وبالتأكيد كن حريصاً على التعقيم خلال العملية. وهناك طريقة ثالثة للتجار, وهي بيع ” أطباق غزل الفطر”, بعد إستنبات الأبواغ على أطباق “الألغر” المخبرية المخصصة لزرع البكتيريا, وهذه أطباق صغيرة فيها مادة هلامية سيليلوزية تجمع عادة من الأشنيات, فيقوم الشاري بتقسيمها وتوزيع شرائح منها في “الوسط الزراعي” كالتبن مثلاً, لتنمو منتشرة, ومنتجة لثمار الفطر.
– يمكنك إنتاج “عبوات غزل الفطر” أي عبوات الأبواغ النابته, بنفسك, وهي التي تشتريها من مؤسسة إكثار البذار الحكومية, أو من منتجيها, من المهتمين بزراعة الفطر. وهذا 1- برشّ أبواغ الفطر وخلطها, في “عبوات وسط الإنبات”, وهذا يكون عادة نوع من الحبوب النباتية, والقمح أكثرها إستعمالاً وتوفراً, وطريقة تحضيرها تكون بغسل القمح ثمّ نقعه ليوم مثلاً, ثمّ غليه جيداً, ثمّ إزالة الماء عنه وتركه ليبرد ويجفّ قليلاً, وبعدها تخلط الأبواغ معه. وأفضل طريقة لغلية هي, أن تضعه بعد غسله في قطارميز زجاجية, وتغلق فتحة القطرميز بورقة سولفان باحكام, ثمّ ترتب القطارميز في طنجرة كبيرة تغلقها, تاركاً فتحات القطارميز نحو الأعلى, وتسكب الماء بجوارها غامراً حتى منتصفها مثلاً, وتوقد النار تحتها, ويفضل تركها تغلي لأكثر من ساعة, لتعقيم أكيد, وإذا ما وضعتها بطنجرة بخار, فيكفيها ربع ساعة من الغليان, وبعد أن تبرد (الحرارة المرتفعة تقتل الأبواغ) ترشّ الأبواغ أو تحقن سائل السيرنغات فيها وتخلطها بهزّ القطرميز المغلق, أي تفادى كل ما يسمح بدخول الهواء إلى القطرميز المعقّم. 2- يمكنك الإستنبات بوضع عدة شراح رقيقة من الفطر المطلوب في قطرميز القمح, ثم تحريكها بخضّ القطرميز المغلق. ويمكن زراعة الإستنبات في نشارة الخشب, أو بين طبقات الورق أو الكرتون المعقم بغليه أو سكب ماء مغلي فوقه, وهذا بوضع شرائح فطر بينها, أو بقصّ “ورقة طبعة الفطر” إلى قطع صغيرة ونثر قطعها بين الشرائح, وهذه طرق إستنبات بسيطة ومنزلية, ويمكنك تركها لتكمل دورتها وتنتج لك الفطر, على برندتك مثلاً. وتذكّر أنه عندما تزرع الفطور, فإنّ خطوات الزراعة ومن بدايتها تحتاج لمراعاة جانب التعقيم, من إستعمال الكحول لتعقيم يديك وتعقيم الأدوات, وتعقيم أدوات القطع مثلا باللهب قبل الإستعمال, ومن المفيد إقتناء “سراج كحولي” وتصنيعه سهل جداً, فإثقب الغطاء المعدني لأي زجاجة أو قطرميز زجاج, وأخرج من الثقب فتيل, ثمّ أملئها بالكحول ويمكن إشعال الفتيل بقداحة. وإذا ما أردت إمتهان زراعة الفطر, فمن المفيد أيضاً تجهيز صندوق عقيم من صندوق بلاستيكي شفاف (كما في الصور) أو من حوض سمك بأحد جوانه من البلاستك لفتحة اليدين. وضرورة التعقيم تأتي من أنّ الهواء حولنا إضافة لسطوح الأجسام تملئها أبواغ فطور أخرى, وأبواغ اشكال مختلفة من البكتيريا, والتي وعلى الأغلب أقوى من أبواغ الفطر الراغب بإنباته أنت, وهكذا إذا ما أهملت التعقيم, فقد تجد في قطارميز إنباتك “لغزل الفطر” قد نمى غزلك الأبيض وبجانبه قد نمى غزل أسود قد ينمو أكثر ويقتل غزلك, بل وإذا أكملت بنشره في أكياس الزراعة, قد يقضي على محصول الكيس وقد ينتقل إلى الأكياس الأخرى, ومن هنا إذا ما شاهدت بقعة موبوئة, فإنزعها بسرعة وتخلص منها, والأفضل أيضاً إبعاد الكيس عن الأكياس الأخرى بسرعة.
– زراعة الفطر بمرحلته الأخيرة, كتب عنه الكثير, و أوّل خطواته تكون بتحديد نوع الفطر الذي ترغب بزراعته, وتحديد إذا ما كان خشبياً, أي ينمو على الخشب كأنواع المحاري, أو ترابياً, أي ينموا على الترب, كالفطر الزراعي الأبيض (أحد أنواع فطر اليحيون). المحاري الخشبي اللذيذ هو من أسهل الأنواع للزراعة, إذ أنّ “وسط زراعته” بسيط ومتوفر, من نشارة الخشب أو التبن, أو ماشاكل, وتحضيره سهل, فقط أغلي التبن وأفرده على سطح نظيف وفور أن يبرد ويجفّ قليلا, رشّ عليه قليل من “الجبس” لتخفيف حموضته, ثمّ إخلطه مع قطع من “غزل الفطر” المنبّت, مثلاً في كيس نيلو شفاف, طبقة تبن وفوقه قطع غزل, وهكذا إلى أن يمتلئ الكيس, أربطه ثمّ علّقه في مكان محصور, لا تحكمه أشعة الشمس, ولا تضربه الريح, وبعد أسبوعين أو ثلاثة سترى نمو وإنتشار ” الغزل” على كامله, وعندها ثقب الكيس بثقوب متوسطة كطعن سكين, بين الواحدة والأخرى حوالي 10سم, وإذا ما رأيت لاحقاً نبت ثمار فطر تحت النايلو الشفاف وليس لها منفذ فشقّ لها منفذ لتخرج منه (من هنا أفضلية إستعمال الأكياس الشفافة), وعند نضوج الثمار إقطفها بقطع ساقها من الأسفل, تاركاً المجال لنموّ آخر بجواره, وفي فترة الإثمار هذه وإذا ما كنت معلقاً الأكياس في جوّ مفتوح, أي ليس في حجرة مغلقة, فعليك تغطية الأكياس بناموسية برغش, لتمنع وصول الحشرات إلى الثمار وخاصة ذبابة الفواكه التي قد تبيض في ثمار الفطر وتخرّبها, وعند فتح نوافذ غرفة الفطر المغلقة, فمن الضروري وضع المنخل الناعم على النوافذ, وعند تعليب وتغليف ثمار الفطر بالنايلون اللاصق الشفاف فيجب أن تعمل عدة ثقوب تهوية بها, لإطالة عمر التخزين ولتدوم نضارتها لمدّة أطول, ولمثالية التعليب أيضاً, فعليك وبعد القطف والتعليب مباشرة, وضع عبوات الفطر في البرّاد لساعة أو ساعتين, وهذا لوقف إستمرارها بالنموّ, وإذا لم تفعل, فسيستمرّ الفطر بالنموّ وقد يصل إلى الشيخوخة, وهو مقطوف مغلّف, أي لتبقى فطورك على نفس شكلها ونضارتها وقت القطف, لمدّة أطول. أما زراعة الفطور الترابية, “كالفطر الأبيض الزراعي” فقد تكون زراعته أصعب, وعلى رفوف فوق بعضها البعض (لكسب المساحة) وبالأساس تأتي الصعوبة من تحضير الترب لها بنفسك, لتوفّر ثمنه, وتحضيره قد يأخذ أكثر من شهر, ويكون بالأساس بخلط كومة تبن مثلاً ربع كميتها من سواد الفروج مع سواد البقر (يمكنك إستعمال سواد زبل آخر, فالمهم زيادة نسبة النتروجين في الخلطة) ثمّ برشها بالماء وخلطها وتغطيتها, وإعادة رشها وخلطها, كلّ عدّة أيام لتتخمّر, وترى نجاحك عندما ترى لهب بخار الماء يخرج منها مع رائحة غاز الميثان, وبعد إكتمال التخمّر بعد حوالي الشهر يمكنك رشّ بعض الجبس فيها مع بعض سماد “اليوريا”, لكن وجب عليك تعقيمها أخيراً, وهنا المشكلة, فالمزارع الكبيرة, تخصص غرفة مغلقة لتعقيم الترب هذا, فترشّه ببخار الماء الساخن لمدة أسبوع مع إنقاص الحرارة التدريجي, لنتيجة مثالية, أما لزراعته بكميات صغيرة, فيمكنك سكب الماء الساخن فوقه مع تغطيته لأسبوع, وبعدها وبعد جفافه قليلاً يمكن جمعه بأكياس وإغلاقها, والإستعمال منه حسب الحاجة. ويفرش هذا الترب على الرفوف بسماكة حوالي 15سم, وتنثر قطع الغزل على السطح وتخلط, والبعض قد يضع طبقة تراب معقّم في الأعلى, ويأتيك المحصول تباعاً. والتفاصيل الدقيقة لهذه الزراعة هي بحث آخر, قد نتتطرق إليه لاحقاً.
الباحث إياد السليم