الفنان جلال عريقات
الفنان التشكيلي الفلسطيني الأردني “جلال عريقات”، المولود في مدينة ليماسول بقبرص عام 1953. هو سليل عائلة فلسطينية مُهجرة من قرية أبو ديس بمدينة القدس الشرقية. تابع دراسته الأكاديمية في معهد الفنون الجميلة بالعاصمة الأردنية عمان ما بين أعوام (1972-1975)، حاصلاً على دبلوم الفنون الجميلة في ميادين الرسم والتصوير الملون. ومُستكملاً دراسته الفنية في مجالات التصميم والغرافيك دزاين بالعاصمة البريطانية لندن ما بين أعوام (1976-1977).
هو عضو في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وجمعية الفنانين التشكيليين الأوروبيين، ومُشارك في عدة معارض تشكيلية جماعية فلسطينية وعربية ودولية، والعديد من المعارض الفنية الفردية المُقامة في صالات العرض الرسمية والخاصة بالفنون التشكيلية بعمان: “رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين عام 1989، الفينيق عام 1991، أبعاد عام 1994. عمل في مجال الحفر والرسوم المتحركة الخاصة بفنون الأطفال (الكرتون).
لوحاته التصويرية تمثيل أمين لذاته المُجربة والباحثة عن موطئ قدم لمساحة ابتكار تشكيلي واثقة من قدراته في استلهام مواضيع خارجة عن الواقعية التسجيلية ونقل المشاهد الطبيعية، وولادة مناظر وصور سرد بصري من طبيعة صناعية، قوامها مجموعة من المواد الاستهلاكية والتوالف البيئية. تُدخله في مساحة الخصوصية والتفرد الشكلي، والتميز ما بين أقرانه في الحركة الفنية التشكيلية العربية من خلال البوابة الأردنية والفلسطينية، والتحليق الذاتي في لعبة التجريب والعبث التقني في ميادين الفنون التشكيلية، مُتعددة السمات والخصائص والمكونات الشكلية من رسم وتصوير ونحت وتصاميم حفرية متدثرة بحلة شكلية من نوع “موتيفات” سابرة لأغوار ذاته الشخصية، العاكسة لمكامن مقولاته الفكرية والجمالية، وخارجة عن سرب الفنون التشكيلية الأكاديمية، ومدرسية الحبكة التقنية للمواضيع المنسوجة في سياقاتها النمطية.
لوحاته تُؤثر المرور الماجن الشكلي المجرد والمتخيل، والمُحمل بإحالات رمزية مكانية، وأسطورية متخفية بمعالم وتضاريس خطوط ومساحات وملونات سابحة في ثنايا المُخيلة، والمواكبة لفنون الحداثة وما بعدها التركيبية، ذات المسحة التعبيرية المثقلة بمفاهيم معاصرة، والتي تولي الرموز والدلالات الموحية الأهمية الكبرى في طريقة رصفه لمكونات عناصره ومفرداته الموصوفة داخل عمائر بنية لوحاته التشكيلية. وتستبيح في عجينتها التقنية وعراكها الشكلي جمع المواد والخامات والخطوط والملونات، وفي طريقة تخيره لمعالم الفوضى الشكلية للمساحات المتناثرة والمتداخلة في غالبية اللوحات، وترنو إلى تقاسيم متماثلة الحركات الإيقاعية المغايرة للمرجعيات الأكاديمية الأوربية التقليدية.
رسومه تأخذ بناصية المعاصرة الغربية ولكن بنكهة عربية محلية، وتشدو العبور الرمزي لواحة التاريخ العربي وحفرياته الأثرية، وإشارته الخطية الرمزية المتوارية في الأختام الأسطوانية واللقي والرقميات، وأبجديات الكتابات العربية الأولى في الساحل السوري اللبناني الفلسطيني، والتناغم السردي مع حضارات ما بين النهرين وبلاد الشام وما عايشتها من ممالك عاد وارم وثمود والأنباط، وإمارات فينيقية وكنعانية وسواها.
أعماله جميعها منحازة لخياره الشكلي التي تلوذ بالمساحات الهندسية المتوالدة من ثنايا المستطيل والمربع والمعينات وسواها، والمندمجة بالأشكال الحيوانية المائية كمعادلات بصرية متكافئة شكلاً ومضموناً. تحسم طبيعة العلاقة الشكلية للرؤية الفنية والتوليف التقني لتوزع العناصر والرموز، والتي تفوح منها مدارات السرد البصري الوظيفي، وجماليات القول الفكري المنشود. والمعتمدة على التقسيمات الضدية لتقابل المساحات واندماجها، والتخفي في وحدتي الطول والعرض وجدلية المساحة المشرقية، وتجاوز بؤر البعد الثالث المنظور في الفنون الأوربية وانتفائه من عموم لوحاته.
الإنسان في سحنته التعبيرية المتناسلة من فنون الحداثة الشكلية، والقائمة على الاختزال والتلخيص الشكلي لواقعية الوجوه والأجساد، وفيها ما فيها من جماليات القبح، وعكس روح المظالم الذي يتعرض لها الإنسان العربي بعامة، والفلسطيني بخاصة من مساحات قلق وتوتر، ومظاهر حسيّة تُقرب المتلقي من واحة رسوم الأطفال، وعبثهم التقني المتهادية فوق سطوح لوحاته. حيث يوظف الفنان “عريقات” في رسومه ولوحاته ومركباته الشكلية بكل ما تجود قريحته المهنية ولحظات حدسه المستدامة ومناطق ابتكاره، وما تصل إليه يديه من خامات ومواد مُستهلكة بيئية، مثل الأقمشة والعيدان الخشبية، وصفائح معدنية وكرتون ورمال ولدائن، وبقايا صور منشورة في صحف ومجلات وسواها. يُدرجها الفنان في لحمة تقنية من نوع كولاج صمغي، يصبغها بملونات تزيد من بريق اللون من ريشته، ويطوقها بحدود فاصلة من أقلامه وقصاصاته المتعددة. يراعي فيها تألف الرصف اللوني للخامات، ويجعلها في حلة وصفية مُتجانسة ومتوازنة شكلاً وتدريجات لونية من بيئة شكلية واحدة.
لوحاته تُعد خلطة شكلية مفتوحة على حيز الأمكنة العربية في بيوتها وجدرانها وتراثها الشعبي وصنائعه المتنوعة، جامعة لحمتها الوصفية مجموعة من التيارات الفنية والمدارس، تُعيد صوغ أبجدية المكان العربي وذاكرته البصرية الممثلة لمفهوم المحلية والأصالة في صياغات حداثة معاصرة وصفية، موزعة ما بين الانطباعية الذاتية والتعبيرية الصارخة والتجريدية المفتوحة على شكل المربع كشكل هندسي ذهبي حاضن لمجموع أعماله في سياقاته الرمزية وتجلياته الصوفية المتوارية في الجماليات العربية، ولما له من مكانة في الفلسفة العربية الإسلامية