محمود حماد”.. من “معلولا” إلى “وسام الجمهورية”
الجمعة 19 أيلول 2014
دمشق – العدوي
عبر عشرات المعارض الفردية والجماعية المحلية والعالمية، استطاع -“بفرح الابتكار” و”النبض البكر الذي لا تنهكه كهولة التجربة”ـ أن يقدم رؤية فنية عالمية متشربة روح البيئة السورية، عمل في أنواع شتى من الفنون الإبداعية ونجح فيها كلها.
الفنان الراحل “محمود بن أمين حماد” (1923-1988) من فناني جيل الرواد في “سورية”، ولد في “دمشق” وتوفي فيها بعد مسيرة عطاء حفلت بكل أنواع التميز، فقد كان فناناً متعدد المواهب، عمل في الرسم والتصوير وتصميم الميداليات والنصب التذكارية، إلى ذلك بقي ملاصقاً لأحدث تغيرات الفنون التشكيلية في العالم دون أن يخرج بذلك عن علاقته المميزة مع البيئة المحلية، وتجلى ذلك في لوحاته عبر مراحله الفنية كلها.
في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 14 أيلول 2014، تحدثت ابنته “لبنى” قائلةً: «تميز والدي مبكراً بإجادة الرسم والتلوين، سافر إلى “إيطاليا” وهو بعد يافع للاطلاع على الفن ودراسته، واضطرته ظروف الحرب العالمية الثانية للعودة إلى الوطن، فكان أول معرض له أواخر سنة 1939 في إحدى قاعات معهد الحقوق بـ”دمشق”، وفي تلك الحقبة التقى الفنان “نصير شورى” (1920-1992)، واشتركا عام 1940 بتأسيس مرسم “فيرونيز” في إحدى حارات شارع “العابد” بدمشق مع عدد من رواد الفن التشكيلي في البلد».
تضيف السيدة “لبنى” قائلة: «شارك مع الفنان “شورى” بتأسيس “الجمعية السورية للفنون”، إضافة إلى إقامتهما معاً عدة معارض مشتركة منها معرضهما في نادي “السعد” في “حلب” عام 1951، ومن لوحاته المميزة في ذلك المعرض لوحتا “قارئة الفنجان”، و”أمير البزق”».
يتحدث أكثر عن الفنان الراحل الفنان “إلياس الزيات”، فيقول: “شارك في معرض الخريف الأول في متحف “دمشق” سنة 1950، ونال الجائزة الأولى على لوحته “معلولا”، وشارك في معارض الخريف المتوالية. وفي عام 1953، أقام معرضاً فردياً في مقر الجمعية السورية للفنون، وفي العام نفسه أوفد إلى “روما” لدراسة فن التصوير الزيتي، فدرس فن التصوير الجداري والحفر
كتابة عربية 1956 |
وفن الميداليات، وشارك إبان إقامته هناك في العديد من المعارض وحصد عدداً من الميداليات والجوائز، وفي “روما” توطدت علاقته بالفنان “أدهم إسماعيل” (1922-1963)، وقاما معاً برحلة إلى إسبانيا للاطلاع على الفن العربي الأندلسي، وقد كتب عن تلك الرحلة في مذكراته”.
عاد من “روما” سنة 1957 بعد أن أنهى دراسته، وعين مدرساً للتربية الفنية في مدينة “درعا”، وبقي هناك سنتين أنتج فيهما مجموعة أعمال فنية تطرق فيها إلى الموضوعات الاجتماعية المستوحاة من بيئة “حوران”، وبعد ذلك عاد إلى العاصمة سنة 1960 ليشارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة وتأليف مناهجها، وتولى عمادتها طوال عقد السبعينيات، فكان له نهجه المتميز في العمل، وأسلوبه في توجيه القائمين على التدريس انطلاقاً من ثقافته العامة الواسعة، ومعرفته الشمولية في مختلف حقول الفن التشكيلي، وكان يصوب مسار التدريس مستقطباً مختلف الطروحات بسداد في الرأي، وحنكة في الإدارة، إضافة إلى أداء متميز في تدريس التصوير والحفر لا يزال يذكره طلابه الذين تخرجوا على يديه، كما يذكر ذلك الفنان “إلياس الزيات”.
يقسم الفنان “الزيات” مراحل عمل “حماد” الفنية إلى مراحل أربع: الأولى حتى سفره إلى “روما” عام 1953، وهي مرحلة واقعية انطباعية، “امتاز إنتاجها بجودة المعالجة دون الاستسلام إلى حرفية الدلالات الواقعية للموضوع”، والثانية هي مرحلة “روما” التي يقول فيها الفنان “حماد”: “بالنسبة لي هذه المرحلة فترة دراسة أكثر مما هي مرحلة بحث عن أسلوب خاص، إنها محاولة لفهم أعمق لما يجري في عصرنا من تجارب فنية”، والثالثة هي مرحلة “الجنوب السوري”، وقد غلب على هذه المرحلة “اللغة التشكيلية المتطورة، أي البناء الهندسي التحليلي والخطوط والألوان المسطحة”.
المرحلة الرابعة
عمل من العام 1984 |
والأخيرة هي مرحلة “استكمال عناصر الأسلوب الذي التزم به في مطافه الأخير، ألا وهو الكتابة العربية وتحولاتها في اللوحة، حيث تشكل العنصر الأساس في البناء والتعبير إيقاعاً وأداءً وجرساً لونياً”، ومع نعت هذه المرحلة بـ”التجريدية” فإنها لا تشكل انعطافاً مفاجئاً في نتاجه، بل إنه دأب على الإعداد لها منذ المرحلة التي سبقتها، وإذا كانت دلالة الكلمات المستخدمة في اللوحة الكتابية واضحة في البداية مثل “دمشق” أو “لا غالب إلا الله”، فإن ذاك الوضوح أخذ يتنحى فاسحاً المجال إلى تركيب تشكيلي مبني بإحكام معماري راسخ، ولكن معناه يبقى مقروءاً بشيء من العناء، فالغاية كانت عمل لوحة معاصرة مفتاحها الحرف العربي الذي وجد “حماد” فيه عنصراً مطواعاً لتأليفاته المعبرة عن واقع جديد، وهو واقع اللوحة نفسها وتكاثف لحظات الإبداع فيها”، بتعبير الفنان “الزيات”.
“هذه المراحل الأربع تعد من أهم البصمات الواضحة في تاريخ حركتنا التشكيلية (السورية)”، كما يقول الفنان “نذير نبعة”، “لقد كان له بجدارة فضل خلق هذه الاتجاهات في تيار الحركة الفنية وتدعيمها بثقافته الواسعة كمثقف، وأبوته النادرة كمعلم، وثقته النبيلة كفنان، وقدرته الفذة على العمل، وإيجاد المنهج والطريق في أصعب الظروف، وأقل الإمكانات وفي كل الأمكنة كان فناناً وأستاذاً”.
أتاحت معرفة الفنان المميزة بتقنيات الحفر الملون إمكانية تصميم الطوابع، فصمم العديد من مجموعات الطوابع التذكارية السورية التي تم إصدارها في مناسبات عدة، كما ترك مجموعة من الميداليات عالج فيها موضوعات قومية واجتماعية، وقد كلف في هذا المجال من المجلس النيابي بتصميم وسام “بطل الجمهورية الذهبي”، وهي النسخة الوحيدة التي صيغت وأهديت إلى الرئيس الراحل “حافظ الأسد” سنة 1974، كما
علماء مسلمين من أواخر الأعمال 1988 |
عالج التصميم النصبي، كما في النصب الرمزي في مقبرة الشهداء في “نجها”، ونصب آخر في معرض “دمشق” الدولي، وكذلك نصب “الجندي المجهول” في قاسيون، إضافة إلى اشتغالاته الدائمة على فن التصوير.
نال الجائزة الأولى في معرض “أنتر غرافيك” في ألمانيا سنة 1976، والجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب في “سورية” سنة 1977، ونال سنة 1975 وسام الجمهورية الإيطالية بدرجة فارس، ومنحته الدولة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى سنة 1989 بعد وفاته، كما عمل خبيراً في قسم التربية والفنون في الموسوعة العربية السورية منذ نشأتها عام 1981، وحتى وفاته.