نهار السادس والعشرين من مايو/ أيار 2017م كانت مدينة تعز اليمنية تتوشح الحزن، والغصة تخنق صحفيو اليمن.. عينان للحقيقة تغادران للحاق بسابقين ركضوا كثيرا وهم يحاولون أن يقولوا للعالم: “انظروا ماذا تفعل مليشيا القتل والإجرام بتعز وناسها المدنيين؟!”..
لم يكن يوما عاديا في تاريخ الصحافة اليمنية التي تشهد أسوأ الظروف على الإطلاق، كما هو في حياة صحفيي البلد الذي يضيق هامش حرياتهم يوماً بعد يوم على وقع تصاعد حدة الانتهاكات التي تهدد حياتهم.. أن يُقتل ثلاثة صحافيين ويجرح اثنان آخران في يوم واحد، مسألة مفزعة بلا شك.
لكنها عيون تعزية وضعت عدساتها على تخوم القتلة فسقطت وهي توثق سيرة موت يومي يُصلي مدينة، تكافح للبقاء على قيد الحياة بكرامة، حد توصيف الصحفي عبد العزيز المجيدي.. ومن قال أن الحرية بلا مهر؟.
سيظل صحفيو اليمن يتذكرون يوم السادس والعشرين من مايو، كيوم حزين ومأساوي، ومعه سيستحضرون صور مقتل ثلاثة صحفيين وإصابة اثنان آخران، إثر قذيفة هاون أطلقتها ميليشيا الحوثي والمخلوع علي صالح سقطت على مجموعة مراسلين صحفيين أثناء تغطيتهم للمعارك قرب معسكر التشريفات شرقي مدينة تعز.
لقد قتل المصوران الصحفيان: وائل العبسي وتقي الدين الحذيفي والناشط الإعلامي سعد النظاري، وأصيب وليد القدسي الذي بترت رجله اليسرى، وصلاح الدين الوهباني بكسر في يده اليمنى.
يؤكد، الكاتب اليمني خالد الرويشان، أنه في العالم كله ومنذ سبعين عامًا لم يحدث أن قُتل ثلاثة صحافيين مصوّرين في لحظة غدر واحدة كما حدث في تعز؛ ووحدهم الانقلابيون فعلوها في تعز، من بين كل مجرمي العالم وفي كل حروب الدنيا، يغتالون الكاميرات، يقنصون المصوّرين وهم يحملون كاميراتهم عيانًا”.
يومًا بعد آخر، تزداد حدّة المخاطر أمام الصحافيين اليمنيين وتتحوّل بيئتهم الصحافية إلى بيئة غير آمنة وغير صالحة للاستمرار في العمل، فهناك من غادر هذه البيئة إلى خارج البلاد وبعضهم إلى مناطق ومدن يمنية بعيدة عن المخاطر نوعا ما، في حين أن جزءاً آخر من الصحافيين لم يتمكّن من ذلك ولم تسمح لهم الظروف، وأجبروا على البقاء بشكل أو بآخر.
وتشهد الحريات الإعلامية أحد أسوأ الظروف على الاطلاق، وذلك تعبير واضح عن تهديم مستمر لقيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان في اليمن.
ويضيق هامش الحريات الإعلامية يوميا، حيث تتصاعد حدة الانتهاكات المتعددة كالقتل واختطاف وتعذيب للصحفيين، حيث صنفت اليمن كأسوأ البلدان العالمية انتهاكا للصحفيين، واحتلت جماعة الحوثي ثاني جماعة في العالم تهدد حياة الصحفيين بعد تنظيم داعش.
وشهد الوسط الصحفي في اليمن سابقة خطيرة، حيث تم الحكم بإعدام الصحفي المخضرم يحيى الجبيحي بسبب آرائه وكتاباته التي تندرج تحت حرية التعبير التي كفلتها لهم القوانين والمواثيق الدولية، وآخرون يتعرضون للتعذيب الشديد حتى فقد البعض منهم سمعة وآخر أصبح مقعدا لا يستطيع الحركة بسبب شدة التعذيب.
مرصد الحريات الإعلامية في اليمن رصد 913 انتهاك ضد إعلاميين ومؤسسات إعلامية من العام 2015 وحتى أبريل 2017.
وكان النصيب الأكبر من الانتهاكات مارستها جماعة الحوثي ضد صحفيين وإعلاميين مناهضين لأفكارها..
ولم تقتصر الانتهاكات من قبل جماعة الحوثي ضد الصحفيين أنفسهم فأسرهم لم تسلم أيضا من الانتهاكات، فقد أقدم مسلحون حوثيون على اختطاف والد الصحفي علي جعبور بمحافظة حجة، ووالد الصحفي أحمد النعيمي بمحافظة الحديدة، واختطاف نجل الصحفي يحيى الجبيحي بمحافظة صنعاء، وتهديد ومضايقة أسرة الصحفي محمد العبسي الذي قتل مسموما بصورة غامضة عقب نشره قضايا فساد في النفط، وغيرهم الكثير.
وبالمقابل فقد تم رصد العديد من الانتهاكات ضد الإعلاميين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ومن قبل بعض الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة
كما أن الانتهاكات التي تمارس في اليمن بحق الصحفيين والوسائل الإعلامية المختلفة تمر دون حساب وعقاب للجهات المنتهكة، إذ ما يزال 19 صحفي يقبعون في سجون الحوثي والقاعدة ويتعرض البعض منهم لشتى أنواع التعذيب.