من حكايا سورية والسوريين
حكاية الفخار
أول وأقدم حرفة بالتاريخ
من التراب اللي بيتحول بإيد ودوﻻب الفاخوري لدهب
للتراب اللي بيحكي تاريخ أرض وشعب وبلد
حكايتي اليوم صارت من 5000 سنة ق.م بتل حلف (جنوب راس العين السورية) والحلفاوية كانو حرفيين مهرة بصنعة الفخار..اخترعوا ثقافة مهمة أثرت بتطوير هالحرفة وعطتها قفزة نوعية لﻷمام..بتستند هالثقافة عا فكرتين : الأولى استخدامهم للفرن المغلق لشي اﻵنية الفخارية الملونة (باﻷحمر واﻷسود والبني) ساعد على تجنيب اﻵواني البقع الناتجة عن مﻻمسة اللهب والدخان والكربون الناتج عن اﻹحتراق..باﻹضافة لرفع درجة حرارة الشي اللي ساعد على إظهار ألوانها الزاهية اللامعة..وهالشيء أدى لشهرتها بكل مناطق سوريا الطبيعية..والفكرة التانية هي استخدامهن لعملية التزجيج (الطلي الزجاجي_القيشاني) .بتقول الحكاية :
…كان في مجموعة من الصناع بتل حلف حبوا يقلدو الطبيعة و يجربوا يصنعوا حجر الﻻزورد اﻷزرق الغامق بسطحو الﻻمع والنادر الوجود والمطلوب جدا..(متل العادة حال السوري المبدع المبتكر..اذا مافي ﻻزورد بالطبيعة ..بيحاول يخلقوا ويصنعوا ) ..قاموا هالمجموعة بقص ونحت وتقطيع الكتل الحجرية بمقاسات صغيرة جدا وبسطوح ملساء وناعمة وحطوها بالفرن المغلق (اللي اخترعوه) وكان فيه بعض القطع الفخارية الجاهزة للشي ..ورشوا عالقطع مسحوق غباري من (اﻹثمد) و(أوكسيد النحاس) وشووها بدرجة حرارة عالية جدا..وتحولت المساحيق الغبارية من طبيعتها الغير متماسكة وشكلت طبقة زجاجية خضرا ورقيقة ..شفافة وﻻمعة..وبعد الشي اكتشفوا هالصناع انهن فشلو بخلق وصنع الﻻزورد..لكن!!!!..اكتشفوا شيء جديد انو قطع الفخار اللي اتعرضت لعملية التزجيج اتحولت لنوع جديد من الفخار المزجج الخزفي الجميل…وقطع الﻻزورد الفاشلة صارت حجر اﻷساس ﻹبتكار فكرة الفسيفساء فاستعملوها برسم وتركيب اللوحات الفسيفسائية عاﻷرضيات والجدران وزينوا فيها واجهات المعابد والقصور والبوابات…(موجود مئات اللوحات الفسيفسائية بكل المناطق اﻷثرية السورية القديمة) وهالمحاولة اللي ما كانت اﻷولى ﻹكتشاف تقانة التزجيج سببت شهرة واسعة لﻵواني الحلفاوية المصنعة يدويا..وكان هالشي حافز كبير دفع الصناع للتنافس والعمل على تطوير وابتكار تقانات انتاجية جديدة..فصاروا ينقوا التربة اﻷنسب للصناعة ويحضروها بدقة ﻹبعاد الشوائب واﻷجسام الغريبة عنها وبعدين التصنيع الدقيق والمتقن لﻵنية الحلفاوية اللي اتميزت برقتها ونعومة ملمسها ورشاقة أجسامها وتناسق انحناءاتها وتحدباتها السطحية وزادوا تشكيﻻتها الزخرفية بخطوط مستقيمة ومتعرجة ومتكسرة ومعينات ومثلثات وأضافوا طابعهم الخاص فيهم من خﻻل تشكيﻻت زخرفية مطعمة بالصدف وتشكيﻻت رمزية لﻹله حدد (الفأس المزدوج ذو الحدين ..فأس حدد)..وطبعا إشارة الصليب المعقوف ومشاهد من البيئة المحيطة والمتمثلة بالورود والطيور والحيوانات وخاصة الثور المقدس ..واتميزت أواني تل حلف بألوانها ورسوماتها باﻹضافة ﻹستخدام تقانة الطلي الزجاجي ..واﻹقبال الشديد عليها دفع الصناع لصناعة دمى فخارية نسائية بتمثل اﻵلهة اﻷم (ربة الخصوبة) ولشدة فخرهن بصنعة اﻵواني ..ذكروها بصﻻتهن لﻹله حدد: تحذير للي بيتعدى عاﻵنية
الحلفاوية… بيقولوا بمقطع منها :
من يلدا اشمي من مايا آنية….من يجرؤ على محو اسمي عن آنية الماء
زيبار اد حدد موراه …بمعبد موﻻي حدد
…و هيك اتصنع الفخار الممتاز الملون بتل حلف اللي نتج عن تعلم الصناع كيفية التحكم بشدة نيران الفرن ودرجات حرارته..فطوروا الصنعة بشكل ملحوظ باستخدامن عملية التزجيج..فكان صناعة الخزف واﻷواني الفخارية والتماثيل وقطع الفسيفساء موجودة من اﻷلف الخامس ق.م…
من هالحكاية اكتشفوا علماء اﻵثار وجود العديد من المصانع الكبيرة أو (مراكز..مشاغل) لتصنيع الفخار ومنتجاته بكتير من مناطق (سوريا سرجون) وأشهرها بشرق الفرات ..ببابل وأور اللي اتميزوا باﻹنتاج الجيد والسريع بعد اكتشاف العجلة السريعة ..وكمان استخدموا تقنية التزجيج بواسطة أوكسيد الرصاص الشفاف اللون والﻻمع ونفذوها على قطع الطوب واﻷلواح الحجرية المستخدمة بتزيين مداخل وجدران وبوابات القصور والمعابد وعمموها بعدين لتشمل اﻵنية الفخارية ..(شاهدنا العظيم سور بابل ..شارع المواكب وبواباته وخاصة بوابة عشتار المبنية من الطوب المصقول الملون باﻷزرق…والمنقوش برسومات لحيوانات وزخارف ملونة باﻷحمر واﻷصفر واﻷبيض..كان اسم شارع الموكب اللي بيبدأ ببوابة عشتار من الجنوب..”عشتار ﻻماسو..أو مياشو” يعني” عشتار حامية جيوشنا”..والقسم الشمالي من الشارع اللي بيربطو بزقورة بابل ومعبد مردوخ بجسر اسمو “جسر بور شابو” ويعني ” لن يمر اﻷعداء” .. هاد اللي حبيت احكيه عن بوابة عشتار الموجودة ببرلين بألمانيا…
_بتل العبيدي جنوب العراق كان في مركز لصناعة الطوب (الطابوق) والطوب المشوي (اﻵجر) المستخدم ﻷعمال البناء باﻹضافة للفخار المشوي
_بسامراء اشنهر الفخار السامرائي 5000 ق.م…
_بأور ..كيش..تل أسمر..مراكز لصنع الفخار اﻷحمر الغامق والبني وكان التصنيع يتم على العجلة السريعة واتميز فخارها وطوبها باسم( الفخار القرمزي) واشتهرت زقورة أور نبو (2100 ق.م) المخصصة لعبادة اﻹله القمر نانا والمبنية بالطوب اﻷحمر..
_بالرقة (كالنيقا العروس) اشتهر الفخار الخزفي اﻷزرق (2500 ق.م)
_تل العشارنة عا نهر العاصي (تابع لمملكة حماة اﻵرامية) محاط بسور من الطوب (اللبن)..
_الفخار المعدني والمزجج ..والقصور الملكية المبنية باللبن الطابوق..اشتهرت بإيبﻻ (تل مرديخ) وماري (تل الحريري) باﻹضافة للمكتبات الضخمة للرقيمات (4500 ق.م)
_مملكة قطنا..بتل المشرفة وجدت ورشة لتصنيع كافة منتجات الفخار ..تعد من أكمل وأكبر منشأة تصنيع وبكميات كبيرة بسوريا ( 2500 ق.م) كانت منظمة ومقسمة لقطاعات متخصصة وظيفيا لجميع مراحل اﻹنتاج من تحضير الغضار بأحواض كبيرة للترسيب ..لعجنه بأحواض مزودة بالماء بواسطة شبكة قنوات كثيفة تحت اﻷرض ..لمرحلة التشكيل على عجلة تصنيع الفخار ..لتجفيفه على سطوح كبيرة مخصصة للتجفيف..لشيه بأفران مختلفة اﻷحجام واﻷشكال..واخيرا لعملية تخزينه قبل ترحيله لكل المناطق السورية…
منرجع لحكاية الفخار…
من 8000 سنة ق.م وبعد اكتشاف الزراعةبدأت حاجات اﻹنسان تزيد وبدأت الحرف بالظهور..واتوصل اﻹنسان لصنع الفخاربعد تجارب عديدة فكان يصنع أوعية وأواني من الحجر ومن أغصان الشجر وعيدان النباتات اللينة بعدين اكتشف انو مادة الطين بتنفع بسد القوب اللي بتنشأ من حبك هالمواد..فدهن أوعيته وآوانيه من برا ومن جوا بالطين…فصارت أكتر متانة وبالصدفة انحرقت هاﻷواني وانشوت بالنار فتحول الطين لفخار وﻻحظ انو متانة الفخار بالنسبة للطين المجفف اللي كان يشكله ويقولبه باﻹيدين ويجففوا بالشمس ..وصار يستخدم الفخار عانطاق واسع…من اﻷلف السابع لﻷلف السادس اتميز هالعصر باختراع الفخار واستخدامه..وصنعة الفخار تعتبر من أهم ممارسات اﻹنسان العملية فاستخدم الطين بالبناء وصنع اﻷواني..(بسهل المريبط عالضفة اليسرى للفرات وجد أقدم منزل قدر عمره ب 7900 ق.م..مبني من اللبن ووجد فيه موقد وبعض اﻷدوات الحجرية).. توفر المادة الخام (الطين) بجميع البيئات خلت اﻹنسان يستخدمها ويحولها لفخار بالشي رغم انو كان مادة قابلة للكسر بسهولة وقابلة للتطورفيمكن تعقبها عبر العصور وبتسلسل زمني تقريبي ﻷنها كانت شاهدة عالحياة اليومية لﻹنسان وشاهد على حضارات أمم العالم..لهيك اعتمد العلماء على دراسة خصائصها فتعرفوا عا مختلف الحضارات وأهمية الفخار بترجع ﻹستخدامه بتأريخ المواقع اﻷثرية وما ممكن الطعن فيها ﻷنها بتبقى مع الزمن فما بتفنى ولا بتتلف وﻻ بتتعفن..وعن طريق دراستها بأشكالها والمادة المصنوعة منها و معالجة سطح القطعة وطريقة التصنيع والبيئة المحيطة فيها منحصل عا حقائق تاريخية ﻻ يمكن تزويرها…وهادا هو التراب اللي بيحكي عن تاريخ الأرض والشعب… وطبعا بدأ العلماء بالكشف عن الكنوز واللقى اﻷثرية اللي بتوثق حقيقة الحضارة السورية الموثقة والمدونة على آﻻف آﻻف الرقيمات واﻷلواح اللي شكلت اﻹرث الحقيقي لحضارتنا من أكتر من 5000ق.م و الموجودة بمكتبات خاصة بالقصور بكل الممالك السورية القديمة..وفكرة اختراع الرقيمات واﻷلواح الطينية للكتابة والتدوين هي فكرة متفردة فيها حضارتنا السورية وعاﻷغلب مانا موجودة بأي حضارة تانية كطريقة للتدوين…وحافظت هالرقيمات التاريخية بالعراق وبﻻد الشام على حالها عبر آﻻف السنين..(ومكتبة آشور بانيبال كانت تحتوي على 30 ألف لوح من الطين مصنفة ومفهرسة..ول ديورانت) وأشهر الرقيمات التاريخية طبعا رقيم أبجدية أوغاريت رأس شمرا ..ورقيم السلم الموسيقي وأنشودة العبادة اﻷوغاريتية…
ومن المنتجات الطينية الفخارية الهامة :
_اللبن أو الطوب ..الطابوق..وكان من مظاهر التطور المعماري ببﻻدنا وهو عبارة عن تراب رملي أو طيني ممزوج بالقش (قشور سنابل القمح) ويقطع ضمن قوالب بشكل منتظم ويجفف بالشمس اسمه بالسومرية( سيغ) وباﻷكادية (لبنتوم) وكان في نوع من اللين المشوي (اﻵجر) اكثر متانة وصﻻبة واستخدم اللبن بأنواعه لتشييد المباني التاريخية واﻷبراج والزقورات والبيوت والمعابد…
_تنور الطين لصنع الخبز: اسمه (تنورو) ..وهو تجويف كبير من الطين مجفف بالشمس..
_المسارج الفخارية (سراج): هو عبارة عن اناء صغير الو فتحة بنهايته فيها فتيل وكان يستخدم زيت السمسم و زيت الزيتون وزيت الحجر (النفط) كوقود للمسارج
_اﻷنابيب الفخارية (القساطل) : لنقل وجر مياه الشرب للبيوت من ﻷقنية اللي كان بعضها من الفخار..وقساطل للصرف الصحي..كانت تصنع من عجينة تراب احمر بتنخلط بالماء وبيتركوها تتخمر وبعدين بيصنعوا الأنابيب و بيجففوها بالشمس وبيشووها بالأفران وطبعا بأشكال وأحجام مختلفة.. واستخدمت هالتقنية فيما بعد بالحمامات التقليدية اللي انتشرت بكل المناطق..
والشي الجميل والمميز لحضارتنا متل الرقيمات والمكتبات كان اختراع اﻷختام المصنوعة من عدة مواد من بينها الفخار واللي كانت بمثابة الهوية الشخصية لكل سوري…
باﻹضافة للمنتجات الأساسية اﻷولية اﻷواني واﻷوعية للإستعمال اليومي وللتخزين..الكؤوس والطاسات والصحون والجرار ..الخوابي..والدنان الكبيرة لتخزين الزيت والحبوب..والخرز المزجج والفخاري وأواني الطبخ الطناجر الفخارية ومقلي الفخاراللي لهﻷ منستعملو ومنﻻقي لﻷكل فيه طعم مختلف و طيب…طبعا كل هالمنتجات بأشكال وأحجام وألوان وزخارف متنوعة ومختلفة…
وهيك متل مو شايفين ارتبط الطين بالفكر السوري بمراحل بدائية (اسطورة الخلق والتكوين اﻹينوما إيليش)
فأبدع وابتكر منتجات رائعة واخترع حرفة جديدة غير الصيد والزراعة وهي حرفة تصنيع الطين والفخار كأقدم وأول حرفة بالتاريخ… وهاد هو اﻹنسان السوري اللي بيمسك التراب بإيدو وبيجبلو بعرقو وابداعو وبيحولوا لدهب..
هاﻹبداع واﻹبتكار لمجموعة من اختراعات السوريين اللي طلعت من حرفة الطين و الفخار كانت أساس ﻹنطﻻق ابداعات كتيرة لحرف وصناعات انتشرت بكل سوريا الطبيعيةواللي كان الها أثر كبير ببناء الحضارة السورية العظيمة..
لسه عندي إيمان عظيم وثقة كبيرة باﻹبداع السوري عند كل السوريين اللي رح يبنوا سوريا بجهدن وعرقهن وفكرن الجميل وقدرتن على اﻹبداع والخلق…لتحيا سوريتنا من جديد …
وتحيا سوريا..