خيبة أمل كبيرة تعيشها الأقليات العرقية في بورما (مسلمون ومسيحيون) إزاء سلبية رئيسة وزرائهم المنتخبة، أونغ سان سو تشي. وعودها بترسيخ الديموقراطية وتطبيق مبدأ المساوة بين كلّ مكونات المجتمع لم تتحقق، وبدلاً من تحجيم المؤسسة العسكرية، تركت لها أمر حسم الصراعات الإثنية بقوة السلاح، ومنحتها ثلاث وزارات أساسية، إضافة إلى الاحتفاظ بصلاحياتهم القديمة. أما كتابة الدستور الجديد فتركته لهم لتأتي نصوصه متوافقة مع توجهاتهم وتحفظ لهم سلطاتهم، ما يدعو إلى طرح سؤال عن الحاكم الفعلي للبلاد؟
وعلى مستوى الصراعات الإثنية تركت البوذيين القوميين المتشددين يوغلون في اضطهادهم المسلمين من دون رادع، بل على العكس عزلت الهاربين من بطشهم في معسكرات لا يُسمح لهم بالخروج منها، ووفق كلام الشاب برايت إسلام أمام معدّي الوثائقي التلفزيوني «بورما: ألف مشكلة ومشكلة»، فإنهم يعيشون في «غيتو» إجباري، مهددين من الخارج ومنعزلين في الداخل.
وفي الشمال، يعيش المسيحيون هاجس الخوف من مهاجمة وحدات الجيش لهم وإجبارهم على مغادرة بيوتهم وقراهم إلى معسكرات بعيدة منها. كل تلك الخيبات دفعت الوثائقي التلفزيوني «بورما: ألف مشكلة ومشكلة» إلى الذهاب بنفسه ومعاينة أحوال المعزولين في غيتوات هرباً من الظلم والتعسف.
داخل معسكر المسلمين (من شعب الروهينغا) في منطقة راختين، أخذهم الشاب في جولة وأطلعهم على نقاط التفتيش الموجودة داخله، إذ لا يسمح لأحد منهم بعبورها بحجة حرص السلطات على حمايتهم من هجمات «المتشددين»، وقد عبّر لهم عن حزنه بسبب العيش بعيداً من قريته التي أُحرقت بالكامل. فقال: «لا أحد يُفرحه العيش في معسكرات مغلقة لا خدمات فيها ولا حياة. لا حرية يعيشها الشباب هنا ولا حقّ لهم في إكمال دراستهم. وإنه من دون شك جحيم أرضي».
وصف لهم الإبادة العرقية التي يتعرض لها شعب الروهينغا المسلم في مقابل صمت «السيدة»، كما يلقبون رئيسة وزرائهم ـ تحدّث عن جرائم المتطرفين البوذيين بما يتعارض مع تاريخها النضالي، الذي سبق وصولها إلى الحكم، واستحقت عنه جائزة نوبل للسلام. ولكن بعد دخولها المعترك السياسي سكتت عن المذابح وتغاضت عن تدخلات الجيش في ادارة البلاد بذرائع لخّصها سكرتير حزب «الرابطة الوطنية للديموقراطية» في المنطقة المنتمية له بالقول: «كثيرون من الصحافيين الغربيين يأتون إلى هنا، إلى مقاطعة راختين للسؤال عن شعب الروهينغا المسلم وكأننا لا مشكلة لنا سواهم. عندنا اليوم في بورما ألف مشكلة ومشكلة، لهذا أقوم بطردهم حال سماعي سؤالهم».
جوابه شجّع معدي الوثائقي المعروض على قناة التلفزيون السويدي على المضي في تقصّي واقع الأقليات في البلاد بشكل أكبر، فاتجهوا إلى مقاطعة «كاتشين» التي شهدت أطول حرب أهلية بين المسيحيين المطالبين بالحكم الذاتي والجيش. تلزم الحكومة البورمية الصمت إزاء هذا الجانب من الصراع بين المسلحين المسيحيين والجيش ولا تقر بفشلها في حلّ المشكلة العرقية هناك.
الناشطة المدنية كون يا عبرت عن سخطها من سياسة «السيدة» قائلة: «خلال عمري كله لم أرَ وضعاً يعيشه أبناء المنطقة كما يعيشونه الآن. صحيح أن الحرب الأهلية كانت موجودة قبل تسلمها إدارة البلاد لكنّ الصراع المسلّح اليوم هو الأسوأ على الإطلاق. قُتل الآلاف ويعيش منذ عام 2011 أكثر من 130 ألف إنسان في معسكرات مغلقة». تصف سيدة اسمها كون يان حياتها مع أطفالها بالجحيم فتقول: «بعدما قتل الجنود زوجي وقطعوا أوصاله اضطررت للهرب، ومنذ وصولي إلى المعسكر لم يفارقني الخوف والرعب من احتمال مجيء الجنود ليلاً إلينا لتصفيتنا كما فعلوا من قبل مع رجالنا». خيبة الأمل عامة وتجربة الموسيقار المعارض للعسكرة داركو سي تجليها بوضوح: «قاومت بأغنياتي الديكتاتورية وابتهجت لنهايتها لكنني للأسف لا أرى تغييراً حقيقياً يجري في عهد «السيدة» ولهذا أشعر بالإحباط. ولأني معارض سلمي فأنا اليوم أرفع صوت موسيقاي عالياً ضد صمتها وأطالبها برفع صوتها في وجه المتطرفين البوذيين وجنرالات الجيش».
يعود الوثائقي إلى المعسكرات مركزاً على انعدام المدارس فيها وكيف أنّ منظمات تطوعية عملت على إنشاء مؤسسات التربوية، لكنّ الحكومة لا تعترف بها وتحرم خريجيها من الدخول إلى الجامعات. ومع ذلك، فإنها لا تعترف بحرمان سكانها من أبسط حقوقهم فيما المتشددون البوذيون أحرار وقيادة الجيش تقيم في مدينة خاصة خالية من البشر من داخلها، يوجهون التعليمات فقط لجواسيسهم بغية مراقبة أي نشاط «غير شرعي» يضر بالحكومة «الديموقراطية».