الفنانة رانية عقل
الفنانة التشكيلية الفلسطينية “رانية صبحي عقل” المولودة في بلدة كفر قرع بجنوب مدينة حيفا الفلسطينية، يوم الخامس والعشرين من شهر تموز من العام 1976. دفعتها مواهبها الفطرية في طفولة مبكرة لتعلم أصول الرسم والتلوين والنحت بوسائط الدراسة الخاصة، وتتلمذت على يد عدد من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين أمثال “أحمد بويرات، فريد أبو شقرة” وسواهم.
مكنها ذلك من العمل كمرشدة في لفنون رياض الأطفال. ثم تسنى لها الانتساب لمعهد عررة للفنون التشكيلية ما بين 1999-2001، مُستكملة دوراتها الخاصة في ميادين رعاية فنون الطفولة وأصحاب الاحتياجات الخاصة في بلدتها. هي عضو في رابطة الفنانين التشكيلين العرب “إبداع”. ومُشاركة في العديد من المعارض الجماعية في الوسط العربي في قرى الجليل وحيفا، وفي عدد من الدول الأوربية، وفي جعبة تجربتها الشخصية نحو ثلاثة معارض فردية، ولها تجربة حديثة ومميزة في مهرجان فاس للفنون التشكيلية بالمملكة المغربية من العام الحالي 2011.
تنتمي أعمالها الفنية إلى عالم الطفولة الحالمة، والتبسيط الشكلي للرموز والمفردات التي تستحضرها من معين ذاكرتها الشخصية الحافظة، والمتكئة على مداولات تنقلها البصري ما بين المآثر التاريخية والموروث الفلسطيني. والمتوالد من الأسطورة والحكاية (الخرافيات)، والمعجونة بشيء من الرمزية والبداهة الشعبية، المتغنية بشكل ما أو بآخر بذاكرة المكان الفلسطيني التراثية بتنوعاته الخصبة، المفتوحة على حرية الإنسان والكائنات الحية والطبيعة، في صور شكلية وتضمينات نصية، تدخل في سياق السهل والمألوف الشكلي، والتي لا يحتاج المتلقي فيها إلى صعوبة في قراءة مضامين نصوصها البصرية.
أعمالها الفنية موزعة ما بين تقنيات التصوير الملون ذات رؤى تراثية، محمولة بلغة السرد المحكية، مُتماهية مع مسرود النص البصري التشكيلي. تختصر أحلام الطفولة في مدارات الزمن الفلسطيني المتواصل. وبين تقنيات التشكيل البصري النحتي من طين وصلصال معالج ومدخن في قوالب فخار. تقربك من تقاسيم الجسد الإنساني الذي تُمثله اليد كمفتاح دلالي ورمزي لمفاهيم الوحدة والأخوة والتجمع والقوة، فيها مقاربة من قصة الشيخ الجليل وأبنائه وعصيهم المتفردة والمتوحدة، ومنسجمة مع أبيات شعرية سبكت في هذا الخصوص، باعتبارها مظهر رمزي لتناص بصري، وتضمين لمجاز القول المنشود.
وبين اشتغالها في مجالات النحت الرخامي المباشر، والذي يروز قدراتها الذاتية كأنثى، وطريقة تعاملها مع أحجارها وكتلها رسماً وصقلاً وتهذيباً، وما تجتهد من أساليب التعامل الحرفي والمهنية الفائقة مع أدوات القطع والقص والتسوية والتنعيم والطرق وما شابه من تقنيات اشتغالها النحتي. وما لديها من قدرات بحث ممكنة لتطويع السطوح والتجاويف، والكتل وتوليفات الصور والمرئيات والتعبيرات الحسيّة والرمزية، الموصولة بحسبة شكلية متناغمة مع الموروث الفلسطيني في متواليات أزمنته الغابرة بالحاضرة.
كما نجد في توليفات أعمالها التركيبية، مسحة من الفنون التطبيقية المتداولة لدى الأسر والعائلات الفلسطينية الريفية، من مشغولات القش، ودباغة الجلود، وأسلاك وصفائح معدنية وسواها من الصنائع المحلية الفلسطينية التراثية. تدرجها في متن لوحاتها نوعاً من تذكرة وسلوان واقتصاد منزلي، موصولة بجماليات الماضي الفلسطيني. ودلالة رمزية على تعاون الأسر واجتماعها في حضرة الأرض، وما يمر فيها من أحاديث وتجليات عمل وتكافل.
تلوذ بالحداثة التعبيرية المتدثرة بكسوة فطرية، تعبيرية مفتوحة على فضاء التجريد، وتناغم في حركتها الشكلية، في سياق ألعاب ودمى متحركة لكائنات حيّة وطيور وفضاء متسع لخيال ظل، ورقص العناصر والمفردات التشكيلية المتواضعة في حيز الكتلة والفراغ، والعبث الرمزي مع ذكريات طفولة مارقة في وجدان الفنانة في لحظة تأمل وتجلي. تكوينات إنسانيه الطابع والمدلول، إنسانها متوار خفية في ظلال النصوص، مُعبر عنه بوسائط السرد البصري، واستعارة لغة المجاز الشكلي المستعارة من حيوية طائر السنونو وحركة طيرانه وأسرابه ومكانته في ذاكرة الزمن المتغير، كمهاجر نشط ما بين متغيرات الطقس.
السنونو ذلك الطائر المُحير في شكله، وغرابة طباعه وهجراته الشتوية والصيفية المتكررة مع دورات الفصول. وما يحمل في ذاكرة الناس من حكايات وأقوال ومآثر عاطفية دالة على مفاهيم الغربة والاغتراب والعودة الفطرية والطبيعية إلى أماكن الجدود، والتي تأخذ هذه السلسلة من الحكايات البصرية مساحة واسعة في لوحاتها التعبيرية والتركيبية، متعددة التقنيات. تصوغها في ملامح سرد بصري انسيابية الصياغة وسهلة التداول الشكلي لتقنياتها، المتدثرة بقصص طائر السنونو المرتحل في فضاء الحرية.
مشاهد مُستعارة من تذكرة عابرة لقصص منثورة في متن الكتب وذكريات الطفولة الحالمة، المتمسكة بحق العودة للديار. وفيها رمزية جليّة تدل على حال الشعب العربي الفلسطيني المشرد، الذي اجبره العدو المغتصب الصهيوني إلى الرحيل المؤقت خارج الجغرافية الفلسطينية، وكأنهم. أسراب من طيور السنونو العائدين في لحظة العودة المنتظرة ولو بعد حين. وما تخيرها للسنونو إلا دلالة رمزية واضحة القسمات، تشدنا إلى مفاهيم الوطن والمواطنة، وتقاسيم الأمل الموعود، في التحرير وعودة أصحاب الأرض الفلسطينية، أولئك المشردين في بقاع الدنيا إلى بيوتهم مهما طال الغياب. عودة للأرض الفلسطينية الكاملة التي لا عودة عنها، باقية في ضمير الوعي الفكري للشعب العربي الفلسطيني، المتوالدة عبر الأجيال الفلسطينية المتعاقبة.