خالق المعادلات بالمادة الجديدة

جميل ملاعب

هذا الصباح، للمرة الأولى ادخل بيته ولا تلاقيني طلته وضحكته وطلعته الأبوية في هذا المكان. تلاقينا منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولطالما كان عارف منكبا على عمله على طاولة الصباح كأن العمل خبز الأيام.
يجرّب المادة، يرسم، يحفر، ينحت، يسير مع الحبر واللون والخطوط والمادة كأن الفن غذاء الجسد والروح. يغير المعادلات في الفن وطريقة العيش، يحوّل اللوحة إلى طرق تشكيلية جديدة، إلى إبعاد لم تبلغها الرؤية.
عارف الريس لعن وحشة الحياة وقسوة الانتظار وغموض المصير بالألوان القاتمة. كان يرسم عالمه الباطني من دون أن ينسى الواقع. يسجل في عفوية كل ما يربط يده بفكره ساعة بعد ساعة منذ أكثر من أربعين سنة، مغامرا في خلق المعادلات بمواد جديدة.
أفادت من تجربته الحركة الفنية اللبنانية وأفاد من فكره المنظر الثقافي في “دار الفن” وجمعية الفنانين وسمبوزيوم عاليه. كانت ورشته كبيرة ومساعدوه كثر أسسوا جوقة اسمها الفن الجماعي حقق فيها أمنيته جرأة وتجددا.
عارف الريس المتفائل أبدا كان يحب الحياة وقدر الفن. صوت جميل للحياة في خدمتها. عرف أن الإنسان مغلوب على أمره أمام المصير الغامض. لذا كان العمل الدؤوب رده الوحيد.
كان صمته لملء الحياة بمعنى ما، لخلقه صورة جميلة كي يحوّل العمر من تسجيلات عابرة على جسده إلى تسجيلات ثابتة في المادة الحية، في مادة الحجر والخشب والقماش.
فنان عصامي ناضل حتى آخر يوم من حياته ولم يساوم أبدا في لوحته وإيمانه وعقيدته، كي تكون للعمر نكهة تشبه الجمال، كي يكون للحياة معنى يشبه معاناة الحياة.

***

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.