مراجعة فيلم دنكيرك هل هو اسوأ فيلم للمخرج كريستوفر نولان؟
سؤال، ما الذي يجعلك تشاهد مباراة كرة قدم مرة اخرى مع انك تعرف نتيجتها وجميع تفاصيلها، هل ستكون مشاهدتها ممتعة مقارنة عندما شاهدتها بشكل حي ومباشر؟ بعد اسبوع كامل من افتتاح الفيلم والضجة الكبيرة التى احدثها سواء في الصحف او الانترنت سؤال واحد فقط يلوح في الافق، هل فيلم Dunkirk سيكون بوابة كريستوفر نولان للأوسكار؟ سوف اجاوب على هذا السؤال في نهاية المقال ولكن في البداية قمنا سابقا بنشر قصة حياة كريستوفر نولان وعن اسلوبه في صناعة الأفلام، فضلا لا امرا قم بقراءة الموضوع ثم تابع قراءة هذا التحليل.. والآن دعوني اتحدث عن الفيلم بشكل عام.
في احد المقابلات تم سؤال نولان عن فيلم Dunkirk فأجاب ” دنكيرك فيلم يحكي قصة نجاة وهو فيلم تشويق، دنكيرك ليس فيلم عن الحرب “.
من اهم الاتهامات الى واجهها الفيلم هو انه “ ليس نولاني “ اي ان كريستوفر نولان تخلى عن كثير من فلسفته السينمائية في هذا العمل ولكن هل تخلى عنها سهواً؟ ام ان القصة احتاجت تغيير في طريقة السرد؟ الاجابة ان نولان لم يتخلى عن فلسفته، كريستوفر نولان غير من اسلوب طرحه ومعالجته للقصة خاصة بأنه قد قام بكتابة السيناريو لوحده وذلك يدل على انه يعي وبشكل جيد ما يجب عليه ان يفعله لكي يعوض بصمته التي ميزته عن جميع صناع الأفلام الحاليين، وعلى عكس افلامه التي تتسم بالواقعية والتعقيد فإن هذا الفيلم سلس مشحون بجميع انواع العواطف التي يمكن للعقل البشري ان يستوعبها، نعم لا يوجد نظرية علمية او واقعية في الفيلم “ كما عهدنا سابقا في انترستيلر وغيره “ وذلك لان الفيلم مبني على قصة حقيقية معروفة النتيجة، اي انه لا يجوز ان تتوقع ان تفشل عملية الانقاذ مثلا! ولكن العجيب هو نجاحه في وضعك في منتصف الاحداث لكي تعيش هذه التجربة بكل معانيها، كأنه قد قام بخطفك من مقعدك وسافر بك عبر الزمن الى الحرب العالمية الثانية في لوحة ملحمية غاية في الروعة تمتد لما يقارب ساعتين.
الجديد في هذا الفيلم انه لا يجاري الاعمال السابقة مثل انسيبشن او باتمان او انترستيلر.. وذلك لسبب رئيسي وهو الخيال، الخيال الذي جعله نولان واقع او اقرب ما يمكن الى الحقيقة، طبعا بالاضافة الى عوامل اخرى مثل اداء تمثيلي اسطوري لبعض الشخصيات، موسيقى تصويرية اكثر من رائعة، بالاضافة الى اصالة الفكرة ووجود حبكات قصصية مصنوعة بشكل يخدم تحويل كل هذا الخيال الى واقع، على عكس دونكيرك، القصة الحقيقية التي تخلوا من الخيال، مهما قمت به من حبكات او عقد لكي تحكي لنا كيف ستتم عملية الإخلاء فإن جميعنا يعرف كيف ستنتهي القصة وهو ما شكل التحدي الاكبر لتغيير نظرة او زاوية معالجة الفيلم، كيف لك ان تصنع فيلم حرب بدون ان تذكر اسم العدو الحقيقي في الفيلم وهو الجيش الالماني؟ إلا اذا قمت بتغيير العدو الاساسي في الفيلم لكي يصبح فوبيا “ الفشل، الهزيمة، الموت “ مذهل اليس كذلك؟
نعم المفاجأة العبقرية كانت بتغيير محور اساسي في القصة وهو الجيش الألماني وتحويله لصراع عاطفي مليء بالمشاعر يجعلك تعيش جميع اللحظات التي تشاهدها على الشاشة، التفرد في هذه الخطوة هو ما جعل الفيلم تجربة وليست قصة وذلك يظهر تقدم نولان على جميع المخرجين الحاليين، انه دائما ما يأخذك بخطوة الى الامام في جميع افلامه، دائما هناك شيء او بُعد اضافي في افلامه وذلك على الرغم بأن هذا الفيلم هو تجربته الاولى في فئة الافلام الحربية الصعبة جدا في جميع نواحي صناعتها.
انقاذ الجندي رايان، ابوكوليبس ناو، فول ميتال جاكيت وغيرهم الكثير… افلام حربية ايقونية جعلت من الصعب على اي صانع افلام ان يقوم بعمل سينمائي يتجاوز هذه الافلام او على الاقل ان لا يتم مقارنة عمله بها وعلى الاغلب النتيجة معروفة بانه لم ولن يجاريها لاسباب كثيرة وهي ليست موضوعي، ولكن ما يميز فيلم دونكيرك عن ما ذكر سالفا انك ستشاهد قصة “ عاشها “ المجندون اثناء عملية الإخلاء ولم “ يخبروك اياها في مقابلة تلفزيونية او في كتاب”، الافلام السابقة ستندرج تحت فئتين اما فيلم روائي هدفه الاساسي الربح والتجارة ولا شيء غيره او فيلم تسجيلي هدفه الاساسي الفن ونقل الحقيقة دون اي اضافات والربح ولكن بشكل غير مباشر، فيلم دنكيرك قدم مزيجا من النوعين والمفاجئة نعم بأنه نجح في الامرين معاً، ارقام شباك التذاكر جنونية بالاضافة الى رد فعل الجمهور الذي انقسم الى رأيين ان الفيلم ممل جدا والقسم الآخر الذي رآى بان الفيلم رائع جدا وفي كلتا الحالتين قد حقق الفيلم نجاح مادي لدى الروائيين ونجاح فني لدى التسجيليين. في اي فريق انت؟
من الاتهامات التي واجهها الفيلم ايضا الموسيقى التصويرية، جميعنا استمتع بالموسيقى التصويرية الرائعة التي يؤلفها هانس زيمر سواء كانت لافلام نولان او غيره “ يجب على ان اشارككم مجموعتي الخاصة “ اشتكى عدد كبير من الافراط في استخدام موسيقى هانس زيمر بالاضافة بأن الموسيقى مزعجة ! اتجه هانس زيمر الى اسلوب جديد في تأليف الموسيقى التصويرية للفيلم وذلك بناء على طلب المخرج حيث بدأ تأليفه للموسيقى من اصوات الساعة وذلك لكي تكون الموسيقى مرتبطة بشكل عميف في الفيلم او العامل الاساسي في الفيلم وهو الوقت.. الموسيقى التصويرية المستخدمة في الفيلم تم تأليفها بعد تصوير الفيلم وهو ما يعرف في صناعة الأفلام بالـ Scoring اي ان يقوم المؤلف بصناعة مقاطع موسيقية مصممة خصيصا لمشهد معين او لغرض معين على عكس ما قام به هانس زيمر في افلام نولان السابقة، مزيج من الطبول والاوتار التي من الممكن ان تكون زائدة وغير مبررة وذلك لان المشاهد حية ومثيرة بصورتها واصواتها، من كان ينتظر او يبحث عن موسيقى تصويرية لكي يستمتع بسماعها، لسوء الحظ سوف تضطر للانتظار حتى الفيلم القادم!
بصراحة، الجمهور الذي اعتبر الفيلم فاشل او ممل هو جمهور مراهق سينمائيا، لا يتم الحكم على فشل فيلم او نجاحه لانك ببساطة لم تقفز من مقعدك في دار العرض، او لانك لم تستمع الى نصوص حوارية تصلح لان تنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بك، او لان لم تشاهد نجم One Direction على الشاشة بما فيه الكفاية… فقط تخيل للحظة بأنك احد الجنود الموجدين على ذلك الشاطىء والعدو من خلفك والمحيط من امامك… ثم شاهد الفيلم وستجد بأن الفيلم نجح في ايصال كم كبير جدا مما تحس به وانت محاصر على الشاطىء، انا لا اخفي بأن الفيلم فيه بعض الامور التي كانت من الممكن ان تكون افضل وبالمناسبة الفيلم حصل على بعض الانتقادات في مصداقية القصة نفسها ولكن ذلك لا يمنعنا من ان نكون حياديين على الاقل ونذكر المجهود الكبير الذي بذل في هذا العمل، قمت بطرح مثال مباراة كرة القدم في البداية لانه اقرب مثال على ما حدث، جميعنا يعرف النتيجة التي آلت اليها عملية الاخلاء ولكن ما الذي سيدفعك لمشاهدتها مرة اخرى؟ اعتقد ان هناك شيئا همس في داخلك وداخلي ايضا، نعم… كريستوفر نولان، اليس كذلك؟ الجواب اكيد نعم انا اريد ان اشاهد مباراة كرة قدم اعرف نتيجتها مسبقا خاصة اذا شاهدت اسم كريستوفر نولان في المقدمة !
تم تصوير الفيلم باستخدام كاميرات IMax وتم عرضه باستخدام شريط فيلم قياس ٧٠ ملم اي ان الصورة والكوادر ستكون اوسع واكبر من القياس التقليدي ٣٥ ملم او ٦٠ ملم، الموضوع تقني ولكن عندما تشاهد التأطيرات التي اتبعها المصور هوييت فان هويتيما بالاضافة الى تعمد زيادة طول بعض اللقطات، تم تعزيز الاحساس بحصار الجيش الالماني على شواطئ دونكيرك بفرنسا، وذلك اظهر صورة واضحة لاول صفعة تلقاها الحلفاء في الحرب العالمية, كنت اشك في امكانية فان هويتيما على النجاح في تصوير الفيلم منذ تم الاعلان عنه كمدير تصوير للفيلم ولكن كأول تجربة في تصوير فيلم حرب وباستخدام صيغة كبيرة الحجم كـ آي ماكس فالنتيجة كانت ممتازة, الألوان باردة انحصرت في اللون الاخضر القاتم والون الترابي بالإضافة الى اللون الحار للبشرة والانفجارات، كانت اختيارات جميلة جدا وعكست الحالة النفسية للقصة.
يقوم دنكيرك بالتعامل مع كل جندي انجليزي على ذلك الشاطئ كجزء من البنية الإجتماعية الكاملة للفيلم مع اهمال التفاصيل الخاصة بسيرهم الذاتية وتوجيه الإهتمام لأدوارهم التي يلعبونها بالسياق الدرامي للتاريخ بغض النظر عن كونها كبيرة أم صغيرة. فـ “دونكيرك” من النوعية التي أحب أن أسميها صورة للمجتمع ككل أو للأصناف التي تحارب من أجل حياتها دون الاهتمام بمشاكل الأفراد، فإذا إختلطت عليك الامور في معرفة من الذي فعل هذا وما الذي حدث هنا من وقت لآخر، إطمئن لان هذه هي سمة عامة في افلام نولان. بشكل عام فإن الممثلين ادوا بشكل جيد في التعامل مع الادوار التي لعبوها على الرغم من قصر الجمل الحوارية في الفيلم.
اساس الفيلم هو ساعة موقوتة، سباق ضد الزمن او عد تنازلي يترتب عليه حياة عدد كبير من الاشخاص بالاضافة الى محاولات يائسة نوعا ما لاجلائهم بشتى الوسائل والطرق، تم صناعة هذا الفيلم برؤية ونزاهة وإخلاص للقصة وللصناعة، سواء لم تعجبك القفزات في الاحداث، او لم يعجبك تسلسل الاحداث او ان تستغرق عملية انقاذ جندي في البحر لمدة نصف ساعة وان يتم تدمير اسطول طائرات كامل في ثواني معدودة، الفيلم سيثير فيك بعض التساؤلات او سيثير بعض الجدل بينك وبين اصدقائك وفي زمننا هذا حيث الافلام التجارية وقصص الابطال الخارقين هي المسيطر على دور العرض فإن هذا الفيلم يستحق المشاهدة، واخيرا اترككم مع هذه المقاربة في اهمية ” الزمن ” وعلاقته بالقصة والاحداث في فصول فيلم انسيبشن وفي فصول فيلم Dunkirk، ستعرف بالضبط لماذا يتفوق نولان على جميع صناع الأفلام في الوقت الحالي، دائما افلامه حتى في ابسطها بحاجة الى تركيز… وكلما ركزت اكثر كلما اكتشفت اكثر!
اسئلة اتركها لك للاجابة عليها، هل انتصر فيلم دنكيرك؟ هل هو تعريف جديد لافلام الحرب في السينما؟ هل شاهدت الفيلم؟ ما رأيك فيه؟ وما رأيك بهذا التحليل؟ شاركني ارائك في خانة التعليقات