- تحورات للطيران:
اكتسبت الطيور خلال تطورها صفات عديدة هيأتها من ناحية البنيان والوظيفة والسلوك للنجاح في الطيران، فانفتحت أمامها فرص عظيمة للنجاح البيولوجي والتطور السريع. ومن أهم تلك التحورات ما يلي:
تحور الطرفين الأماميين إلى جناحين: أصبحا يشكلان عضوي الطيران الأساسيين وقد اقتضى الأمر تغيرات تطورية في هيكل الطرف الأمامي جعلت منه أداة بديعة للطيران، وازداد سطح ذلك الطرف بعدة سبل منها ظهور ثنية جلدية خلفية بين العضد والجذع وثنية جلدية أخرى أمامية بين العضد والساعد، ثم اختزال عدد الأصابع وحجمها. علما بان الريش الذي يغطي الجناح قوي ومرن وخفيف ويسهم إلى درجة كبيرة في زيادة سطحه دون زيادة ملحوظة فى وزنه .
وقد عادت بعض فصائل الطيور ففقدت القدرة على الطيران، وهنا نجد أن الجناحين أصبحا مختزلين كما هي الحال في النعامة وأقاربها أو تحورا إلى زعنفتين صغيرتين نسبيا كما في البطريق. كما أن الجناحان مدعومان بعظام الطرفين الأماميين والمشدودان إلى الجسم بمفاصل تسهل حركتهما وبعدد من الأربطة والأوتار القوية والمغطيان بالريش بكثافة ملحوظة مما يزيد من مساحة جسم الطائر .
وجود هيكل عظمي للطيور يتميّز بتكيفاته الخاصة للطيران:تمتاز العظام بخفة وزنها وخاصة في الطيور الكبيرة وهذه مسألة مهمة وضرورية لتخفيف الوزن النوعي ومن ثم تمكينها من الطيران يضاف إلى ذلك أن العظام الطويلة الكبيرة تمتاز بوجود فراغات هوائية متصلة بالأكياس الهوائية. ولما كان الطيران يتطلب جسما متماسكا لذا تكون العظام متصلة اتصالا دائما وثابتا فعظام الجمجمة يتصل بعضها ببعض والتحامها التحاما تاما. والأسنان غير موجودة عادة مما يخفف الوزن وتمتاز الجمجمة بكبر حجاج العين. وحدثت الكثير من التحورات في العمود الفقري والأحزمة الكتفية والعجزية , فأن امتداد عظمة القص إلى أسفل على هيئة حافة القارب السفلى معطيه مساحة كافية لارتباط عضلات الصدر المحركة لأجنحة (عضلات الطيران) وتعطيها قدراً من المتانة والقوة ومعظم أجزاء الهيكل العظمى للطيور متراكب وملتحم مع بعضه بعضاً زيادة فى قوته ومتانته فباستثناء الفقرات العنقية فإن بقية الفقرات تلتحم مع الحزام الحوضى مكونة ما يسمى باسم العجز المركب. فاغلب الفقرات ملتحمة، وكذلك عظم العجز المركّب. أما عظم القص الزورقي فيهيئ سطحا كبيرا يساعد في وجود عضلات صدرية كبيرة وهي أساسية في عملية الطيران، وعظم القص أكبر حجما وأكثر بروزا في الطيور النشطة الطيران، كما يضمر ويصبح اقرب إلى التسطح في الطيور عديمة الطيران. وهناك تحورات عديدة في عظام الجناح والأرجل كدمج أو اختزال بعض العظام ، ويلعب الهيكل العظمي دورا بارزا في شكل الجسم الانسيابي.
تتمتع الطيور بجسم غاية فى المتانة رغم تركيب عظامه المجوفة فنرى طائر البلبل الزيتوني الذي يبلغ طوله 18 سم , يبذل ضغطاً يعادل 68.8 كجم لكسر بذرة الزيتون، حيث تلتحم عظام الكتفين والفخذين والصدر مع بعضهما عنده ليتمكن من بذل هذا الضغط وهذا التصميم هو أفضل من ذلك الذي تملكه الثديات ، وهو يبرهن على القوة التي تتمتع بها بنية الطائر . من المميزات الأخرى التي يتمتع بها الهيكل العظمي للطائر كما ذكرنا سالفاً ـ أنه أخف من الهيكل العظمي الذي تمتلكه الثديات فعلى سبيل المثال يبلغ الهيكل العظمي للحمامة 4.4 % من وزنها الإجمالي بينما يبلغ وزن عظام طائر الفرقاط (طائر بحري) 118 جراماً أي أقل من وزن ريشه.
نشأ الريش الذي تطور من حراشف قرنية كانت توجد في أسلاف الطيور من الزواحف. يغطى الريش الجسم بالكامل ويمتد فى الذنب والذى يعمل على تجميع الهواء بين وحداته المختلفة مما يساعد على تخفيف وزن الطائر وعلى حفظ درجة حرارة جسمه المرتفعة من مختلف التقلبات الجوية ويعين الكثير من الطيور على العيش فى المناطق المتجمدة والباردة وعلى تحمل الانخفاض فى درجة حرارة الغلاف الجوى للأرض مع الارتفاع فوق مستوى البحر إلى مسافات شاهقة فى بعض الأحيان , ويمتاز الريش بخفة وزنه وقوته وهو قادر على ضرب الهواء بكفاءة عالية. و والريش له عدة أنواع منها :
الريش المحيط (القلمي): يظهر على سطح الجسم ويعطي شكله العام. وأطول وأقوى الريش المحيط هو الريش القلمي المتصل بالجناحين والذيل. وبفحص ريشة قلمية تحت المجهر تظهر أجزاؤها وقوة تماسكها.
الوبر(الريش الخيطي): يقع عند قواعد الريش المحيط وتمتاز اسيلاته بعدم وجود الخطاطيف.
خفّة الوزن وهى صفة هامة تحققت للطيور عن طريق عدة سمات منها:
– وجود الريش الذي يخفف الوزن النوعي للطائر.
– التحورات الخاصة للهيكل العظمي والتي تميزت بقوته وخفة وزنه.
– اختزال أو ضمور بعض الأعضاء الداخلية في بعض الطيور إذ ليس في الأنثى سوى مبيض واحد فقط. وعادة ما يضمر المبيض في غير موسم التكاثر، كما وان تكوين البيض لا يحتاج إلى فترة زمنية كبيرة فالطيور ليست ملزمة بحمل البيض لفترة طويلة، أما فيما يتعلق بالجهاز الإخراجي فقد اختفت المثانة البولية ويتم التخلص من الفضلات النيتروجينية على صورة حامض البوليك مما يقلل كمية الماء اللازمة للإخراج وعليه فالطائر ليس بحاجة إلى حمل كمية كبيرة من الماء.
شكل الجسم الانسيابي : يسهّل على الطائر اختراق الهواء بأقل مقاومة ممكنة.
معدل عال من الايض والتنفس الخلوي يوفران الطاقة اللازمة للنشاط العضلي الذي يتطلبه الطيران، ويعتمد هذا المعدل الايضي العالي على:
جهاز تنفسي عالي الكفاءة يوفر الكميات اللازمة من الأكسجين والواقع أن التنفس في الطيور أكفئ منه في الثدييات، ويمتاز بالإضافة إلى الرئتين عالية الكفاءة شبكة من حويصلات الهواء التى تتشعب فى مختلف أجزاء الجسم مما يضاعف الحيز الموجود لتخزين الهواء إلى عشرة أضعاف حجم الرئتين و الرئات لها ممرات خاصة لكل من الهواء الداخل إليها والخارج منها وبقدرات فائقة على استخلاص الأكسجين من الهواء مهما قلت نسبته حتى تقاوم نقص هذا الغاز المهم فى الارتفاعات الشاهقة , كما أن وجود الأكياس الهوائية التى تؤدي إلى تخفيف وزن الطائر فإنها تعمل أيضا على تشتيت جانب كبير من الحرارة الناتجة من النشاط العضلي الكبير وبذلك تبقى درجة حرارة الأعضاء الداخلية في النطاق الطبيعي.
صممت رئات الطيور بشكل مختلف عن باقى الكائنات حيث يكون تبادل الهواء في الثدييات ثنائية الاتجاه يسير الهواء في رحلة عبر شبكة من القنوات ويتوقف عند أكياس هوائية صغيرة ، و هنا تأخذ عملية تبادل الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون مكانها . يسلك الهواء المستهلك المسار العكسي تاركاً الرئة ومتجهاً نحو القصبة الهوائية حيث يتم طرحه على العكس من ذلك ، فإن التنفس عند الطيور أحادي الاتجاه حيث يدخل الهواء النقي من جهة و يخرج الهواء المستهلك من جهة أخرى .وهذه التقنية توفر تغذية مستمرة بالأوكسجين عند الطيور ، مما يلبي حاجاتها لكميات الطاقة الكبيرة التي تستهلكها ، يتجزأ النظام التنفسى عند الطيور إلى أنابيب صغيرة جداً تتفرع وتتجتمع هذه التفرعات التي تشبه النظام التقصبي مرة أخرى لتشكل نظاماً دورانياً يمر فيه الهواء خلال الرئة باتجاه واحد .
أن البنية الفريدة لرئة الطائر الهوائية تنبيء عن تصميم يضمن التزود بالكميات الكبيرة من الأوكسجين التي يحتاجها الطائر في طيرانه لدليل آخر من الدلائل التي لا تعد على أن الله هو الذي خلقها بهذه الصورة .
جهاز دوري عالي الكفاءة فالطيور من ذوات الدم الحار وتحافظ على درجة حرارة ثابتة لأجسامها فهي قادرة على الاستمرار في نشاطها الحيوي حتى لو انخفضت درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه. وقلبها ذو أربع حجرات وعليه فالدم المؤكسد مفصول كليا عن الدم غير المؤكسد. والدورة الدموية سريعة وذات كفاءة عالية. وهناك أوعية دموية خاصة تساعد عند الحاجة على سرعة دوران الدم في الجسم، ويمتاز الدم باحتوائه على نسبة عالية من الجلوكوز للتزود بالطاقة المطلوبة.
جهاز هضمي يمتاز بسرعة وكفاءةعملية الهضم وقدرتها التحويلية العالية إلى بناء أنسجة الجسم وعليه فالطيور ذات معدل ايض عالي. وهناك الكثير من التحورات في الجهاز الهضمي بين الطيور تبعا لطريقة معيشتها ونوع غذائها كتحور الجهاز الهضمي في الطيور آكلة الحبوب لتلائم وظيفته مثل الحوصلة والمعدة الهاضمة والقانصة وردبي المستقيم. كما منح الله الطيور القدرة على تناول كميات كبيرة من الأطعمة ذات الطاقة الحرارية العالية تفوق بكثير أوزان أجسامها
وهناك تحورات أخرى ساعدت الطيور على ارتياد الهواء بيسر وسهولة منها: الجهاز العصبي الذي يمتاز بتحورات خاصة في المخ والمخيخ مما جعل له أثرا عميقا في تنسيق عمل العضلات المخططة المهمة في حفظ توازن الطائر وعملية الطيران.
كبر حجم العيون بالنسبة إلى الجسم وما ينتج عنه من قوة أبصار تجعل ارتياد الأفاق أمرا سهلا وميسور
قلوباً ذات كفاءة عالية تتكون من أربع حجرات منفصلة مما يحفظ الدم المؤكسد بمعزل عن الدم غير المؤكسد ويعمل على سرعة دوران الدم بشكل فعال وبكفاءة عالية فى كل الجسم.
درجة حرارة الأجسام عالية نسبياً فى حدود 41 درجة مئوية مما يعين على إتمام وسرعة إنجاز عمليات الاحتراق الداخلى للطعام وفى الوقت نفسه يساعد ذلك على مزيد من إنتاج الطاقة التى تحفظ درجة حرارة الجسم ثابتة مهما انخفضت درجات حرارة الجو المحيط.
قدرات رصد فائقة ومراكز لتنظيم الحركة على درجة عالية من التقدم من أجل الرؤية وتجميع المعلومات من الارتفاعات الشاهقة التى تصل إليها لرصد الطعام والمناورة لتحاشى الأعداء .
قدرات فى التعرف على المواقع والاتجاهات والطرق التى تسلكها فى هجراتها وعودتها إلى مواطنها الأصلية مهما تعاظمت المسافات التى تقطعها .
نظام التوازن:
خلقت أجسام الطيور في تصميم خاص يلغي أي احتمال لاختلال التوازن أثناء الطيران . فرأس الطائر صمم بشكل لا يجعل الطائر ينحني أثناء الطيران . ويشكل وزن رأس الطائر 1% من وزن جسمه فقط . كما يسهم بنية الريش فى حفظ التوازن مع ديناميكية الهوائية خاصة ريش الذيل والأجنحة فنرى ذلك جليا في الصقر الذي يحتفظ بتوازن مذهل أثناء انقضاضه على فريسته من علو شاهق 384 كم في الساعة
كما نراه فى الأجنحة العريضة لطائر الكوندور وهو من النسور الضخمة والمصممة للطيران وسط التيارات الهوائية المضطربة اما الذيل الطويل لحفظ التوازن فلا ينقلب الطائر اثناء الطيران وسط التيارات الهوائية المضطربة
جناحى الطيور متساويان فى الطول وعدد الريش وترتيبه وأطواله منظمة بدقة متناهية ليساعده ذلك على حفظ الاتزان أثناء الطيران .
اتصال أجنحة الطير تكون من أعلى عظام القفص وهذا يمنع انقلاب الطائر أثناء الطيران.
للطيور القدرة على الوقوف والنوم على الأغصان دون أن تتعرض للسقوط حتى ولو كانت الرياح شديدة ويرجع ذلك إلى العضلات المحركة لأصابع القدم القوية التى تؤهل الطائر للقيام بهذه العملية حيث يثنى الإصبع الخلفى إلى الأمام والإصبع الأمامى إلى الخلف فتتعاون الأصابع فى الإمساك بالغصن.
هذه المميزات التى خص الله سبحانه وتعالى بها الطيور فمكنها من الطيران بسرعات تقارب المائة كيلومتر فى الساعة وإلى ارتفاعات تصل إلى قرابة التسعة كيلومترات فوق مستوى سطح البحر والتى لم يتمكن الإنسان من تقليدها إلا فى القرن العشرين بعد مجاهدة استغرقت الآلاف من العلماء كأنها هى المقصودة بقول الحق تبارك وتعالى ( أو لم يروا إلى الطير فوقهم ؟ ) وهو سؤال تقريعى تبكيتى تقريرى موجه إلى كل كافر ومشرك وجاحد لعله يلتفت إلى شىء من قدرة الله المبدعة فى خلقه للطيور وتلك المواهب الفطرية المعجزة التى مكنتها من الطير قبل أن يتمكن الإنسان من تحقيق شىء من ذلك بملايين السنين .
كيف يحمل الهواء الطائر:
يلعب الشكل الانسيابي دورا مميزا في تقليل مقاومة الهواء، وتسمح الأجنحة للطائر بالتحليق في الهواء والاندفاع فيه إلى الأمام وللجناحين شكل انسيابي في المقطع العرضي ويتصلان بالجذع فوق مركز ثقل الجسم تقريبا. وحركة الجناحين الرئيسية هي إلى الأعلى والى أسفل . ويحمل الجناح الريش الأولى الكبير وهو أساس في عملية الطيران، وفي الطيور الكبيرة يكون اتصال الريش بعظام الجناح ذاتها، ويمتاز السطح العلوي للجناح بكونه محدبا بينما السطح السفلي مقعرا، وهذا الاختلاف في الشكل يؤدي إلى زيادة الضغط اسفل الجناح مما عنه أعلاه مؤديا إلى دفع الطائر إلى أعلى وإلى أسفل.
إتقان المناورة : ومن الإعجاز فى خلق الطيور أيضاً قدرتها على إتقان المناورة فى جو السماء بذكاء ودقة بالغين وذلك لأن هناك فرقاً بين سرعة الجسم المتحرك فى الهواء وسرعته إذا تحرك على سطح الأرض فالسرعة فى الهواء تعنى سرعة هذا الجسم الغازى مروراً فوق الجسم المتحرك , أما سرعته على الأرض فتعنى سرعة الجسم المتحرك نفسه فى اختراقه للغلاف الغازى المحيط بالأرض والذى تصل سرعته إلى الصفر فوق سطح الأرض أيا كانت سرعته فى مستوياته فى الأعلى , ولذلك يتم طيران الطيور بمناورات بالغة الذكاء والدقة .
ويتم طيران الطيور بعمليتين أساسيتين هما (1) الصف أو التحليق أو بسط الجناحين إلى أقصى إمتدادهما , دون تحريكهما على هيئة سطح انسياب هوائى وهو ما حاكاه الإنسان فى صنع جناحى الطائرة (2) وهو القبض والخفق أو الرفرفة أو ضم الجناحين ,أو ما يعرف أحياناً باسم التصفيق بالجناحين
باندفاع الطائر وسط كتلة الهواء يندفع الهواء إلى أسفل الجناحين مما يزيد الضغط عليهما فيساعد ذلك الطائر على الارتفاع إلى أعلى , وعلى التقدم بالانزلاق إلى الأمام ويتحقق دفع الطائر إلى الأمام بتحكمه فى زاوية ميل كل جناح من الجناحين , وفى درجة انحناء كل منهما وبذلك يتحرك الهواء بسرعة فوق الجناحين وأمامهما تزيد على سرعته أسفل منهما وخلفهما مما يقلل الضغط فوق الجناحين , وأمام الطائر باستمرار فيساعده على الاندفاع فى الطيران إلى الأمام , وإلى أعلى كلما أراد ذلك .
ومن الذكاء الفطرى الذى وهبه الله تعالى لطيور ما يمكنها من ركوب متن التيارات الهوائية أو الرياح فى عملية تسمى التزلج الديناميكى .
ومن الإبداع الإلهى فى خلق الطيور ارتباط جناحى الطائر بجسمه بواسطة نظام دقيق من المفاصل يسمح للطائر بتغيير زاوية ميل كل جناح على حدة بالنسبة لجسمه , ففى الضرب بالجناحين إلى أسفل يكونان مفرودين إلى أقصى امتداداتهما باستقامة كاملة عمودياً على الجسم مما يمكنهما باندفاعهما إلى الأمام من دفع أكبر كمية ممكنة من الهواء إلى أسفل فيرتفع ذلك بالطائر إلى أعلى وإلى الأمام , ولكن فى رفع الجناحين إلى أعلى يضمهما الطائر بإلهام من الله الخالق سبحانه وتعالى كى لا يدفعا إلى أعلى إلا قدراً ضئيلا من الهواء تماماً كما يفعل الذى يقوم بالتجديف فى الماء بين ضربته الخلفية الشديدة التى تدفعه إلى الأمام , وضربته الأمامية الخفيفة التى تهيىء للضربة الخلفية التالية .
آليات الطيران المتقنة :
جهز الخالق عز وجل كل أنواع الطيور من النورس وحتى النسر ، بآلية طيرانيه تمكنها من الاستفادة من الرياح، وبما أن الطيران يستهلك الكثير من الطاقة ، فقد خلقت الطيور بعضلات صدر قوية و قلوب كبيرة و عظام خفيفة . و لا تقف معجزة خلق الطيور عند أجسامها ، فقد أوحى الخالق إلى الكثير من الطيور إتباع طريقة معينة في الطيران تجعلها تخفض من الطاقة اللازمة لها .
العوسق طائر بري منتشر في أوربا و إفريقيا و آسيا، و هو يتمتع بمقدار خاصة، يمكنه أن يبقي رأسه بوضعية ثابتة أثناء طيرانه في مواجهة الرياح و مع أن جسمه يتأرجح في الهواء إلا أن رأسه يبقى ثابتاً مما يحقق له رؤيا ثاقبة على الرغم من كل الحركة التي قد يضطر لها . على المبدأ نفسه يعمل جهاز الجيروسكوب الذي يستخدم لموازنة السفن الحربية في البحار ، لذلك يطلق العلماء على رأس العوسق لقب ” رأس البوصلة ” .
كذلك تتمكن الطيور من تخفيض معدل الطاقة المستهلكة باستخدامها الهواء، فالطيور تحلق عندما تزيد من شدة التيار الهوئي فوق أجنحتها و تستطيع أن تبقى معلقة في الهواء حتى في التيارات القوية . و تعتبر تيارات الهواء الصاعدة ميزة إضافية بالنسبة لها .
يطلق على استخدام الطائر التيارات الهوائية لتوفير الطاقة أثناء طيرانه “التحليق”،. إن إمكانية التحليق تعتبر من خصائص التفوق عند الطيور للتحليق فائدتان أساسيتان :
الأولى أنه يوفر الطاقة اللازمة للبقاء في الهواء أثناء البحث عن الطعام أو الانقضاض على فريسة أرضية ،
و الثانية أنه يسمح للطائر بزيادة مسافة الطيران .
تستخدم الطيور التيارات الهوائية بطريقتين : يستفيد العوسق الذي ينحدر من قمة المرتفع والقطرس الذي يغوص في الخلجان الشاطئية من التيارات الهوائية ، ويدعى هذا بالتحليق المنحدر . عندما تمر رياح قوية فوق قمة المرتفع ، تشكل موجات من الهواء الساكن ، ومع ذلك تستطيع الطيور أن تحلق في هذه البيئة . يستفيد طائر الأطيش و غيره من الطيور البحرية من هذه التيارات الساكنة التي تحدث في الجزر ، و في بعض الأحيان يستفيد من التيارات التي تثيرها بعض الجمادات مثل السفن ، التي يحلق فوقها القطرس .
تخلق الجبهات الهوائية التيارات الرافعة للطيور و الجبهات هي السطح البيني الفاصل بين الكتل الهوائية المختلفة الأحجام والكثافة. و يطلق على تحليق الطيور على هذه الأسطح البينية ” العاصفة المنحدرة ” . ثم اكتشاف هذه الجبهات و التي غالباً ما تتشكل على الشواطئ بفعل التيارات الهوائية القادمة من البحر أو عن طريق الرادار أو من خلال مراقبة الطيور البحرية و هي تنحدر فيها على شكل أسراب . هناك نوعان آخران من التحليق :التحليق الحراري و التحليق الديناميكي .
تلاحظ ظاهرة التحليق الحراري في مناطق الجزر الحارة على وجه الخصوص . عندما تصل أشعة الشمس إلى الأرض ، تقوم الأرض بدورها بتسخين الهواء الملامس لها . وعندما يسخن الهواء يصبح أقل وزناً ويأخذ بالارتفاع . يمكن ملاحظة هذه الظاهرة أيضاً في العواصف الرملية و الشابورات الهوائية .
تملك النسور طريقة خاصة في الاستفادة من الموجات الحرارية عند التحليق لتتمكن من مسح الأرض من علو مناسب . فهي تنساب من موجة حرارية إلى موجة حرارية أخرى طوال اليوم و هكذا تحلق فوق مساحات كبيرة في اليوم الواحد . تبدأ الموجات الهوائية عند الفجر بالارتفاع . تشرع النسور الصغيرة أولاً بالتحليق مستخدمة التيارات الأضعف ، و عندما تشتد التيارات ، تقلع النسور الأكبر حجماً . تطفو النسور غالباً باتجاه الأمام في هذه التيارات النازلة في حين توضع التيارات الرافعة الأكثر سرعة في منتصف التيار الهوائي . تحلق النسور ضمن دوائر ضيقة لتؤمن التوازن بين التحليق عالياً وقوة الجاذبية . و عندما ترغب بالهبوط تقترب من مركز التيار .
تستخدم أنواعاً أخرى من طيور الصيد التيارات الحارة ، فيستخدم اللقلق مثلاً هذه التيارات الساخنة في رحلة الهجرة بشكل خاص . يعيش اللقلق الأبيض في أوربا الوسطى و يهاجر إلى إفريقيا ليقضي الشتاء هناك في رحلة يقطع فيها 4350 ميل ( 7000كم ) . و إذا هاجر بشكل فردي مستخدماً طريقة الرفرفة بأجنحته ، فعليه أن يتوقف للاستراحة أربع مرات على الأقل ، إلا أن اللقلق الأبيض ينهي رحلته خلال ثلاثة أسابيع فقط مستخدماً التيارات الحارة لمدة 6 ـ7 ساعات في اليوم ، و هذا يُترجم على توفير كبير في الطاقة .
يسخن الماء بسرعة أقل من الأرض ، لذلك لا تتشكل التيارات الساخنة فوق البحار ، وهذا هو السبب الذي يجعل الطيور لا تهاجر فوق البحار عندما تكون رحلتها طويلة ، يفضل اللقلق وطيور أخرى تعيش في أواسط أوربا أن تسلك في طريق هجرتها إلى إفريقيا ، إما أراضي البلقان و مضيق البوسفور ، أو الجزيرة الإيبيرية فوق مضيق جبل طارق . من جهة أخرى ، يستخدم النورس ، و الأطيش و القطرس و طيور بحرية أخرى التيارات الهوائية التي تسببها الموجات العالية . تستفيد هذه الطيور من التيارات الرافعة الموجودة عند ذروة الأمواج . وأثناء تحليق النورس في التيارات الهوائية ينعطف و يواجه الرياح فيرتفع بسهولة إلى الأعلى،وبعد بلوغ ارتفاع 10 ـ 15 متراً في الهواء يغير اتجاهه من جديد و يستمر في التحليق ،تحصل الطيور على الطاقة من تغير اتجاهات الرياح تفقد التيارات الهوائية سرعتها عندما تلامس سطح الماء . و لهذا السبب يواجه النورس تيارات أقوى في العروض العليا ، وبعد أن يحقق السرعة المناسبة ، يعود لينحدر من جديد مقترباً من سطح البحر .
يستخدم جلم الماء وهو طائر بحري طويل الجناحين ـ والعديد من الطيور البحرية الأخرى ، الأسلوب نفسه في التحليق فوق البحر.
ربما كان الحمامُ أكثرَ الطيور التي يقابلها الإنسان في حياته اليومية، وعندما يراقب عن كثَب هذه الكائنات الصغيرة التي لا تشدُ انتباه أحدٍ، تَظهرُ لنا معجزة الخلق فى الطيران ، ولكي نرى هذه الحقيقة تعال نعى ندقق فى كيفية إقلاع الحمام من الأرض إلى الهواء، ولنشهد هندسيةَ تصاميمه الكاملة. حيث تقفز الحمامة أولاً باتجاه الأعلى لحظة انفصالها عن الأرض ترفع جناحاها، ثم تميل إلى الأمام قليلاً، وتعلو بحيث تستطيع التقدم في الجو. أما الطيور التي هي أكبر من الحمامات لا تستطيع فعل هذه الحركة الصعبة أكثر من مرتين، وإذا كان الطائر كبيراً كالقطرس فلا يستطيع فعل هذه الحركة أبداً، ولذلك كان لها تقنيات إقلاع مختلفة.
على سبيل المثال : الإقلاع تدريجياً في ميدان طويل، وهذه هي الطريقة التي يستخدمها الناس في الطائرات…حيث تكون اللحظةُ الأولى من الإقلاع هي أصعب مرحلة بالنسبة لعامة الطيور، ثم تحلِّق بسهولة تامة في الفضاء. حسنٌ ما الذي يؤمِّن للطائر تعلقه في الجو بعد إقلاعه أول مرة؟ الجواب يكمن في التصميم الهندسي الكامل الموجود تحت جناحي الطائر.
فالقسم الخلفي لجناحي الطائر ينثني للأسفل قليلاً، يصطدم الهواءَ المار من أسفل الجناح بهذا الانثناء ويتكاثف، وبهذا يرتفع الطائر باتجاه الأعلى. أما الهواء المار من القسم الأعلى للجناح، فيدفع القسم الأمامي في الجناح للأعلى، ويقِلُّ ضغط الهواء الذي فوق الجناح مما يَجْذِب الطائر إلى الأعلى.
إذا كان هناك مجرى هواء كاف فإن قوة الجاذبية المتكونة فوق الجناح وقوة الرفع تحت الجناح كليهما تكفي لتعلّق الطائر في الجو، يستطيع كثير من الطيور البقاءَ في الجو لساعات باستخدام الرياح الصاعدة فقط دون أن يرفرف جناحيه.
أما بعض الطيور فتكوّن بنفسها تيار الهواء الذي يلزم أن يكون تحت جناحها، لهذا ترفرف بالجناح، كأن الطائر يجذِّف بها في الهواء وأثناء رفع جناحيه إلى الأعلى تضم نصفه باتجاه الداخل، وهكذا تقلل احتكاك الهواء، ويتفتح جناحيه كاملاً عندما تنزلان باتجاه الأسفل، وتتداخل الأرياش بعضها في بعض في كل حركة، ولكن يبقى القسمُ الأسفلُ أملسَ رغم تغيرِ حركةِ الجناح في كل لحظة، إن أشكال أجنحة الطيور وأرياشها كاملة في الديناميكية الهوائية.
فطائر البط بفضل بنيته الديناميكية الهوائية الرائعة يُرى كأنها يحلق في الجو ببطء رغم طيرانه بسرعة 70 كيلو مترا في الساعة تقريباً.
أعطت أجنحة الطيور المختلفة للإنسان الأسوة في صنع الطائرات في كل زمان. فبعض الأجنحة قصيرة ومتينة للمناورات المتتابعة! وبعض الأجنحة ضيقة وحادة للطيران السريع! وبعض الأجنحة طويلة وواسعة للطيران في ارتفاع عال! وبعض الأجنحة طويلة وضيقة للتحليق في الجو بسهولة ! الله تعالى خلقَ في جسم كل طائر أكمل أنظمة الطيران ولكل حسب حاجتها، بعض الطيور تطير أشهراً تأكل وتشرب وتنام في الجو.
الصقور تنقضًّ على فريستهابسرعة 300 كم في الساعة! العقاب لا يطير لإيجاد طعامه فقط بل لإثبات قوته أيضاً!
بما أن كل طيران لا بد أن يعْقِبَه نزول، ولهذا فأهمية الهبوط بشكل آمن ضروري كأهمية القدرة على الإقلاع، والطيور ماهرة في هذا أيضاً، تستخدم جناحيها للفرملة أيضاً بالإضافة إلى الطيران، الطائر المسمى بافين يستطيع أن يبقى معلقاً في الجو بفضل تيار الهواء الصاعد، ويستخدم هذه القابلية للنزول أيضاً، فعدم الانتباه ولو للحظة ربما ينتهي بنتائج مريرة، كما أن الأوز العراقي يعد من إحدى الطيور ذوات الأجنحة الكبيرة، ينزل على سطح الماء كطائرة بحرية ويستخدم الأقدام كفرامل .
يقوم النسر بالهبوط إلى عشه الذي على حافة الهاوية بمراقبة طيران حاد وبحساب هندسي دقيق، أولاً يبدأ يالغوص بسرعة إلى هدف معين أسفل العش، ثم فجأة ينعطف باتجاه الأعلى متخذاً الهواء فرملة، وعندما يصل إلى العش تكون سرعته قد انخفضت إلى الصفر.
تختلف الطيور كثيرا في حركة جناحيها فبعضها يحلق والبعض الأخر يرفرف، وبعضها يرفرف عند بدء الطيران ثم يستخدم التيارات الهوائية ليحلق أو ينزلق فيها وبعض الطيور تستخدم الرفرفة والتحليق حسب ظروف طيرانها وخاصة في عملية الصيد كما في بعض أنواع الطيور الجارحة. والطيران المرفرف أصعب بكثير من الطيران التحليق أو الانزلاق وصغار بعض الأنواع تنجح في الطيران المرفرف حال مغادرتها العش الذي فقست به ودون سابق تجربة، وتتناسب سرعة الرفرفة تناسبا عكسيا مع حجم الطائر، فالطيور الكبيرة كالنسور مثلا ترفرف أجنحتها مرة كل ثانية تقريبا، والطيور متوسطة الحجم كالحمام والغربان والبط تضرب بأجنحتها ثلاث مرات في الثانية، وفي الطيور الصغيرة كبعض العصافير الدورية فتصل الرفرفة إلى 30 ضربة في الثانية، وتبلغ الرفرفة ذروتها في الطيور المغردة الصغيرة والتي لا يزيد حجم بعضها عن حجم الفراشة كالطائر المغرد الفلسطيني( عصفور الشمس الفلسطيني ) لتصل ضربات الجناح إلى ما يزيد عن مائة ضربة في الثانية.
والطيور المحلقة تستخدم التيارات الهوائية ولا تطير إلا في ساعات معينة من النهار وبعد أن تنشط التيارات الهوائية الصاعدة، وهذه الطيور تستطيع أن تحتفظ بجسمها محلقا في الهواء دون رفرفة جناحيها، وهي قد لا ترفرف أجنحتها بأكثر من مرة في الثانية، وتمتاز الطيور المحلقة لفترات طويلة نسبيا عادة بكبر الحجم وكبر مساحة الجناح وطوله، وكلما زاد حجم الطائر زادت قدرته على الطيران التحليق، وكثير من الطيور المهاجرة التي تمر عبر وادي الأردن خاصة كالنسور والعقبان الكبيرة تستخدم التيارات الهوائية لتطير بأقل جهد ممكن قاطعة مسافات شاسعة دون أن تبذل سوى قدر ضئيل من الطاقة في رحلتها، وهذه الطيور تستطيع زيادة ارتفاعها دون رفرفة الجناح وذلك بركوب التيارات الهوائية، وكثيرا ما نشاهد هذه الطيور قد اتخذت أعشاشها في الجبال العالية ذات الانحدار السحيق المحيطة بمنطقة جبال أريحا و البحر الميت الغربية.طائر الطنان ترفرف جناحيها (25 مرة في الثانية)، بسبب هذا لا تدرك عين الإنسان حركة الجناح أبداً، ولرؤية هذا النظام الرائع يلزمنا تصوير حركة الطائر على آلة تصوير فيديو ونبطيء الفيلم فنلاحظ، الأجنحة الدقيقة والحادة كالسكين تشكّل تيارَ هواءٍ بحركاتها السريعة نحو الأسفل، تماماً كما يفعل الإنسان في المروحية.فالمروحة تدور حول قضيب معدني ثابت وتُشكّل تيار هواء باتجاه الأسفل، الهواء المدفوع للأسفل يرفع المروحية للأعلى، مبدأ طيران الطنان يشبهه، إلا أنه ذو تصميم أروع وأكمل من المروحية، يطير بتحكم أدق، ويستطيع أن يقوم بالمناورة التي يريدها في الهواء، يستطيع بتغير زاوية جناحيه أن يتقدمَ للأعلى والأسفل، وللأمام والخلف. رفرفة الطنان جناحيه 25 مرة في الثانية، وعدم تضرره منه أبداً محيّر جداً …!!!
لا يستطيع أي إنسان أن يحرك ساعديه في الثانية إلا مرة واحدة على الأكثر، وإذا أُجري هذا العمل بمساعدة آلة تحريك 25 مرة في الثانية، ستحترق عضلات كتفه ويصبح عاجزاً، أو يفقدُ ساعديه، أما عصفور الطنان فذو خلقه رائعة، فمع تخفيق جناحيه ملايينَ المرات دون توقف لا يحصل أي عطل في عضلاته، هذا الطائر الصغير واحدٌ من أعقد آلات الطيران والأكثر تفوقاً في العالم، ومعجزة خلقٍ وحده.