“جرجي بيطـار”.. براءة اختراع “الموزاييك”
السبت 10 أيار 2014
الشام القديمة
خرجت حرفة “الموزاييك” الشامي من حارته في “باب توما”، لتصل أعماله إلى أغلب دول العالم حتى دخلت مقر الأمم المتحدة، نذر نفسه وحرفته لعمل الخير…
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 3 أيار 2014 الباحث بالتراث والمهن السورية “محمد الفياض” الذي تحدث عن الموزاييكي “جرجي بيطار”، ويقول: «ظهر “الموزاييك” أو فن تطعيم الخشب على يد الفنان “جرجي بيطار” كحرفة تعتمد على عيدان خشبية تجميعية بأطوال موحدة، لتشكل في النهاية زخارف هندسية خشبية متنوعة الأشكال منها المثلث والمربع والمسدس، فقد استطاع “بيطار” أن يحاكي المادة الساكنة إلى فن خلاق، وأضاف حرفة رائعة تختص بها “سورية”».
ويشير إلى أن “بيطار” جاء بمفردات جديدة وأعطاها قيمة جمالية جديدة من خلال إدخال نسيج جديد من الأشجار، وكان دقيق الملاحظة فعرف ألوان الأشجار، كخشب الجوز الذي يتمتع باللون البني والليمون بالأصفر والكينا بالأحمر والزيتون بالأخضر.
ويضيف: «إنّ محاكاة المادّة الساكنة بفعل روحي خالص وذهني مفتوح على واحة من الجَمال الزخرفي والتشكيل الهندسي، جعله يبدع في هذه الحرفة وليصبح الموزاييك “السوري” السفير الذي سبق السياسيين إلى معظم دول العالم، ليخلق “بيطار” الإيحاء الذاتي ويدمجـه بالعمل اليدوي والمتعة الحرفية والتقنية بصيغة مركّبة تتداخل فيها العناصر اللونية والصدفية البيضاء والخشب المطعّم والسطوح الملساء المصقولة،
الباحث محمد الفياض |
ونزهـة إلى عـالم النجوم وتشكيلاته المعقّـدة في مساحات انتظمت فيها الخطوط والأبعاد».
ويتابع: «توجه “بيطار” إلى “روما” عام 1908م حاملاً معه الخزانة المهداة إلى البابا “بيوس” العاشر لتكون أعظم وأجمل هدية في “الفاتيكان”، كما أهدى طاولة من الخشب المطعم بالصدف والموزاييك لمقر الأمم المتحدة، ويقال: إن القرار 2424 تم توقيعه على هذه الطاولة».
وعن بداية اكتشاف “بيطار” لهذه الموهبة تحدث رئيس اتحاد الحرفيين “فؤاد عربش” بالقول: «في عام 1860م كان في باحة الدير شجرة ليمون يابسة، فقام “بيطار” بقطعها وفحص لون قلبها، فوجده أصفر، ثم نشرها قطعاً صغيرة ونزع قشورها، وحفر لوحاً من الجوز الغامق اللون ونزّل فيه قطع الليمون فجاءت جميلة الالتئام، فصنع من لب الليمون عروقاً وزهوراً بأشكال هندسية دقيقة تشبه التخريم».
ويوضح “عربش” أن كلمة “موزاييك” تطلق على العمل الفني ذي الشكل المتماسك أو الرسم المصنوع من مكعبات صغيرة الحجم، جمعت مع بعضها بعضاً لتعطي شكلاً مسطحاً أو ثلاثي الأبعاد بزخارف متعددة، وما ميز الموزاييك الشامي الأخشاب المتعددة الموجودة في غوطتها لأن لكل خشبة لونها وشكلها.
ويضيف: «أول
طاولة موزاييك عمل جرجي بيطار |
عمل قام به “بيطار” وهو في التاسعة عشرة من عمره؛ وذلك بإصلاحات في دير “الفرنسيسكان” في “باب توما” وخزانة للدير وباب لإحدى قاعاته، ناهيك عن أشغاله في بعض البيوت الدمشقية الغنية ذات الهندسة العربية الأصيلة، وفي عام 1895م استدعاه “سعيد باشا” والي “دمشق” وطلب منه هدية نفيسة من “الموزاييك” للسلطان “عبد الحميد” بمناسبة المعرض الصناعي في “اسطنبول” وكلفه بنقلها إلى هناك، وتألفت الهدية من خمسين قطعة من خزائن ومكاتب وطقم كراسي كامل، وكان لهذه الهدية تقدير عظيم من السلطان فأنعم عليه بوسام المجيدي الخامس وميدالية الافتخار الفضية وهي بمنزلة براءة اختراع الآن، فأضحى “موزايقجي الحضرة الشاهانية”».
أما “أحلام الترك” معاون مدير التراث الشعبي فتشير إلى أن “الموزاييك” فن خاص وحرفة مميزة ولدت على يد ابن الحارة “الجوانية” في حي “باب توما” بـ”دمشق” “جرجي جبرائيل بيطار”، حيث حاول والده أن يعلمه صنعة البيطرة حرفة الأجداد (بيطار باشي)، ولكنه أنِسَ من ابنه ميلاً فطرياً إلى النجارة فكان يذهب إلى سوق النجارين ويبتاع عدد نجارة عتيقة لإصلاح الأبواب والشبابيك، ولما تحقق والده من نجاح
جرجي أثناء العمل |
ابنه الباهر في تلك الصنعة الجديدة، فتح له قبل سنة 1859م حانوتاً صغيراً في الحارة الجوانية.
وتضيف: «تخرج في مدرسة “البيطار” عدد كبير من الحرفيين اللذين أبدعوا بهذا الفن الدمشقي الأصيل، ففتحوا حوانيت وورشات وعلموا ودربوا عشرات الحرفيين في هذه الصناعة الدمشقية، وعُرِف عن “جرجي بيطار” بأنه خادم الفقراء؛ إذ نذر نفسه وحرفته لعمل الخير والإحسان كلما وجد لذلك سبيلاً».