حمام نور الدين الشهيد
حمام “نور الدين الشهيد” إرث الحضارة الإسلامية
الثلاثاء 16 آب 2011
ظل حمام “نور الدين الشهيد” محافظاً على مكانته التاريخية والأثرية وعلى عاداته وتقاليده الدمشقية الأصيلة، حتى غدا من أهم الحمامات والعمارات الإسلامية الباقية حتى الآن.
“eDamascus” التقى السيد “أحمد حمامي” مدير حمام “نور الدين الشهيد” الذي استقى لقبه من هذه المهنة، فيقول: «يعتبر حمام “نور الدين الشهيد” من أقدم الحمامات في “دمشق القديمة”، يقع في سوق “البزورية” قرب خان “أسعد باشا”، أنشأه السلطان “نور الدين الشهيد” سنة 565 هجري/ 1169 ميلادي، وهو عبارة عن بناء ضخم ذي نظام مملوكي يتوسطه قبة كبيرة وأربعة أقواس يحيطه بناء لحمايته بالإضافة إلى الطابع الجمالي له، حيث هناك مصاطب تعلو عن الأرض حوالي 30 سم، وتستخدم هذه المصاطب في الداخل لتبديل الملابس، ولابد للدخول إلى أقسام الحمام الداخلية من المرور بدهليز طوله حوالي 5 أمتار يوجد فيه قسم البوفيه والحلاق ومكتب المدير التي تمت إضافتها حديثاً».
ويضيف السيد “حمامي”: «إن من أهم معالم الحمام البحرة الكبيرة التي تتوسط الحمام وهي مثمنة الأضلاع وملبسة برخام أبيض، بالإضافة إلى الشبابيك الخشبية المزخرفة والدائرية الشكل والملونة التي تحيط بقبة الحمام لتهويته ولدخول الضوء إليه، زخارف، قناطر وخزف دمشقي يزين جدران الحمام في القسم “البراني”.
إن أول حركة يقوم بها الزائر هي تسليم أماناته إلى المحاسب واستلام رقم خاص بهذه الأمانات والتوجه نحو المصاطب لتغيير ملابسه واستلام المناشف ولبس القبقاب، ثم التوجه نحو القسم “الوسطاني” الذي يتكون بدوره من قسمين الأول يوجد فيه أقسام عدة منها “دوش”
القبة التي تتوسط حمام |
بارد، ساونا ومساج، والثاني أي الوسطاني يوجد فيه مقصورتان للمكيس، ويعلو قسم الوسطاني قبب يتوسطها فتحات للتهوية ولدخول الضوء إلى هذا القسم، وفي هذا القسم يستلم الزبون الصابونة والليفة قبل الدخول إلى القسم “الجواني” أو قسم الاستحمام، وهو عبارة عن غرفة كبيرة مستطيلة الشكل تتوسطها مقصورتان بالإضافة إلى 12 جرناً للاستحمام وغرفة البخار التي لابد منها في كل حمام عربي».
كما التقينا مكيس الحمام السيد “يوسف الناطور”، فيقول: «وظيفتي “مكيس” وهي تدليك وتفريك جسم الزبون بعد خروجه من الحمام الجواني بكيس خاص لهذا الغرض لفتح مسامات الجلد واستخراج السموم من الجسم.
وأصبح لي في هذه المهنة أكثر من 15 سنة، أعمل هنا في “حمام نور الدين الشهيد” منذ حوالي 6 سنوات».
وشرحاً لعمل الحمام يقول “الناطور”: «بعد أن يقوم الزبون بتسليم أماناته إلى المحاسب أو صندوق الأمانات يقوم أجير الأرضية أو الناطور بتسليم ملابسه ونعاله ثم لفه بالشراشف وإعطائه القبقاب لحمايته من الانزلاق، وبعدها يتجه نحو “الوسطاني” حيث يستلم من العامل في هذا القسم صابونة الغار وليفة ثم إلى الجواني وغرفة البخار “الاستحمام”، وبعد خروجه يأتي إلى “المكيس” لأخذ التدليك اللازم وبعدها يقوم بأخذ دوش بارد قبل خروجه إلى القسم “البراني” مرة أخرى لأخذ فترة من الراحة وشرب الشاي أو القهوة».
وأشار السيد “حمامي”
المصاتب في القسم البراني من الحمام |
أنه يتم تزويد الحمام بالمياه عن طريق بئر خاص بالحمام منذ بنائه وحتى الآن، وكان يسخن المياه في حلة كبيرة وتوقد تحتها النار ويعمل في هذا القسم عامل يلقب بقميمي، ولكن تم الاستغناء عنه لتطوير أساليب التسخين ودخول الكهرباء إلى “دمشق” وقد حافظ الحمام على عاداته وتقاليده القديمة حتى الآن».
وبدوره تحدث إلينا الدكتور “غزوان ياغي” المدير السابق لمديرية الآثار والمتاحف عن القيمة الأثرية لحمام “نور الدين الشهيد”، فيقول: «ليست القيمة الأثرية لحمام “نور الدين الشهيد” ذات ميزة مخصصة أعطاها إياه المعماري بقدر ما يعتبر من أقدم الحمامات في “دمشق” حيث تم بناؤه عام 1169 ميلادي، ورغم وجود حمامات في “دمشق” تعود إلى القرن الرابع الهجري ولكنه الحمام الأكمل والأقدم الذي وصل إلينا من جهة، ومن جهة أخرى موقع بناء الحمام أعطاه ميزة أخرى تفرد بها وهو قربه من الجامع الأموي، وكما ارتبط اسم الحمام باسم مؤسسه السلطان “نور الدين الشهيد” فأعطاه قيمة مضافة، فنرى هذا الحمام على مكانة جيدة بين الحمامات في “دمشق” لقيمة صاحبه، وكما نعرف أن السلطان “نور الدين الشهيد” هو من أعطى لدمشق شكلها الحضاري الأخير وجعلها عاصمة له وقاعدة لجيوشه خلال فترة حكمه الممتد بين 1154ـ 1173 م.
كما أن حمام “نور الدين الشهيد” من أهم الحمامات سياحياً لوجوده
غرفة البخار |
وقربه من معظم أسواق “دمشق” القديمة، وهو الحمام الوحيد الذي استمر في العمل طول الفترة الإسلامية منذ بنائه وحتى الآن، وهذا كله يؤكد أننا أمام مثل طيب لحمامات العصر الإسلامي، ولهذا كان حماماً في غاية الأهمية.
وحمام “نور الين الشهيد” تعود الآن ملكيته لمديرية الآثار ومتاحف “بدمشق”، وقد تم ترميمه من قبل المديرية وتأجيره لعائلات لها اسم في هذه المهن الأصيلة والجميلة التي ظلت تحافظ على مكانتها في قلوب السوريين وحتى الزائرين من العرب والأجانب».