مراد السباعي.. مبدع جريء عشق الإنسان ودافع عن قيم الخير والحق والعدالة !
2014-06-13
في الرابع عشر من آب عام 2002 غيب الموت واحداً من رواد المسرح في سوريا خلال القرن العشرين وهو الكاتب المسرحي مراد السباعي الذي شكل علامة فارقة في تاريخ المسرح السوري والعربي، إذ عمل ممثلاً وكاتباً ومخرجاً في آن واحد واستطاع أن يرسخ الأدب المسرحي في سوريا من خلال عشرات الأعمال المسرحية المكتوبة والمجسدة، ولكنه ظل حبيس حمص لم يتجاوز طموحه حدودها فلم يعرفه الكثيرون.
ومع أن البعض يعترفون له بالفضل ويقدرون أثره الهام في تاريخ المسرح العربي إلا أنه ظل مجهولاً للكثير من مؤرخي حركة المسرح العربي بسبب إصراره على البقاء في مدينته وزهده في الشهرة والأضواء الأمر الذي حجبه عن ساحة النقد، فكان الرجل المظلوم رغم تجربته الطويلة التي قضاها مع المسرح.
ولد مراد السباعي في حمص عام 1914 وفي مقتبل عمره دُعي إلى الاشتراك في مسرحية (في سبيل التاج) مع فرقة اتخذت التمثيل وسيلة للوقوف في وجه المستعمر الفرنسي فقدمت مسرحيات عربية وفرنسية يغلب على فكرتها الموضوع الوطني، وقد لعب السباعي في هذه المسرحية دور (بازيلدا الحسناء) و”يبدو أن هذا الدور كان نقطة انطلاق له سواء على صعيد التمثيل أو على صعيد الكتابة للمسرح، إذ اشترك بعدها في تمثيل ست مسرحيات في سنة واحدة، فمثل دور زوجة الطبيب في مسرحية (الطبيب رغماً عنه) لموليير ودور الخادمة في مسرحية (مريض بالوهم) لموليير أيضاً ودور شارل دي مور في مسرحية اللصوص لشيللر ودور ماريوت في مسرحية (الكابورال سيمون) وكل هذه الأدوار كانت نسائية لاستحالة اشتراك العنصر النسائي” (كتاب حركة المسرح في حمص، تأليف د. هيثم يحيى الخواجة، حمص، ط1 1987).
وحول ذلك يقول السباعي في *حوار أجريته معه قبل وفاته بسنوات: “كانت بدايتي على خشبة المسرح من خلال دور بازيلدا الحسناء في مسرحية (في سبيل التاج) وتابعت الظهور على المسرح في أدوار المرأة بضع سنوات في عدد من المسرحيات المترجمة عن الفرنسية والإيطالية والألمانية .. لم تكن أمامي عقبات تحول دون الاستمرار في ممارسة فن التمثيل، فالنجاح الذي حققته منذ البداية قد مهد الطريق أمامي لعمل متواصل دام عشرين عاماً تقريباً كنت خلالها أكتب المسرحية المحلية باللغة الفصحى وأمثل فيها وأخرجها”.
ويضيف السباعي في الحوار المذكور: “ليس من السهل على الرجل أن يمثل دور المرأة، فالتبدل يتطلب من الممثل أن يغير كلياً من طبيعته كرجل، فللمرأة سلوكية خاصة في الحديث والتصرف الحياتي والتعامل مع الآخرين، وهذا يقتضي بالضرورة تكيفاً خاصاً وجهداً ليس بالقليل، ومع ذك فلقد استطعت أن أؤدي دور المرأة بنجاح تام”.
ضابط عثماني:
بدأ مراد السباعي الكتابة للمسرح عام 1930 وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وأول مسرحية كتبها كانت بعنوان (ضابط عثماني) التي تعتبر من أفضل ما كتب من مسرحيات، ومسرحية (سكرة) التي كانت باكورة أعمال فرقة (الرقي الفني) التي أسسها مراد السباعي آنذاك وجعل مقرها في منزله، وكان من أعضائها سامي الدروبي وعبد البر عيون السود وسامي سحلول، وفي هذه الفترة كتب ست مسرحيات كبيرة وعدداً غير قليل من المسرحيات ذات الفصل الواحد ومنها (ضحية الخادم) و(ابن الأرض) و(مضحكات الأقدار) و(الحاج عبد القادر).
وفي الأربعينات تحول لكتابة المسرحيات التي تُقرأ ولا تُمثل، وهي المسرحيات الذهنية ذات الفصل الواحد ايضاً فكتب (وجوه وأقنعة) و(شيطان في بيت) التي نال عليها جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في سوريا و(مشكلة الراتب) و(الثرثار) و(الموظف) و(والصحفي) و(الشحاذ) وفي أوائل الستينات كتب (وراء الأمل) و(أنت أبي) و(قطعة الدانتيل) و(بائعة الأعشاب) و(سجين الدار).
في عام 1945 تحول السباعي إلى كتابة القصة القصيرة، ولكنه لم يتوقف عن كتابة المسرحيات خاصة الذهنية الخيالية منها أي المسرحيات التي لا تُكتب للتمثيل، بل للقراءة ومن مؤلفاته القصصية المطبوعة (كاستيجا) مجموعة قصصية –حمص 1948 (الحكاية ذاتها) قصص ومسرحيات– دمشق 1967
(تحت النافذة) قص ومسرحيات –دمشق 1974 (هدية عيد الأم) قصص للأطفال- دمشق 1987 (أسئلة تُطرح وأصداء تجيب) 1979 كما نشر سيرته الذاتية (شيء من حياتي) 1978 التي مزج فيها بين الخاص والعام، بين الحديث عن نفسه والحديث عن التطور الاجتماعي والاقتصادي في سوريا وذلك من خلال الفترة الواقعة بين نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية السبعينات، وأصدر بعد ذلك الجزء الثاني من هذه السيرة بعنوان (محطات من حياتي)، وتُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الروسية ومنها قصة (الشرارة الأولى) وقصة (حظ طيب) ومجموعة (هدية عيد الأم) التي تُرجمت أيضاً إلى الأوكرانية وصدرت عن دار نشر مينوسلكا في مدينة كييف وأقيم له عام 1983 تظاهرة تكريم وندوة احتفائية تناولت تجربته الإبداعية في المسرح والقصة
كان (مراد السباعي) إلى جانب تمرده جميل المحيا خجولاً، وذلك أهَّله في عام 1928 لمثيل دور (بازيلدا الحسناء) في مسرحية (في سبيل التاج) التي أعدها أنيس الملوحي وأخرجها مظهر طليمات، ولعل تمثيله دور الأنثى وبراعته فيه وهو الذي لا يملك خبرة مسرحية –آنذاك– دفعه بعد ذلك إلى تكرار التجربة تبعاً لفقدان العنصر النسائي في الحركة المسرحية السورية في ثلاثينات القرن العشرين، ولعل جمال شكله هو الذي قاده إلى المبالغة في الوصف أثناء كتابة قصته (كاستيجا) عام 1948 انطلاقاً من حكاية واقعية عفتها مدينة حمص في منتصف الأربعينات، وقد أحدثت هذه القصة ضجيجاً في مدينة حمص، فأقبل عليها الناس لائمين أومعجبين أو باحثين فيها عن حقيقة هذا الشاب الذي دخل حياتهم بكتابة حدث من الواقع وإذاعته في الناس دون أن يمزجه بقدر كبير من الخيال أو يترك لتخييله فرصة إعادة صوغ الحدث الواقعي في ثوب فني، وقارىء هذه القصة الآن بعد أكثر من ستين عاماً لا يقدر قيمتها الحقيقية لأنه سيبحث عن الفن الذي يبقيها حية، دون أن يدرك المسوغات الاجتماعية التي أسهمت في ذيوع شأنها عام 1948.
والشيء اللافت للنظر –كما يقول د. الفيصل– هو إصرار مراد السباعي على استغلال جمال شكله وذكائه الفطري طوال حياته وخصوصاً في المسرح الذي برع فيه في ستينات القرن الماضي، كما أن المتتبع لحياة هذا الرائد يحتاج إلى أن ينتظر نهاية الأربعينات حتى يلاحظ تحرره من إسار السابقين عليه في الحقل الأدبي، يُضاف إلى ذلك إسهام مراد السباعي النسبي في ريادة أدب الأطفال حين كتب (هدية عيد الأم) عام 1978 وهي مجموعة قصص للأطفال عمادها الحكاية والحبكة وبساطة اللغة والمضمون، كما اُتيحت لهذا الرائد في حياته -فرص كثيرة للخروج من ربقة الواقعية في القصة والمسرح ولكنه آثر البقاء حيث بدأ حتى أنه تراجع سريعاً عن محاولته الجميلة التي عنونها بـ(سباق في مسبح الدم) لأن رمزيتها لا تلائم طبيعته ولا تاريخه الواقعي.
خالد عواد الاحمد – زمان الوصل