لوغو ألماني بائس
تفتخر الإذاعة الدولية لألمانيا «دوتشيه فيلله» بتعميد 178 ألف لاجئ، كاتب ومخرج مهم في مسرح الطفل السوري يهاجر من بلاده هرباً من راتب الـ 30 ألف ليرة في الشهر، يقع لاحقاً ضحية المنافسة غير المتكافئة في مسرح الطفل الألماني ويصاب بأزمة نفسية، «سوريون» لمع نجمهم في الإعلام الألماني، وأخيراً ولادة ما يسمى بالصحافة السورية في ألمانيا، والسينما السورية الألمانية التي حشدت ممثلي الثقافة الطارئة المنفصلة عن الناس، مع إعطائهم بعض الامتيازات الكرتونية.
ما الذي يجمع القصص أعلاه مع بعضها في خيوط متشابكة؟ إنها ببساطة قصص الإغتراب النفسي والاجتماعي وأزمة الهوية من جهة، ووقائع من الاستثمار السياسي – الثقافي ألمانياً للاجئين بشكل عام والسوريين بشكل خاص.
خلف ذلك تختبئ كيفية بناء الثقافة في أوروبا الغربية، ويتعرى جوهر مقاييسها التي سينتصب مئات المتحمسين لأجلها ليقولوا: العدالة، حرية الفرد، ألوان الإنسانية المختلفة، الجهد الشخصي والعلاقات التي تقهر البيروقراطية، العمل الحر، المساواة الجنسية، وغير ذلك من الشعارات والرموز اللفظية.
تعليم حديث يشعرك بانعدام العنف والقمع والعنصرية، تحاصرك هذه الثلاثية بشكل لطيف، بينما يعيشها الجميع صامتين، قمع المنظومة وعنف القوانين وعنصرية التفوق العرقي وعبودية بطاقة اللاجئ والعمل في السوق السوداء وكل ما من شأنه أن يجعل من الاغتراب متضخماً بشكل مرعب، وهنا لا نقارن بين الاغتراب الصغير في الوطن الأم والاغتراب الكبير في بلدان اللجوء، فكلاهما اغتراب ولكل منهما ظروف تولده لا تتشابه مع الثاني.
لا تنخدعوا بكل ما يقال في الإعلام الألماني عن حب المكدوس السوري، وكفاءة مئات الأطباء السوريين فتشعرون فجأة بتضخم الذات المؤقت، كنتم تعيشون في فراغ صغير، أصبحتم تعيشون في فراغ كبير، الاغتراب وهذه المأساة وآلامها وعنف القوانين الحديثة هي كل ما بقي لكم من خيارات بائسة تسمح لكم المنظومة بالاختيار بين البائس والبائس لا أكثر، فتصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الاختيار بحرية وحق العمل بكرامة رماداً، كما يصبح الكلام المعسول بداية سماً ذا مرارة في النهاية.
بعيداً عن ديناصورات الثقافة الطارئة، أسألوا ذاك الشاب السوري البسيط الطيب المجهول الذي عاد إلى بلاده، سينقل لكم صورة أوروبا الحقيقية ويحدثكم عن اللوغو الألماني البائس.