القاهرةمنذ مطلع القرن العشرين، حين وُظف السلك أداة فنية للنحت كجزء من اتجاهات حديثة في الفن التشكيلي آنذاك، حافظ الفنانون التشكيليون ممن جذبتهم تلك الأسلاك بداية من الأميركي ألكسندر كالدر (1898 إلى1976) على التقاليد ذاتها، حيث الاحتفاظ بلون السلك القاتم من أسود أو فضي أحياناً نحاسي، ونحته دون إضافات أخرى، فيبدو كهيكل طائر أو جواد أو مَقعد وغير ذلك من الأشكال التي يتمخض عنها خيال فنان. أخيراً ثارت الفنانة التشكيلية المصرية رضا صلاح (تخرجت في كلية الحقوق العام 1986) على تلك التوجهات، لتضفي على الأسلاك ألوانا مبهجة تضيف إليها خامات عدة، منتجة أعمالاً أكثر حيوية وبهجة.
تقول صلاح: «أكره اللون الأسود بقتامته، ولا أتخيل أن قطعاً صنعت لبث البهجة لا تخرج عن إطار ذلك اللون، كانت تلك أول عقبة أواجهها، لكنني تغلبت عليها بالثورة على ذلك اللون فبدأت أطلي القطع التي أصممها بداية على ورقة بالرسم والتلوين، لتخرج في النهاية كالصورة تماماً. صنعت عرائس باليه ترتدي فساتين وردية زاهية، وطيوراً ذهبية، وأشجاراً خضراء، مع تصميم بعض القطع وفق التقاليد القديمة لأرضي كل الأذواق. كما أضفت قماش التول والخرز إلى تلك الأعمال لتزيينها أو إضافة بعض التفاصيل كالعينين في الوجه».
جاء دخول صلاح عالم الفن التشكيلي مصادفة، إذ تعمل في الأساس صحافية، وحين شاركت في ورشة لفن الكاريكاتور الوثيق الصلة بمجال عملها، تعرفت فيها على الفنان التشكيلي جلال جمعة. «ذات مرة جاء يحمل معه نمراً أسود صنعه بيده من السلك، عشقت ذلك الفن من النظرة الأولى، وطلبت منه أن أنضم إلى أول ورشة لتعليم هذا الفن الراقي الذي يدعى النحت بالسلك. كان ذلك قبل ثلاث سنوات».
تضيف: «خلال الورشة التي ضمت 6 أشخاص فقط نظراً إلى عدم انتشار فن النحت بالسلك، أبديت تفاعلاً ملحوظاً. وخلال الجلسة الرابعة صنعت بيدي 30 قطعة بمقاسات مختلفة، فما كان من مدير الجمعية المصرية للكاريكاتور يقيم معرضاً لي ويدعو كبار الفنانين إليه. من وقتها لم أترك السلك يوماً».
عن الجديد الذي جلبته إلى هذا الفن تقول: «كنت أزعج أستاذي خلال الورشة بتصاميمي الملونة وابتكار أشياء لم نتفق عليها، لكنني أصررت على ذلك وأكملت فيه. نحت السلك أخرج من داخلي طفلة تعشق اللعب بالألوان المبهجة، وربة المنزل التي تعشق الأشغال اليدوية، فأدخلت خامات أخرى على السلك كالخرز والتول والإضاءة».
اليوم باتت الصحافية التي دخلت عالم الفن التشكيلي صدفة معلمة لذلك الفن، إذ أقامت ورشاً عدة للأطفال والشباب وحتى الكبار. وخلال مهرجان «من فات قديمة تاه» لدعم الحرف المستقلة الذي اختُتم قبل أيام في بيت السناري في القاهرة، شاركت الأستاذة وأحد تلاميذها ويدعى يوسف وهو طفل في المرحلة الإعدادية.
توضح: «حاولت نشر ذلك الفن الراقي النادر خصوصاً بين ثلاث فئات، الأطفال لغرس قيم الفن فيهم ولسهولة ذلك الفن وقدرتهم على إنجازه، ثم المرأة المعيلة كوسيلة لتحسين دخلها، وأخيراً ذوو الحاجات الخاصة الذين أبهروني شخصياً خلال الورش».
وتتحدث الفنانة المصرية عن دعم عائلتها لها فتقول: «زوجي ابتكر طريقة لتثبيت القطعة الفنية على الخشب دون أي ثغرات، كما أنه أول ناقد لأعمالي. أما ابني وقد تخرج في كلية الحقوق مثلي، فيملك ميولاً فنية أيضاً ويعمل على تلوين منتجاتي. ابنتي التي تدرس «نظم ومعلومات» تتولى مهمة التسويق الإلكتروني». وفقا لما نشر بصحيفة الحياة.