في الواقع، فالطبخ يتعلق تقريبًا بكل شيء بالكيمياء! مثلًا، اسأل أي خباز ماهر عن تلك الجزئية تحديدًا وسيخبرك أن كل ما يقوم به مرهون بالكيمياء، بداية من مستويات درجة الأس الهيدروجيني pH إلى عمل الإنزيمات وخواص الحرارة. فقط يتطلب الأمر منك الوصول للمعادلة الصحيحة، وحينها ستستطيع حفظ طعامك لمدة أطول، أو تحسين جودة اللحم الذي تقوم بطهيه، أو حتى تقليل مقدار السعرات الحرارية التي تستهلكها بينما تحافظ في الوقت نفسه على كمية ونوع الطعام الذي تفضله! هل هذا هو المقال السحري للتخسيس الذي طالما انتظرته؟ ربما!
فلنطالع معًا بعض نصائح وتلميحات الطبخ الكيميائية المدهشة من الجمعية الكيميائية الأمريكية American Chemical Society بينما نطالع كيف يمكن أن تعمل الكيمياء لصالحنا على مائدة الطعام!
قلل قيمة السعرات الحرارية للأرز إلى النصف!
لمعظمنا، يعد الأرز طبق رئيسي في الوجبة الرئيسية خلال اليوم؛ وعن نفسي فوجبة الغذاء التي لا تحوي أرزًا لا تعد غذاءً! وبالطبع، فهذا تفضيل شخصي اعتدت واعتاد أكثرنا عليه لا أكثر، بالرغم من أن له مساوئه الكثيرة.
الأرز غني للغاية بالنشا starch، والنشا إذا أردتم رأيي عن تجربة ضار بأجسادنا للغاية! ففي الواقع، يمنحنا كوب واحد من الأرز المطهو ما يعادل 240 سعرًا حراريًا، وهو ما سيتحول لاحقًا إلى دهون تتراكم في أردافك ومنطقة البطن إذا لم تحرق تلك السعرات بشكل ما سريعًا! لكن الباحثون توصلوا لطريقة بسيطة لتعديل خواص النشا الذي يحويه الأرز وجعله مقاومًا للتكسر والتحلل إلى جلوكوز.
ما ستحتاجه أولًا هو أن تضيف كمية صغيرة من زيت جوز الهند إلى ماء طهي الأرز بينما تغلي، فيما يعادل حوالي 3% من وزن الأرز الذي ستضيفه للماء أو تقريبًا ملعقة شاء صغيرة لكل نصف كوب من الأرز. بعدها قم بإضافة الأرز، وقم بخفض الشغلة للتسوية ببطء واتركه على النار لمدة 8 إلى 10 دقائق.
عقب نضج الأرز كما تحب، ستحتاج إلى وضعه في الثلاجة لمدة 12 ساعة! لا مزاح هنا! أعلم أنها ليست الطريقة التقليدية للطبخ، لكن هل ترغب في تحقيق هدفك من كل هذا أم لا؟! لا تقاطعني مرة أخرى من فضلك!
بعد مرور 12 ساعة كما ذكرنا في المبرد، يمكنك تسخين الأرز لتناوله وقتنا تحب في الميكروويف أو بالتسخين التقليدي (لا تضف زيتًا أو سمنًا بالطبع!). وبالهناء والشفاء! صار لديك طبق أرز يحمل الطعم نفسه تقريبًا، لكن بسعرات حرارية أقل بنسبة 50 إلى 60%!
يوجد النشا في الأرز بأشكال مختلفة، منها القابل للهضم ومنها ما لا يمكن هضمه. النشا الذي يمكن هضمه يتحول سريعًا كما قلنا إلى جلوكوز ويتم تخزينه في الجسم كدهون إذا لم نمارس نشاطًا ما يحرقه. دعونا من النشا غير القابل للهضم فهو مسالم لا يؤذينا ولا يتكسر إلى جلوكوز.
هنا يأتي دور زيت جوز الهند الذي يتفاعل مع جزيئات النشا ويغير من البنية الكيميائية بها! ثم يأتي التبريد لمدة 12 ساعة ليؤدي إلى تكوين روابط هيدروجينية بين مكون بالنشا يدعى الأميلوز Amylose مما يؤدي بالتبيعة إلى تحول النشا القابل للهضم إلى نشا غير قابل للهضم.
حافظ على شرائح الفاكهة المقطعة من تغير اللون
وبالتأكيد قد لاحظت أن بعض الفاكهة كالتفاح مثلًا يتعرض قلبها للاسمرار مع تركها في الهواء، وعلى الأغلب قد سمعت بالنصيحة المتمثلة في إضافة عصارة الليمون على الشرائح المقطعة كيلا تسمر. لكن ماذا لو لم تكن تحب طعم الليمون اللاذع بالتفاح بعد تطبيق هذه النصيحة المفيدة؟ يمكننا التغلب على هذا الأمر ببعض الكيمياء بالطبع!
ما سنقوم به هنا هو أن نحضر طبق عميق وصغير ونضع به بعض الماء ثم نعصر عليه ليمونة كاملة. بعدها نقوم بغمس شرائح الفاكهة التي نريد حفظها من تغير اللون في عصارة الليمون المخففة بالماء ثم ننتشلها ونحفظها في أكياس محكمة الغلق ونضعها في الثلاجة.
سبب تغير لون الفاكهة المقطعة يرجع في الواقع إلى إنزيم أوكسيداز البولي فينول polyphenol oxidase والذي ينطلق مع تفاعل الفاكهة مع الهواء أو بالأحرى مع الأكسجين في الهواء، والطريقة الأمثل لتثبيط عمله هي بإضافة فيتامين C أو ما يعرف كيميائيًا بحمض الأَسكوربيك Ascorbic Acid، الذي يمنع أو على الأقل يبطء للغاية هذا التفاعل. ولأن الأمر يتم على المستوى الكيميائي البيني للمواد، فلا حاجة لتغيير طعم الفاكهة بإغراقها في الطعم الحامض لليمون ويكفي استخدام العصير المخفف بالماء.
دجاج ولحوم ألذ بُعصارة غنية باستخدام بيكربونات الصوديوم
صودا الخبز أو بيكربونات الصوديوم Baking Soda هي مسحوق معروف لكل خباز أو ربة منزل ماهرة، ويُستخدم عادة في خبز الحلويّات والمُعجّنات لرفع العجينة ومُساعدتها على الانتفاخ عند تعرّضها للحرارة. تتكوّن صودا الخبز من بيكربونات الصّوديوم فقط NaHCO3، لكنّ سرها يكمُن في تفاعُلاتِها مع الموادّ الأُخرى، إذ تبقى بيكربونات الصّوديوم مُجرّد مسحوق إلى أنّ تتفاعل، وفي الخبز مثلًا، فهي تُنتج ثاني أكسيد الكربون عند تفاعلها، وهو الذي يتمدّد ليُنتج العجين المعروف. لكننا كما سنرى تاليًا، فلصودا الخبز تفاعل سحري آخر مع اللحوم أو البروتينات الحيوانية.
قد لا تعلمون هذا بحكم بعدكم عن المطابخ، لكن الجزء الجوهري في طبخ اللحوم سواء كانت حمراء أو بيضاء يمكن في أمرين: الأول أن تكون طازجة غير مجمدة، والثاني في نقعها وتتبيلها قبلها بفترة كافية. هكذا، تصبح اللحوم غنية بالعصارة تذوب في فمك بطعم يأخذ عقلك. مثل هذا النقع والتتبيل قد يتطلب ساعات طويلة قبلها وقد يطول الأمر في بعض الوصفات إلى يوم كامل قبل الطبخ! لكن إذا ما كنت تستخدم لحمًا مجمدًا أو كنت في عجلة في أمرك ورغبت في الحصول على مذاق عصاري طيب بخلاف اللحم الصلب الذي اعتدت تحضيره، فعليك بصودا الخبز أو بيكربونات الصوديوم كما نعرفها!
ما سنقوم به هنا هو رش اللحم المقطع الذي نود طهيه بطريقتنا المعتادة ببيكربونات الصوديوم ونخلطها جيدًا به في وعاء عميق، ثم نغطيه بنايلون شفاف لاصق ونتركه لمدة 15 دقيقة فقط. بعدها قم بغسل اللحم جيدًا تحت الماء الجاري لإزالة آثار بيكربونات الصوديوم، وباشر بطبخ أو شوي اللحم بالطريقة التي تفضلها لكنك ستفاجيء بالطعم العصاري المدهش للحم!
ما يحدث هنا هو أنه كلما كانت اللحوم النية أقل طزاجة نتيجة تخزينها أو تجميدها في ثلاجتك لفترات طويلة، فإن مستويات الأس الهيدروجيني بها تنخفض بشدة. الأس الهيدروجيني pH هو درجة الحموضة الخاصة بأي مادة، حيث تعتبر السوائل ذات درجة حموضة أقل من 7 أحماضًٍا، بينما تعتبر السوائل ذات درجة حموضة أعلى من 7 قلويات. الماء تبلغ درجة حموضته 7 لذا فهو سائل متعادل يمكننا تناوله دون أن يتسبب لنا بحروق أو ضرر أيًا كان؛ بل في الواقع نلجأ إليه لمعادلة حموضة أجوافنا مما يمنحنا شعورًا بالارتواء لا منحنا إياه غيره من السوائل!
نعود مرة أخرى إلى الأس الهيدروجيني المنخفض للحوم المجمدة غير الطازجة. درجة الحموضة المنخفضة تلك هي السبب في تيبس اللحم وانعدام عصاريته حيث تؤثر على نسيج اللحم مباشرة. هنا يأتي دور بيكربونات الصوديوم!
تتمتع بيكربونات الصوديوم بأس هيدروجبني مرتفع يبلغ 9 pH، وعندما نغلف اللحم بها لبعض الوقت فإنها ترفع مستويات الأس الهيدروجيني للحم بدوره مما يزيد من قدرة اللحم على الاحتفاظ بالماء والمرق. هكذا، فبدلًا من فقدان اللحم لما يحويه من ماء على الشواية أو في المقلاة، سيحتفظ الدجاج أو اللحم البقري بعصارته الشهية ويظل طريًا!