بدأ مقهى “الفيشاوي”، ببوفيه صغير أنشأه الحاج فهمي علي الفيشاوي عام 1797 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان «الخليلي» من المصريين والسياح، واستطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ويحولها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات.
أولى غرف المقهى غرفة «الباسفور» وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وهي مليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك أسرة محمد علي، في رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
وثاني الغرف أطلق عليها «التحفة» وهي اسم على مسمى، وهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
أما أغرب الحجرات فهي حجرة «القافية»، وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.
اكتسب مقهى الفيشاوي جزءاً من شهرته من أديب الوطن العربي – نجيب محفوظ- الذي بدأ فيها مسيرته الأدبية كما سجل في مذكراته، فقد أعتاد أن يجلس وحيداً في أحد أركان المقهى يتأمل، أمامه كوب الشاي الأخضر الذي يحتسيه وبيده القلم، فقد أدرك أن مهد الفكرة ومنشأها هناك، ونصوص محفوظ الروائية مليئة بالأقاصيص عن عالم المقاهي التى استلهمها من إحدى أركان مقهى الفيشاوى، الذي أصبح مسرح العديد من روائعه الأدبية كالثلاثية وزقاق المدق وخان الخليلي، إضافة إلى الأعمال التى استحقت فيما بعد نيل جائزة نوبل للآداب.
صور كثيرة تحتفظ بمشاهير الفنانين والشخصيات البارزة فى المجتمع وهم يجلسون على “قهوة الفيشاوي”، من أشهرهم جمال الدين الأفغاني أحد أعلام الفكر الإسلامي، والشيخ محمد عبده، والرئيس الجزائري بوتفليقة، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وعمرو موسى الذي اصطحب معه عددًا من وزراء الخارجية العرب.
كما استضافت حوارًا خاصًّا للدكتور بطرس غالي الأمين الأسبق للأمم المتحدة مع التليفزيون الفرنسي، وكان يتردد عليها العالم الكبير أحمد زويل أثناء تواجده بمصر لتناول الشاي الأخضر، ومن قبله أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وسميحة أيوب وغالبية نجوم الفن.
يقول الحاج أكرم الفيشاوي الذي يدير المقهى وهو من الجيل السابع من الأحفاد، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، : “إن مقهى الفيشاوى محبب للكثير من المصريين خاصة فى شهر رمضان فمنهم من يعزف على العود و الكمان مستمتعاً بالجو والمكان التراثي الأصيل.”
ويضيف الفيشاوي أن المقهى يبدأ في الازدحام بعد الإفطار مباشرة وحتى السحور، حيث يستمتع رواده بروح المكان، الذي تخطت شهرته مصر والوطن العربي، رغم من انتشار الكثير من المقاهي المتاخمة لمسجد الحسين، حيث يقف الكثيرون انتظاراً لدورهم.”
ويشير الفيشاوي إلى أن “الكثير من الشخصيات المشهورة قامت بزيارة المقهى ومن بينهم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالى والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسي والشاعر الراحل أحمد رامي والكاتب و الروائي العالمي الراحل نجيب محفوظ والذي كتب الثلاثية بالمقهى، بالإضافة إلى العديد من الأدباء والفنانين و الرؤوساء والوزراء.”
رغم تقليص مساحة مقهى الفيشاوي وتغير بعض ملامحه، فلا زال يشكل مقصدا لكل فئات المجتمع المصري من الذكور والإناث من مختلف الأعمار. كما يقصده السياح العرب والأجانب لمعايشة جانب من أجواء الحياة الشرقية الأصيلة.
كما لازال مقهى الفيشاوي يشكل مزارا لبعض الأسماء الوازنة في مجال لإبداع الأدبي المصري والعربي، في مقدمتهم الروائي الكبير جمال الغيطاني الذي يعد واحدا من المرتادين الأوفياء لهذا المقهى.