الفنان التشكيلي الفلسطيني “علاء ابو سيف” من مواليد “خان يونس بقطاع غزة عام 1982. تعلم في مدارس وكالة الغوت وتشغيل الفلسطينيين “الأنروا” مراحل دراسته الابتدائية والإعدادية، متابعاً دراسته العليا الأكاديمية في جامعة الأقصى، متخرجاً من قسم التربية الفنية عام 2005. نشاطه الفني في مهارات الفنون التطبيقية اليدوية المهنية كان بادياً عليه، ومتجانساً مع رغباته الذاتية ومهاراته ومواهبه الفنية المتعددة، منذ ما قبل دخوله مجال التعليم الأكاديمي وبعده، وله في ذلك مساهمات جماعية وتجارب فردية في اكثر من موقع وعمل فني. هو عضو في روابط فنية تشكيلية عديدة في مدينة غزة، منها جمعية الفنانين التشكيلين الفلسطينيين، ملتقى الفنانين التشكيلين” عنقاء فلسطين” ومجموعة باليتا للفن التشكيلى.
أخذت ميادين الفنون التشكيلية والتربية الفنية وتقنياتها من موهبته ودربته وخبراته ومهاراته كل مأخذ، وتجلت في مناحي انتاجه الفني التشكيلي والتطبيقي والتربوي المتنوعة. موزعة ما بين الرسم والتصوير والملصقات السياسية المنفذة بتقنيات يدوية أكاديمية أو بوسائط برامج الكمبيوتر الرسومية. أو في مجال اشتغاله المهني في حقل تدريس التربية الفنية في مدارس القطاع ونواديها المتعددة. استهواه فن النحت والجداري على وجه التحديد، منفذاً فيه عدة لوحات وبشكل جماعي وبالتعاون مع مجموعة من أقرانه في الفن والحرفة. وتًُعد جدارية” جذور بلادي” وهي مؤتلفة من النحت البارز والمسطح، ثنائي الأبعاد ” روليف” والمنفذة في جامعة الأقصى بمدينة غزة هي الأطول في تقنياتها ومواضيعها، المفتوحة على تاريخ شعب وذاكرة قضية ما زالت متوهجه في عيون وقلوب الأجيال الفلسطينية المتعاقبة. موضوعها الرئيس إحياء التراث الشعبي الفلسطيني ودوره النضالي بالتزامن والملاصقة مع الكفاح المسلح الفلسطيني والمقاوم لقوات الاغتصاب الصهيوني في أشكال تعبيرية متنوعة.
تقص حكاية الزمن الفلسطيني وعلاقته مع الأرض والإنسان، وتصفح أوراق التاريخ والأوابد في حقب زمنية متوالية. تستعير وتقتبس في رؤاها الفنية وجملتها التشكيلية منتجات لفنانين تشكيليين فلسطينيين رواد في كسوة تقنية مغايرة. لاسيما لوحات الفنان الرائد الراحل “كامل المغني” التصويرية، واتخاذها بوصلة وجوهراً ومجالاً حيوياً لمقاربة تشكيلية، وترجمة حسيّة وجمالية وتقنية بوسائط النحت الجداري. تلك المفتوحة على ذاكرة فلسطينية تراثية متسعة لجماليات الطبيعة الفلسطينية والشخوص، والمدن والحواري والأسواق والصنائع والمهن المنزلية وسواها، وعلى يوميات مستمدة من سير النضال الوطني الفلسطيني وإنسانه في اجمل تجلياته الحياتية.
وهي أشبة بترجمة حرفية لنص بصري، مسرحي في مداه الرئوي، ومشغول بوسائط الفن التشكيلي النحتي. تحكي في فصولها قصة المواطن الفلسطيني في صورته الإيجابية المشرقة، مؤلفة من مجموعة قطع شكلية وأفكار. كل زاوية وسطح فيها معنية بنبش ركام المواطنة الفلسطينية، وتبيان حقيقة ملكية الأرض الفلسطينية التي تعود لأصحابها الفلسطينيين، الذين روا تربتها بعرقهم وتعبهم ودمائهم، وتبرز الوجوه المتعددة لحركة الناس في تداول المهن الفلسطينية التقليدية، والمحددة لدورات الحياة اليومية الفلسطينية.
هي بلا ادنى شكل، لوحة تشكيلية نحتية بانورامية، تصول وتجول في واحة الذاكرة الفلسطينية، بأوراقها المتناثرة هنا وهناك. تجود بما تحمله تفاصيلها الشكلية من ابجديات المدن التاريخية، المدرجة في ثنايا الزمن العربي الغابر والحاضر، وبرؤية خاصة ليوميات المستقبل الفلسطيني المحملة بالأمل وتجليات النصر المؤجل. تتقدم المواكب الشكلية زهرة المدائن وعروس فلسطين وعاصمتها العربية الأبدية قدس الأقداس مدينة ” القدس” في حلتها الوصفية المعروفة، والتي يتربع فيها المسجد الأقصى في هيبته ووقاره، ومسجد قبة الصخرة بقبته الذهبية، وما يحيطها من جماليات زخرفة ورصف.
الجدارية بوصفها منشور سياسي وثقافي وإنساني بكل ما فيها من جماليات وتقنيات، تبرز جودة العاملين والمشتغلين في تنفيذ مقاطعها الشكلية، وتُظهر جودة التصميم والرسم والمعالجة التقنية. تُعطي الفلسطيني والبيوت والأرض حقوقهم في لعب أدوارهم في ناصية المشهد التراثي والنضالي الفلسطيني، كعناصر ومفردات متناسلة من واحة التاريخ والجذور الضاربة في عمق التاريخ والمعاناة المصاحبة لذلك الاغتصاب الصهيوني المجرم.
مفرداتها المتوالدة من رحم الأرض والبداهة الشعبية والأهازيج والأغاني، والصنائع المنزلية المتوارثة عبر الأجيال المتعاقبة. تجد في متنها النسوة في مراحل اشتغالهم اليومي الطبيعي في رفد الحياة الفلسطينية بجمالياتها الموصوفة، وما يحيطهم من أدوات فخارية وجرار، ومهباج القهوة العربية والتمائم والحرز المحافظة عن الأملاك والنفوس، كتقاليد شعبية متبعة، من أجل كف الأذى والحسد وما شابه تلك الحكايات الأسطورية المعاشة. وطاحونة القمح الحجرية والبسط الشعبية وسواها من مفردات تراثية. معنية ايضاً بالفلاح ورقص الحقول وتجلياته في متنها السردي.
وللفدائي الفلسطيني ثمة متسع ومكان لسرد بصري ونفحة تشكيلية. في حلته الوصفية وهيبته ووقاره ويده الممسكة على زناد بندقية وذات حالمة وتواق للعودة للوطن الفلسطيني على طريقتها الخاصة. إما منتصراً وسالماً غانماً، أو شهيداً وأسيرا. محملاً بالأماني والطموحات الكبيرة على طريق العودة التي لا عودة عنها إن طال الزمن أو قصر. يدرجها الفنان ومساعديه في صورة تشكيلية لافته، في سياق معركة افتراضية أو واقعية حدثت في يوميات الزمن الفلسطيني المقاوم. ولا تخفي مسحتها الأيديولوجية وانحيازها إلى حقبة نضالية تعود إلى بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، وانطلاقة شرارة الكفاح الفلسطيني المسلح. والجدارية كما- أسلفنا- هي ترجمة تقنية لمجموعة أفكار صاغها فنانون تشكيليون في لوحاتهم التصويرية، وشهادة جامعة لتكامل الفنون وصنائعه، وهموم الفنانين ومساحة اشتغالهم وتحدد مدى هم بقضيتهم المصيرية فلسطين، ووظيفية الفن في ذلك الأمر بوسائط متعددة التقنيات والأغراض.
بينما نرى للفنان مجموعة من الأعمال الفنية المنفذة بتقنيات مهنية مُغايرة وموزعة ما بين الرسم والحرق على الخشب والجلد أو التصوير الملون، والملصقات السياسية التي تٌعايش الحدث الفلسطيني في يومياته المفتوحة على المقاومة. جميعها تدور حول فكرة واحدة أسمها الحركي فلسطين، ومداها البصري ورؤاها التشكيلية والجمالية محملة وموصولة بكسوتها الشكلية المتوالدة من الاتجاهات الواقعية التعبيرية، والتعبيرية الرمزية، والجودة فيها أنها منتمية من الفها إلى يائها بمسار القضية الفلسطينية ومواضيع الأرض والتراث والإنسان