الفنان التشكيلي الفلسطيني “سائد حلمي” من مواليد مخيم العروب في مدينة الخليل عام 1967، من عائلة فلسطينية تعود أصولها إلى قرية عراق المنشية. هُجرت قسراً في حروب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، تعلم فنون الرسم والتصوير الملون والنحت على نفسه، مُفسحاً المجال لموهبته الفطرية ورغباته الذاتية بفعل شيء ما له قيمة وأثر في حياته الشخصية وفي صفوف أبناء شعبه الفلسطيني، تسنى له الدراسة في معهد الفنون في مدينة بيت لحم لصقل مواهبه ولتمده بأصول الصنعة الأكاديمية والحرفية، وكان له ذلك بفضل جلده وصبره ومجاهدته، وتشجيع محيطه الأسري.
سعى الفنان “سائد” منذ بزوغ نجمه في مساحة العروض الجماعية الفنية التشكيلية بمخيمه ومحيطه من المدن الفلسطينية المتعددة في الخليل وبيت لحم والقدس وسواها، إلى تقديم أعمال فنية تشكيلية فلسطينية الطابع والرؤى مميزة في المحتوى الشكلي وشديدة الخصوصية، يصعب على أي دارس فن أو ناقد وحتى متلقي إزاءها إلا أن يقف أمام حصيلته الفنية ومنجزه التشكيلي، وقفة تأمل ومحاورة بصرية، وإعجاب وإكبار وتقدير لهذا الفنان المُجاهد الذي لم تجد لوحاته، وأعماله الفنية ما تستحق من الرعاية والاهتمام الرسمي والصحفي والمجتمعي الفلسطيني، وجعلته يُغادر ميدانه الفني مبكراً بعد أن أثرى المكتبة الفنية التشكيلية بأعمال فنية أقل ما يُقال فيها أنها كنز بصري. ونرغب أن يعود عودة حميدة لمزاولة تقاسيم ابتكاره من جديد.
لأنه يُشكل في منتجه الفني إضافة نوعية للفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر، بما تحوي من معاني وتجليات بصرية وجمالية في محمول المعنى والمبنى الشكلي، سواء أكانت في الشكل والمضمون والتقنية. بما هي عليه من سعة مشهودة للمحتوى الإنساني والنضالي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بجميع قواه البشرية وشرائحه الاجتماعية، وما تعكسه اللوحات التصويرية من جودة ومصداقية الطرح الشكلي، المُعبرة عن روح المعاناة والمقاومة والأمل المتجلي بلوحات التراث الشعبي والطبيعة وانتفاضة أطفال الحجارة، لاسيما صبار الوطن الفلسطيني المتطاول على الألم والمرارة والمعاناة ورمزيته كنبات شائك وثمرة حلوة المذاق.
في بداية رحلته الفنية تسنى له المشاركة في مجموعة من المعارض الفنية التشكيلية الجماعية، كانت في مخيم العروب نقطة الانطلاق، ومن ثم الانتقال إلى جامعة الخليل، والقدس المفتوحة بفرعها بمدينة بيت لحم، وبير زيت ونادي الأسير وكلية مجتمع المرأة في رام الله ، والهلال الأحمر الفلسطيني، وبلدة كوكب أبو الهيجاء بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومسرح الحكواتي بالقدس،، كما ساهم في انجاز صرح الشهداء النحتي في مخيمه، وفي أماكن أخرى من الوطن الفلسطيني.
لوحاته أشبه بشريط بصري محكم الصياغة والسرد والإخراج، متوالية النصوص المسرودة، تقص حكاية الأرض الفلسطينية وبما تحوي من طبيعة وكروم وسهول وجبال وخيرات مادية ورمزية وتراث وأوابد تاريخية وبشر، وكأنها متحف فلسطيني بصري مُصغر، تختصر وطن بأكمله وقضية ارض وشعب وتراث ومقاومة، تستحضر بوابات المواجهة الثقافية مع جبهة الأعداء الصهاينة المغتصبين. مواجهة حضارية بالخط واللون وعناق الكتلة مع اتساع الفراغ، تستقوي بذاكرة الأرض الفلسطينية المعطاءة بأبنائها الطيبين والشرفاء المقاومين.
تستعير منها شخوصها وأوابدها الدينية، وحقولها وليالي الحصاد فيها ونبع العين والسامر وغناء الطيور والأشجار والصبار العريق. تجمع قوافي الرمز والإحالات الدلالية ليوميات الصمود الفلسطيني الشعبي، في موائد الفن والجمال، واللمسات العفوية تستمطر الحكايات وتهتدي بضياء القمر في الليالي الفلسطينية الظلماء، وتجد في رمزية الأحصنة المعادلات الرمزية لمفهوم الثورة ثمة متسع لأوصاف شكلية متناسلة من الواقع الفلسطيني بيومياته المتنوعة، طافحة بالمعاني وجماليات السرد التشكيلي.
تجلجل العناصر والمفردات التشكيلية الموصوفة بمقامات صوغه التقني، المُتغنية بتقاسيم الوطن الفلسطيني المزين بالنسوة والفتية والرجال، من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، تسكن ضفاف الوصف البصري وتحتل مكانها الطبيعي كعناصر رئيسة في كل لوحة من لوحاته التصويرية، تأخذ بتلابيب الاتجاهات الواقعية التعبيرية، والتعبيرية الرمزية بالفن، وتجود بملونات سابحة في مدارات الدائرة اللونية متكاملة الملونات، تُعطي لمداد تدريجاتها المشتقة، في نسج التناقض والتوافق اللوني مرصوفاً على سطوح الخامات بذلك الفيض البصري لجمالية الفكرة الموصوفة هنا وهناك.
البنية التشكيلية محكومة بعفوية الطرح ومصداقيته، وبجماليات الرؤى المسكونة في حدس الفنان وأحاسيسه، والمتوالدة في مسارات وعيه بالحالة التصويرية، وبمقدرته على مسك ناصية النصوص تقنياً، وفكرة تعبيرية موصولة بجوهر الصراع العربي الصهيوني بكسوته الفلسطينية، والاشتباك الحضاري والوجودي على جبهة الثقافة البصرية. وتكريس لمقولة الوجود ومحددات الأنا الفلسطينية الجمعية، المتعانقة ما بين جماليات الطبيعة وكائناتها الحيّة وفي مقدمها الإنسان الفلسطيني، المتشبث بالجذور وبالوطن والمواطنة وبأبنائه المقاومين.
القدس عروسة عروبتنا ومهد الأنبياء والأتقياء والصديقين، ومسرى نبينا محمد صلوات لله عليه، بما هي عليها من قداسة ومكانة في قلوب العرب مسيحيين ومسلمين، لها مكانة خاصة في سجل محاوره البصرية، وله فيها أكثر من لوحة وبيان سردي، يصوغها في قوالب سرد مسرحي، مليئة بالعناصر والمفردات والتشخيص، وتداخلات العلاقات الشكلية، وحبلى بالمضامين الرمزية، الغنية بالتكوينات الشكلية المصحوبة بعجائن لونية متسعة على رقص ريش الرسم والتصوير وغنائية اللون وشفافيته ودسامته.
ــــــــــــــــــــــــــــ