“خلدون المالح”.. صناعة الدهشة
الاثنين 12 أيلول 2016
دمّر
عمل “خلدون المالح” خلال مشواره الفني الذي امتد أكثر من خمسين عاماً على الارتقاء بالفن السوري؛ وذلك عبر العديد من الأعمال المدهشة، الإذاعية، والسينمائية، والتلفزيونية.
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 25 تموز 2016، “علي الطه” في منزله بـ”دمّر”، وهو إعلامي وأديب، وله عدة تجارب في مجال الأفلام الوثائقية، حيث قال عن تجربة “خلدون المالح”: «للفنان “خلدون المالح” بصمات واضحة وخط واضح في الفن السوري من خلال تجربة عمرها نصف قرن وأكثر، بدأها من الإذاعة، ومن الأهم الملامح جاءت في البداية بالعمل الإذاعي، حيث أدخل البرامج المنوعة، وحينئذ كانت الإذاعة برامجها تقريرية وجامدة، فكان “المالح” وبرامجه الخفيفة البسيطة القريبة من الناس بأسلوب خفيف وشعبي مدروس، وبعدها اتّجه إلى السينما ووضع بصمته أيضاً؛ سواء من خلال أعماله مع المؤسسة العامة للسينما أو مع القطاع الخاص، ووصلت أفلامه ولاسّيما التي اشتغلها لـ”دريد ونهاد” إلى كل دور السينما العربية».
وأضاف: «وما يميز “المالح” أيضاً هو تأسيس أول استديو خاص به في “دمشق”، وتسجيله لعدة أعمال درامية وغنائية ليتجه من خلالها أيضاً إلى عالم الإعلانات الجادة منها المادة الإعلانية لـ”يا نصيب دمشق”، وأهم تجربة له هي سلسلة “افتح يا سمم” من الناحية الإخراجية والإنتاجية، التي غزت بها القنوات التلفزيونية العربية؛ لكونها عملاً توجيهياً وتربوياً وإنسانياً».
وقال أيضاً: «بدا هذا الفنان العملاق بطلاً لكل عمل له من وراء الستار، وكان لا يحب الظهور إلا نادراً، رجل عملي وفنان حقيقي، ترك مشروعاً؛ فأينما اتجهت تجد بصماته، لطيف، له شبكة واسعة في الإعلام العربي، بسيط، وفي الوقت ذاته عبقري».
“حسين خليفة” إعلامي ومدير تحرير لجريدة “الحياة السورية”، قال: «إن الراحل “خلدون المالح”
المالح يحاور فاتح المدرس “مجلة التلفزيون” |
يعدّ من الآباء المؤسسين للدراما السورية، بل من مؤسسي ثقافة الصورة في “سورية”، وأرى أنه لم ينل ما يستحقه من ضوء بسبب طغيان ثقافة (النجم ـ الممثل) مع غياب شبه كامل لعناصر العملية الفنية الأخرى وفي طليعتها الإخراج؛ وهو ما جرى “تصحيحه” في عقود نهضة الدراما السورية؛ فبدأ الجمهور التعرف إلى مخرجي الأعمال الدرامية، إضافة إلى نجوم التمثيل، وصارت أسماء مثل: “هيثم حقي، ونبيل المالح، والليث حجو، وحاتم علي، ونجدت أنزور”، وغيرهم من مخرجين صنعوا النقلة الثانية في تاريخ الدراما السورية تتردد على ألسنة الجمهور والنقاد، إلى جانب النجوم الكثر الذين برزوا في العقدين الأخيرين، إضافة إلى أسماء كتّاب الدراما».
وأضاف: «في أعمال مهمة وباقية في ذاكرة الدراما والفن السوري مثل: “مقالب غوار”، و”صح النوم” بجزأيه، و”وين الغلط” لم ينتبه إلا القليلون إلى اسم صانع العمل “خلدون المالح” أمام إشعاع أسماء “غوار الطوشة، وحسني البورظان، وفطوم حيص بيص، وياسين بقوش”، وكذلك في مسرحيات “ضيعة تشرين”، و”غربة”، و”كاسك يا وطن” بقيت سطوة اسم “دريد لحام” طاغية على المشهد مع بروز اسم “الماغوط” كأحد أهم كتّاب مسرح الشوك».
وأضاف: «”خلدون المالح” هو من الجيل الذي أوصل اللهجة السورية “الشامية” إلى الجمهور العربي في ظل انفراد المصريين بالساحة الفنية، وأسّس لما وصلت إليه الدراما السورية من قمة لاحقاً. أما في المسرح، فقد كانت مسارح “بيروت والخليج والمغرب العربي” شاهدة على تجربة عربية مختلفة عن المسرح المصري، تجربة أقرب إلى الهمّ السياسي والمجتمعي، ولا
علي الطه |
تقوم على “القفشات” فحسب، بل تلامس معاناة المواطن العربي من القمع والفقر والاحتلال والاغتراب».
وقال أيضاً: «ويبدو الأثر الأكبر لـ”خلدون المالح” في صناعة “كركترات” ما تزال تسحر المشاهد، الأمر الذي كانت تفتقر إليه إلى حدّ كبير الدراما المصرية، وهو سبق لا يعود إلى “المالح” منفرداً، لكن من المؤكد أنه كمخرج كان الشريك الأكبر في التأسيس لها، إضافة إلى الكاتب والممثل وعناصر العملية الفنية الأخرى».
وأنهى “خليفة” حديثه قائلاً: «على الرغم من دخول تقنيات مبهرة إلى صناعة الدراما، ما زال سحر الأبيض والأسود باقياً بفعل مساهمات الرواد؛ ويعد “خلدون المالح” أحد أهم الأسماء التي رافقت هذه التجربة. وما زال الجمهور العربي يتفاعل مع “مقالب غوار وصح النوم ومسرحيات المالح والماغوط” كما لو أنها جديدة؛ وهي ميزة الأعمال العظيمة».
“جوزيف سلامة” من متابعي أعمال “المالح”، قال: «مازالت أعماله مع “دريد ونهاد” في ذاكرتي، كنا شباباً، أيام التلفزيون الأبيض والأسود، كنا ننظر موعد “حمام الهنا، ومقالب غوار” بفارغ الصبر، حيث نجتمع في إحدى “مضافات” القرية لنضحك معاً، وننظر بدهشة إلى الشاشة الصغيرة حيث الحكايات المدهشة التي صنعها “المالح”، هكذا رسم البسمة والضحكة على وجوه الجميع».
أضاف: «التقيته أكثر من مرة في مقهى “الروضة” بـ”دمشق”، وجدته إنساناً مرهف الحسّ، حنوناً، عاشقاً كبيراً لـ”دمشق”، محباً للناس، وفياً لأصدقائه؛ فهو أكبر من أن تختصره كلمات؛ لأنّه من فرسان الزمن النبيل».
يشار إلى أن “خلدون المالح” من مواليد “دمشق”، عام 1938، يعدّ من كبار وأوائل المخرجين التلفزيونيين في
من برامج المالح |
“سورية”، حيث أخرج عدداً من الأعمال التي حفرت في الذاكرة السورية والعربية، منها: “مقالب غوار، وصح النوم بجزأيه، ووين الغلط، ووادي المسك”، كما تولّى إخراج الفيلم السينمائي “صح النوم”، فضلاً عن إخراجه التلفزيوني لمسرحيات المبدعين “دريد لحام، ومحمد الماغوط” كمسرحية “غربة، وضيعة تشرين…”، وكان آخر أعماله إخراج مسلسل “الجمل” الذي حصل على الجائزة الأولى للدراما في مهرجان “القاهرة” للإذاعة والتلفزيون.
رحل “المالح” 25 نيسان 2016، عن عمر ناهز 78 عاماً في الولايات المتحدة الأميركية، ودفن بـ”دمشق” حسب وصيته، تاركاً خلفه أعمالاً حفرت في الذاكرة.