العائلة في مواجهة الرعب
بقلم: توني ويليامز ترجمة : عبدالقادر عقيل
يشن الشيطان حروبه ضد أمريكا المعاصرة بتدميره العائلات، وتحريفه للجيل اليافع، ثم يواصل، بعد ذلك، تخريبه للعالم. وتقدم ثلاثية المخرج ديفيد كروننبرغ (الرعشات SHIVERS ، السعارRABID ، والحضون THE BROOD) رؤية كابوسية للتفكك الاجتماعي الذي يستتبع انهيار آلية الحضارة القمعية.
أما الأفلام المتطرفة في العنف مثل (آخر بيت على اليسار LAST HOUSE ON THE LEFT ) 1972 ، و (مجزرة تكساس المنشارية THE TEXAS CHAINSAW MASSACRE ) 1976 و(مصيدة الموت DEATH TRAP ) 1976، فانها تظهر نقائض البشر الشبحية وهي تسفك بدماء الضحايا. في حين أبرزت هذه الأفلام مواهب إخراجية فذة مثل: لاري كوهين، بريان دي بالما، ويس كرافن، توب هوبر، بوب كلارك، وجورج روميرو الذي سبر، بذكاء، غور الأبعاد الكامنة لهذا النمط من الأفلام.
وكرد فعلٍ، محتمل، وغير واعٍ، للمأزق في فيتنام ووترغيت، برزت دورة أفلام انتقام الطبيعة مثل (وليارد WILLARD ) 1971 (بن BEN ) ، ( ستانلي STANLEY )، (الضفادع FROGS ) 1972 ، ( النحل BUG) 1975، ( الفك المفترس بجزيئيه الأول والثاني) 75 – 1977 ، ( يوم الحيوانات DAY OF THE ANIMALS ) 1977 ، و ( النبوءة PROPHECY ) 1979 .. كلها أفلام يتلقى فيها الأمريكيون المتغطرسون العقاب اللازم، وفيها تستبدل موضوعات الإشعاع الذري في أفلام الخمسينيات، مثل (هم THEM) و ( العنكبوتة الذئبية TARANTULA) 1955، بعلم الإحياء في أفلام مثل (غزو العناكب الضخمة THE GIANT SPIDER INVASION) و ( ليل الأرانب NIGHT OF THE LUPUS) 1972، و (إمبراطورية النمل EMPIRE OF THE ANTS) 1977 .
إذا كانت أفلام الرعب في السبعينيات استهلت بمصاص الدماء الأوروبي الذي يهاجم أمريكا في (الكونت يورغا مصاص الدماء COUNT YORGA VAMPIRE) 1970، و (عودة الكونت يورغا THE RETURN OF COUNT YORGA) 1971، فأفلام هذا العقد قد تطرقت إلى هذه الثيمة بإسهاب كبير.
وتجاوزاً للتفسيرات فوق الطبيعية التي برزت على السطح، إلا أن الوحوش الحقيقية التي نراها في أفلام الرعب هي المجتمع الأمريكي، والعائلة الأمريكية. ومن هنا وجدت أفلام رعب العائلة الدرب مفتوحاً أمامها خصوصاً في الفترة التي أصبحت فيها الأبعاد الراديكالية لهذا النمط من الأفلام مدركة بوضوح.
ما هي الأسباب الداعية لعرض أفلام تهاجم فيها الوحوش العائلات، وتحاول تدمير الحضارة، سواء على المستوى المحلي، أو الكوني؟.
على الرغم من ان أفلام الرعب كانت دائماً عرضة لاستخفاف وهجوم نقاد ثقافة “الذوق الرفيع ” ، إلا انها كانت دائماً تحظى بدعم جماهيري كبير، والسبب في ذلك ان أيقونات الحضارة، كالسلطة والعائلة، تواجه التدمير. ويمكن القول ان أفلام الرعب هي تنفيس للرغبات الفانتازية المكبوتة، لذا فهي تلقى الاستحسان، على الرغم من النهايات السعيدة، حيث استرداد الاستواء لحالته الأولى. ومن المناسب هنا أن نذكر فرضيات فرويد الخاصة حول الكبت، والتي عبر عنها في كتابه ” الحلم وتأويله ” ، حيث الأحلام تمثل تحقيقاً مقنعاً لرغبات مكبوتة (وهو ما يسرى على الإبداعات الفنية أيضاً). ويؤكد في كتابه ” عناء الحضارة ” على إتكاء المجتمع على الكبت، بينما في مقالتيه “الخارق للطبيعة ” و “عصاب الاستحواذ الشيطاني في القرن السابع عشر” – المقالة الأخيرة وثيقة الارتباط بموضوعات أفلام الرعب الشيطاني – يؤكد على التقارب الوثيق بين الفوق طبيعي مع ما هو مفترض انه الحياة الدنيوية.
وما يفسر حيوية هذا النمط من الأفلام هو ان أفلام الرعب في أمريكا الشمالية جزءٌ من حقل استثماري واسع لا يمكن إيجاده عادة في مكان آخر، حيث المخرجين الموهوبين يحصلون على فرصتهم للظهور.
أفلام الرعب يجب أن لا تعزل أبداً عن الأنماط السينمائية الأخرى، فهي متصلة بأفلام الكوارث، والأفلام الكوميدية العائلية، الويسترن والميلودراما. وهي عادة تعبر عن ثيمات متضمنة في الأنماط الأخرى.
وهكذا، في عقدٍ تحيط فيه الشكوك حول مناعة النظام الرأسمالي، ليس من المستغرب أن يتضح أكثر الجانب لتدميري في أفلام الرعب.
ان الفن، عموماً، يعكس الأوضاع الاجتماعية. والعائلة كانت تفسر دائماً على إنها أداة للقمع البرجوازي. ومن هنا هاجمتها أفلام الرعب في فترة ظهرت فيها حركات المضطهدين، مثل حركة تحرير النساء والشباب والأطفال.
يمكن التأكد من الحلقات المتصلة بين مظاهر كوابيس الرعب والعائلة إذا عدنا إلى مقالة أرنست جونز ” باثولوجيا الكوابيس” حيث تتحول المكبوتات العنيفة في الحلم إلى مشاعر شهوانية، مصحوبة بكوابيس مفزعة. ويرى جونز هذا كتعبيرٍ عن الصراع العقلي الحاد المتمحور حول الرغبات الجنسية المكبوتة، وخاصة تلك التي أوردها فرويد حول صلة العائلة بالرغبات المحرمة.
وانطلاقاً من هذه الفكرة، يمكن أن نجد تفسيراً يربط الجوهر القمعي للعائلة بالهجمات العنيفة التي تلقتها من أفلام رعب السبعينيات. ويمكن أن نقول بأن الأفلام المعاصرة ما هي إلا تعبيرٌ واضح عن الأزمات التي كانت متلازمة قبلاً في الميثولوجيا والأدب.
يشير ليسلي فيدلر في كتابه ” الحب والموت في الرواية الأمريكية ” إلى البطل عادة ككائن يهجر المتطلبات الاجتماعية، كالزواج، وتكوين العائلة، ويفضل العيش بحرية في البراري. ويلفت المحللون النفسيون الراديكاليون، أمثال آر .دي . لينج، آرون ايسترسون، ديفيد كوبر، ومورتون شاتزمان، الانتباه إلى الأوضاع الاجتماعية والعائلية والبيئية وتأثيرها في حدوث الجنون.
يعامل المجنون، عادة، كوحشٍ غير مرغوب فيه، وكل الثيمات وراء أفلام مثل (ظلال الشك SHADOW OF A DOUBT) ، ( أنه حي) ، و (طارد الأرواح الشريرة) نجدها متصلة بالعائلة، ومن المحال الآن أن نلصق الوحش بفرنكنشتاين، أو جزر الكونغ، أو زاروف فقط مستثنين، ما هو مفترض، انه أمريكا النقية. من المحال إنكار ان الوحش هو بداخل أمريكا فقط.
هناك تحالف غريب ظهر بين أفلام الويسترن وأفلام الرعب ففيلم المغامرات (جرف السهول العالية HIGH PLAINS DRIFTER) لكلينت إيستوود 1973 يحمل بالتأكيد جوانب شيطانية. وفي حين تهدد العائلات المتفسخة ما هو مفترض إنها عائلات طبيعية في (آخر بيت على اليسار) ، (مجزرة تكساس المنشارية) ، (التلال لها عيون THE HILLS HAVE EYES ) 1977 ، فانها تذكرنا بتشابهها بعائلات كلانتون وكليغ وهاموندز التي رأيناها في أفلام ويسترن مثل (عزيزي الرؤوف MY DARLING CLEMENTINE) 1946 ، (سيد العربة WAGON MASTER ) 1950، (بنادق في الظهيرة GUNS IN THE AFTERNOON ) 1962. وكلا النمطين السينمائيين ينحدران من أسر الميثولوجيا البيوريتانية، التي لا تزال تهيمن على الوعي الشعبي الأمريكي. فبالنسبة للمستوطنين المقموعين كانت البرية مسكناً للشيطان. وكان الهنود الحمر، وحتى البيض، الذين آثروا الحياة الطبيعية الحرة، يُعرفون على انهم أبناء الشيطان. وهذا الاعتقاد رادف، أدبياً وسينمائياً، أفلام الويسترن.
في فيلم طبول الموهوك DRUMS ALONG THE MOHAWK 1939 يحمل ظهور بلو باك دلالة بصرية على إنه وحش فرنكنشتاين ، وفي فيلم (سباق مع الشيطان RACE WITH THE DEVIL) 1975 نرى تمازج فيلم الرعب بأيديولوجيا فيلم (طبول الموهوك) .
هذه المرة لا يأتي تهديد البرية من الهنود الحمر، ولكن من بين الشياطين الأمريكيين الذين خسروا أحلامهم الرأسمالية، والذين ثأروا لأنفسهم، وكونوا إتحاداً أخوياً أكثر تماسكاً، كما في فيلم (التلال لها عيون). البيت هنا عبارة عن عربة مقطورة، مع إظهار بواعث الكبت الجنسي، والإذلال الاقتصادي.
إذا كان ” سكار ” الجانب الشبحي لإيتان إدوادز في فيلم (المستكشفون THE SEARCHERS ) بالتالي فان العائلات المتفسخة في (آخر بيت على اليسار) ، و (مجزرة تكساس المنشارية) ، و(التلال لها عيون) تجسد الرغائب غير المكبوتة لصراعات بطل الرواية العقلية، وانتقام البروليتاريا من الاستغلال الذي تعرضوا له في الحلم الأمريكي.
كان الشيطان دائماً كبش الفداء للأمريكان غير المرغوب فيهم، مع ان اللوم كان يقع أحياناً على الصحون الطائرة، وحركات الهيبيز، والشيوعيين. وإذا رجعنا للتاريخ الأمريكي، وطريقة التحليل النفسي المعاصر، فان أفلام الرعب الشيطاني في السبعينيات لا تبدو ظاهرة غريبة.
فالأطفال الممسوسون من قبل الشيطان كانوا شيئاً غامضاً بالنسبة لكوتون ماثر، الذي حضر محاكمات سهرة ” سليم ” ، بينما التهديدات العنيفة ضد الآباء، ورموز السلطة، والالتواءات الجسدية (كما في حالة الطفلة ريغان في ” طارد الأرواح الشريرة “) فهي مفهومة بالنسبة لنا كرد فعل ضد طرائق التنشئة المتزمتة جسدياً وتربوياً. لكن بالنسبة للبيوريتانيين، فقد كان الشيطان هو التفسير الوحيد المقبول به.. لأنه من السهل التعامل مع عدو افتراضي خارجي من أن تتعامل مع عدو بداخلك.
من المناسب هنا الإشارة إلى تفسير مورتون شاتزمان لحالة شريبر التي أوردها فرويد في ” قاتل الروح ” ، حيث اعتقد شريبر بأنه كان عرضةً لهجوم فعلي من قبل قوى شبحية.
وقد أظهر شاتزمان، بتركيزه على خلفية عائلة شريبر، (وهذا ما أهمله فرويد) ، بأن الذهان كان نتيجة رد فعل متأخر ضد الطرائق التربوية المتزمتة التي مارسها والد المريض عليه في سنواته المبكرة. ولأن شريبر لم يكن بمقدوره أن يلوم، بوعي، والده، فقد وجد في الاستحواذ ملاذاً له.
وبطريقة متشابهة فان أفلام رعب الشيطان الأمريكية تستخدم الشطان كحلٍ مناسب للأزمات التي لا تجرؤ، بوعي، التعبير عنها.
أيديولوجياً، تلوم مقدمة فيلم (طارد الأرواح الشريرة) الحضارة العربية، المهيمنة شيطانياً، (ربما لأزمات النفط ؟) .. ولكن بتحليل أكثر دقة نرى بأن استحواذ الطفلة ريغان إنما ناتج عن ضغينتها اللاواعية لأمها .. فافتقادها لأبيها، وغيرتها من علاقة أمها بالمخرج دننغز، تجعلها تتخذ مظاهر الذكورة، وتهاجم أمها، وتقتل، وتستحوذ دننغز.
الأب كاراس أيضاً نتاج للعلاقة العائلية غير السعيدة .. فهو يحمل عقدة الذنب، وامتعاضا مكبوتاً ضد أمه المسنة، ويحمل نفسه مسئولية موتها. وحين يومض عقله الباطن في أحلامه نرى شيطانه يحمل صفات أنثوية كاملة.
وعلى الرغم من نهاية الفيلم ” الطبيعية ” فان (طارد الأرواح الشريرة) يصوّر، بعنف، جنون الاضطهاد وانهيار العائلة كمؤسسة.
على مستوى معين يمكن أن يكون الطفل ” ديمن ” في فيلم (البشير) ضد المسيح، الذي سيبدأ الهرمجدون على العالم المتحضر، ولكن على مستوى آخر، يمكن أن يكون طفلاً يحمل مشاعر استياء طبيعية ضد أبويه اللذين يقمعان كل أحاسيسه المكبوتة ضد السلطة باستنتاجاتهما المنطقية.
ومع ان فيلمي (الهرطقي THE HERETIC) – الجزء الثاني من طارد الأرواح الشريرة – 1977، و (البشير DAMIEN – الجزء الثاني ) 1978 فشلا في تحقيق النجاح الذي حققه الجزئين الأولين، إلا ان لكل منهما جوانب مهمة من مرض كره النساء المستتر وراء أشكال دينية مباشرة ضد شخصيتي ليندا بلير، ولي غرانت، وهذا ما يوحي بأن البذرة التي غرست في فيلم (طفل روزماري) 1968 بدأت تجني ثمارها.
أفلام ” شيطانية ” أخرى ترى بأن التهديد يجيء من أقليات عرقية مثل الهنود الحمر، الزنوج، البرتوريكيون، الذين يحاربون الاستغلال في مجتمع الزنابير، وهذا ما يمكن ملاحظته في أفلام مثل ( المانيتو THE MANITOU) 1977 ، (آبي) 1974، و (استحواذ جول ديلاني) للمخرج وارث حسين 1972.
لا يعزو وارث حسين، في فيلمه البارع، استحواذ جول ديلاني، إلى ذرائع ظاهرية لروح البرتوريكي الشريرة، ولكن إلى الرغائب المحرمة لأخته نورا (شيرلي ماكلين)، وارتباط العائلة الرأسمالية باستغلال العالم الثالث.
أعمال هيتشكوك كانت لها دائماً سطوة فاعلة. ومع إن أفلامه تنحو منحى التشويق، إلا انه يمكن إيجاد عناصر موضوعية متصلة بالزواج، الحياة العائلية، الذنب، والكبت .. وعناصر هيمنت على أفلام الرعب في السبعينيات.
وإذا كان فيلمه (الطيور) 1963 قد ترك أثراً كبيراً على أفلام انتقام الطبيعة ، إلا انه يوحي أيضاً بأن الهجوم كان نتيجة للصراعات العائلية المكبوتة . في حين ان أفلام الرعب الشيطاني مدينة لفيلم هيتشكوك ( ظلال الشك ) 1943، حيث نتبين جذور الوحش داخل المجتمع الأمريكي (ذهان العم تشارلي يرجع إلى حادثة اصطدام الدراجة في شبابه) ، والتماثل المزدوج بين المعتدي والضحية (تشارلي الصغيرة وعمها) ، كتصريح العم تشارلي باتصاله الفوق طبيعي، وظهوره في صلاة ابنة أخيه، واتصالاته الدائمة بالدخان، والقوى التليباثية، وأمريكا تحت رحمة القوى المضللة التي يجب أن تقمع.
بريان دي بالما، واعٍ ، تقنياً وموضوعياً، بالتراث. ففيلمه (الأخوات BLOOD SISTERS ) 1972 هو إعادة إخراج لفيلمي هيتشكوك (النافذة الخلفية REAR WINDOW) و (سايكو) . بينما أفلامه (استحواذ OBSESSION) 1975 ، (كاري CARRIE ) 1976 ، (الغضب THE FURY ) 1977 تدين بالفضل لأفلام هيتشكوك (دوارVERTIGO ) ، (مارني MARNIE) ، (شمال إلى شمال غربي NORTH BY NORTHWEST).
مأثرة دي بالما تنحصر في دمجه هيتشكوك بنمط أفلام الرعب في السبعينيات. فإذا كان فيلم (استحواذ) يدمج موضوع العائلة بالإشباع الجنسي، عن طريق اختلاس النظر في (دوار) ، فإن فيلميه (كاري) و (الغضب) يدمجان القدرة الفوق طبيعية على تحريك الأشياء بثيمات العائلة المألوفة في أفلام هيتشكوك. إلا ان نجاح دي بالما مزدوج الطابع، فعلى الرغم من ان فيلم (الغضب) يحمل موضوعات عائلية مهمة، إلا انه فيلم متكلف جداً، أما علاقة الأم بالبنت في (كاري) فهي محاكاة مضحكة لفيلم (مارني) وبروز قوى كاري في فترتها الأولى، وقدرتها على تحريك الأشياء، توازنها مع النشاط الجنسي المكبوت، براعة دي بالما التقنية الفائقة في مشهد الرقص، والتمثيل المؤثر لسيسي سباسيك، كلها لم تكن كافية لتعويض عمل كان متوقعاً منه الكثير. إلا ان أفضل أعمال دي بالما هو فيلم (الأخوات) الذي دمج فيه عناصر الرعب مع الثيمات المعاصرة لتحرير المرأة، والسلطوية البطريركية، في أسلوب معقد وقوي.
تظهر الازدواجية بين شيزوفرينيا دانييل / دومنيك (قام بالدورين الممثلة مارغوت كيدر) وبين محاولة الافتراض الأيديولوجي لسوية غريس (جنيفر سالت). وإذا كان أميلى بريتون (ويليام فينلي) يرغب في إعادة دومنيك إلى دانييل الامتثالية، فان والدة غريس تأمل في رؤية ابنتها وقد اندمجت في الزواج والمؤسسة العائلية. كلتا المرأتين تقاومان الكبت وهن مصنفات كوحوش، والتطابق بينهما يظهر واضحاً في مشهد الحلم، حين تصبح غريس توأم دانييل .. وخلافاً لكثير من أفلام الرعب، فأن الحالة السوية لا تسترد في ذروة الفيلم.
من الحلقات الأخرى التي تربط هيتشكوك وأفلام رعب السبعينيات كان المؤلف الموسيقي بيرنارد هيرمان، الذي لم يؤلف الموسيقى لأفلام دي بالما فحسب (استحواذ ، والأخوات) ، بل لأفلام لاري كوهين أيضاً، هذا المخرج الذي يعد من أهم المواهب التي ظهرت في السبعينيات.
شواغل كوهين السينمائية تتعدد بين الكوميديا السوداء والتشويق السياسي وأفلام الغرب. لكن كل أفلامه تتصل ببعضها البعض في حلقة رئيسية هي: الطفل المتوحش، نتاج الزواج الأحادي، الضحية مثلما هو المعتدي، والذي يعدو للمطالبة بحقه في الاعتراف.
أول أفلام كوهين DIAL RAT FOR TERROR (1972) هي كوميديا بابتكار تقني جديد، يحكي قصة رجل أسود (يافيت كوتو) يستخدم لأداء ضروب مختلفة من العمل، يرهب زوجين أنانيين ماديين (أندور دوغان وجويس فان باتن). الفيلم يصوّر، بقسوة، رياء المؤسسات الرأسمالية كالعائلة / الزواج . وينتهي الفيلم بإيحاء ضمني بأن ما رأيناه كان مناشدة فانتازية من ابن الزوجين المسجون في إسبانيا بتهمة الاتجار في المخدرات. وبدل أن يخرجانه من السجن يقرر الوالدان نسيانه، واعتباره أسيراً في فيتنام.
فيلم (القيصر الأسود BLACK CAESAR) و( جحيم هارلم HELL UP IN HARLEM) 1973 يفترض أعمالاً مرعبة يقوم بها الابن المتوحش الذي يدمر والديه (يبدأ بأمه ثم أبيه على التوالي).
عمل كوهين الرئيسي هو فيلم ( إنه حي) 1974 حيث العلائق الصريحة بين الرعب الكلاسيكي والمعاصر: فالعنوان يذكرنا بالبكاء المصحوب بظهور وحش فرنكنشتاين، الذي يعود، عادة، للمطالبة بحقه في الاعتراف به من قبل خالقه.
فرانك ديفز (جون رايان) يرزق بطفل مسخ، وهو يبدأ، مثل فرنكنشتاين، في إنكاره لمخلوقه. لكن الابن، كان ضمنياً، النتاج المنطقي للعائلة الرأسمالية. وعبر انهمار المطر العاصف في لوس أنجلوس، المكان الذي ظهر فيه النمل الضخم في فيلم (هم) ، تحدث أكثر المواقف المؤثرة في الفيلم ، حيث فرانك يعترف بعلاقته ومسئوليته عن ابنه ، وكلاهما يحاول الفرار من المجتمع الوحشي الذي أنتجهما .
في فيلم ( إنه يعيش ثانية IT LIVES AGAIN) 1978 يطوّر كوهين ثيمات فيلمه الأول، وينسب مضامين العلائق الأسرية والأيديولوجية إلى كل الشخصيات الرئيسية في الفيلم – الأبوين الجديدين (فردريك فورست، وكاثلين لويد. فرانك ديفز. العميل المنتقم (جون مارلي). الشرطي المتعاطف (جيمس ديكسون). ويؤكد الفيلم على قابلية تطبيق الأحداث كونياً.
معظم أحداث الفيلم ترتد إلى الرعب التقليدي، خصوصاً في محاولات حماية الوحش من المجتمع بدلاً من فعل العكس.
فيلم كوهين (الملفات الخاصة لجيه. إدغار هوفر) The Private Files of J. Edgar Hoover (1977) يحمل عناصر مشابهة لأفلامه الأخرى: البطل المتوحش، ضحية المجتمع الذي أنتجه. ولكن من المحتمل أن يكون فيلمه (الشيطان DEMON) 1976 أكثر أفلامه طموحاً. فهو يدمج في هذا الفيلم الخيال العلمي للخمسينيات بأفلام الرعب الشيطاني في السبعينيات، ويهاجم المؤسسات الدينية الرأسمالية بالغرب في قصة تحكي عن علاقة بين غريبين: الأول شرطي تلقى تربية قمعية في ميتم كاثوليكي، الآخر مخنث، مخرب، يحسب نفسه مسيحاً، مهووس بعنف العهد القديم، ملوث بالثقافة الرأسمالية، ويأمل في إحراز الهدف النهائي في تدمير المجتمع.
إلا أن ثيمات فيلم (الشيطان) تبقى قاصرة عن التطور، في حين ان الفيلم الذي وجه، بنجاح، نقداً عنيفاً لأيديولوجية العائلة الكاثوليكية، كمصدر للذهان المكبوت، هو (المشاركة COMMUNION) 1976 للمخرج إلبرت سول، وهو فيلم يدين بالفضل لأفلام: (سايكو) ، و (ماذا حدث للطفلة جين ؟ WHAT EVER HAPPEND TO BABY JANE) و (لا تنظر الآن).
فيلم (المشاركة) يسلط الضوء على التحليل النفسي للجرائم الوحشية بكونها نتائج منطقية لمحيط المدينة المتفسخة، وللجذب والاستقراء الأيديولوجي للأنماط السلوكية، والكبت الجنسي الكاثوليكي.
في مشهد عائلي نرى ربة بيت مثبطة العزم وهي تقدم وجبة الطعام لعائلتها كبديل للإشباع الجنسي، وهو مشهد قريب من تقنية بياتريس أرثر مع زوجها ريتشارد كاستللينو في فيلم (عشاق وغرباء آخرون LOVERS AND OTHER STRANGERS ) 1970.
فيلم ( القيامة الآن APOCALYPSE NOW ) يحمل دلالات بصرية وموضوعية عديدة متصلة بأفلام الرعب، كتطابق هوية ويليارد / كيرتس عبر الفيلم. كيرتس المتوحش (مارلون براندو).
مخاوف البيوريتانية من عودة الأمريكيين إلى الوحشية. البواعث الغريبة. اعتراف ويليارد الأخير بقرابته لكيرتس.
لكل من ويس كرافن، بوب كلارك، وجورج روميرو رؤية مستقلة للمأزق في فيتنام. ومع ان فيلم ويس كرافن (آخر بيت على اليسار) منع عرضه في بريطانيا، واقتطعت الرقابة في أمريكا أجزاء منه، إلا انه يعد تحفة فنية منسية.
يصور هذا الفيلم الغرائبي فتاتين تتعرضان لذبح وحشي على أيدي عائلة إجرامية. ويشيد كرافن عملاً معقداً، ينسب فيما بعد إلى الموقف من حرب فيتنام. ففي الوقت الذي ترفض فيه أمريكا المعاصرة تصديق شرورها إلى حد شناعة أمثال كيرتس، يوحي كرافن بأن أورغاسم العنف كان متجذراً في التراث الأمريكي.
عائلة ستيللو الإجرامية، التي تخطف الفتاتين، تمثل الرغبات المكبوتة لأحد أبوي الفتاتين في الإذلال والتعذيب والقتل. ولكن عائلة ستيللو إنسانية مثلما هي متوحشة، وهي واعية لوحشيتها المقرفة، وشخصياتها تشعر بتطابقها حتى في وحشيتها. لذا فإن الانتقام الوحشي الذي يتعرضون له على يد الآباء المحرومين (يستخدم الأب منشاراً آلياً ) لا قيمة تنفيسية له.
أخلاقيات الحضارة تنهار. والسوي يصبح متوحشاً، والوحوش تلعب دور الضحايا التي تثير التعاطف. ان العنف مطمورٌ داخلنا . وكرافن لا ينتقد الجيل الراشد فحسب بل ينتقد أيضاً الجيل الأقل سناً، الذي انغمس في العنف مثل أقرانهم في فيتنام، عكس ما كان متوقعاً من إنهم ضد العنف.
في فيلم (التلال لها عيون) يستخدم كرافن، بوعي أكبر، ثيمات (آخر بيت على اليسار) في حكاية عن أفراد عائلة يخرجون لقضاء العطلة ويحاصرون في عربتهم المقطورة من قبل مجموعة متفسخة من آكلي لحوم البشر تعيش في منطقة مهجورة خاصة بتجارب تفجير القنابل.
هذا الفيلم مركب أيضاً على التضاد بين الاستواء والوحشية، وهو وثيق الصلة بالتفاوت بين الفقر / الثروة في أمريكا وفي العالم الثالث.
في سياق هذا الكلام فان فيلم (السمك الضاري) من إنتاج روجر كورمان 1978 هو أكثر راديكالية وموضوعية من سلفه (الفك المفترس). يروي الفيلم حكاية جماعة أمريكية تتعرض للهجوم من قبل أسماك ضارية ممسوخة، تم تربيتها من قبل الحكومة لاستخدامها في الحرب الفيتنامية، التي خسرتها الآن، وهي فكرة مستمدة بوضوح من إحدى الحوادث التي سجلها مايكل هير في كتابه “التقرير”.
ينتقد فيلم (السمك الضاري) بعمق أكثر، وطنانة أقل من (الفك المفترس) العلماء الراضون عن أنفسهم، والمؤسسات العسكرية الفاسدة.
فيلم بوب كلارك ( أموات الليل DEAD OF NIGHT ) 1972 ينتقد بوضوح العائلة كمصدر للوحشية في فيتنام. فهو ينسب الحرب إلى الإمبريالية الأمريكية والعائلة.
يعود ويليد إلى الحياة بواسطة أمه (لين كارلين)، الإبن يعود من فيتنام كزومبي متفسخ، يمص الدماء ليثأر لنفسه من العائلة، ومن رموز السلطة.
ويصوّر الفيلم الفساد المتأصل في العائلة: أب سلبي (جون مارلي) ممتعض من وجود الابن التي تشغف زوجته به، أم مخنوقة، ابنة ذليلة، وابن ضحية بيئته (مثل شخصية روميرو الرئيسية في فيلم “ مارتن “ وطفل لاري كوهين المتوحش) ، يعود من فيتنام التي كانت ملاذاً له من رفض أمه لقبول المسئولية عن وضعه الحالي.
فيلم بوب كلارك التالي (عيد الميلاد الأسود BLACK CHRISTMAS) 1974 يسبر جنون الارتياب لدى قاتل كاره للنساء وللاستعباد الأيديولوجي في الزواج والعائلة التي لم تعد مناسبة في المجتمع المعاصر.
فيلم جورج روميرو، المجازي عن فيتنام ( المجانين THE CRAZIES) 1973 يبدأ بمشهد عائلة مدمرة تذكرنا بفيلمه (ليلة الأموات الأحياء) 1969، ويواصل من ثم تصوير أمريكا وهي في حالة تشويش وانهيار، فحين تتمكن فيروسات الحرب البيولوجية من التحرر نتيجة حادث فان الجيش يتحرك لاحتواء الوضع، ويبدأ في فصل المجانين الملوثين عن أولئك المفترض إنهم عقلاء غير ملوثين.
الجنون هنا هو نتيجة المحرمات الخطيرة الكامنة التي تبرز في العلاقة بين المشهد الافتتاحي، والعائلة الخاضعة الهائمة في الفيلم. فالفيلم يبدأ بصبي صغير يرهب أخته بإدعاء انه وحش، قبل أن يزعجه أبوه الذي قتل زوجته، وبدأ في تدمير البيت. الأب والابنة، في الفيلم، يمثلان الرغائب المحرومة المتبادلة في وسط اجتماعي متفسخ.
صور فيلم (المجانين) في منطقة بيتسبرغ، مثل كل أفلام روميرو الأخرى، ويحاول في هذا الفيلم اختبار المعاني المجازية للرعب، وصلته بالأبعاد الراديكالية في الواقع. شخصياته تستطيع النجاة حتى الآن، وتستطيع تجاوز محدودية بيئتها والتحرك باضطراد إلى الأمام.
في فيلميه ( امرأة جاك JACK’S WIFE) 1972 و (مارتن) 1976 يطرق روميرو أبواب هذا المأزق في أشكال مختلفة. فبطلة الفيلم الأول امرأة ضجرة، ربة بيت من بيتسبرغ، مكبوتة من قبل المجتمع البطريركي، تنغمس في السحر كمهرب من أوضاعها.
إلا ان تورطها الفانتازي هو اختلاق محرف لمشاكلها الحقيقية، وهي تعطي الروح المألوفة عندها اسم ” فيراغو ” كاسم له دلالة. وبدلاً من الاعتراف بالجذور الحقيقية لمشاكلها فانها تنسحب إلى الفاتنازيا، والمسائل الفوق طبيعية. ومع إنها تتحرر من زوجها الجائر في ذروة الفيلم، إلا ان الفيلم يبين بوضوح ان شكلاً من أشكال الحيل أستبدل بآخر.
ومثل (أموات الليل) تدور ثيمة فيلم (مارتن) حول مصاص دماء شاب كنتاج للثقافة المحيطة به، يتبناه قريبه المجنون كودا (لينكولن مازل) ويقدر ان عمر مارتن مصاص الدماء (جون امبلاس) يصل إلى 84 سنة. وهو، مثل نورمان بيتس، سيكوباتي جنسي، يهاجم الإناث ليمتص دمائهن.
وضع أعاد خلقه باستخدام مواهبه وخياله الجامح في الظهور بمظهر أفلام يونيفرسال القديمة. ولكنه، مثل غيره، ضحية انحراف المجتمع الصناعي، والاستغلال الذي يمارسه عليه كودا، وربة البيت الضجرة التي تستغله جسدياً كتسلية لها، ومعلق الراديو الباحث عن الإثارة، والذي يتقصى مواهب مارتن مصاص الدماء. وحين يبدأ مارتن التعرف على حقيقة ورطته يسدد إليه كودا، بوحشية، وتداً في قلبه.
فيلم (الأموات الأحياء: فجر الأموات ZOMBIES : DAWN OF THE DEAD ) 1978 هو الجزء الثاني من الثلاثية التي من المفترض انها بدأت بفيلم (ليلة الأموات الأحياء). في هذا الفيلم يطور روميرو، ببراعة، أسس الفيلم الأول، ويبدأ بمشهد تليفزيوني حيث يبدو واضحاً ان الأموات الأحياء على وشك الاستيلاء على المجتمع. وبخلاف (ليلة الأموات الأحياء) فهذا الفيلم لا يحمل أي تفسير منطقي لظهور الأموات الأحياء، ولكن من الواضح انهم، مجازياً، يمثلون الأغبياء الموالين للمجتمع الاستهلاكي.
يصور الفيلم هروب أربعة أشخاص، اثنان من رجال سوات (1) وستيف، مخطط الطرق (ديفيد أمجي)، وصديقته فران (جايلين روس) في هليكوبتر بعيداً عن التشوش، ويحطون على أرض مجمع تجاري (مونروفيال مال، خارج بيتسبرغ) ، والمكتظ بالأموات الأحياء الذين احتلوا، غريزياً، منطقة كانت ذات يوم ” مكاناً مهماً في حياتهم “.
ومع ان المجموعة تحتل المجمع، وتطهره من الأموات الأحياء، إلا انها تتلوث بالاستهلاك الجشع الذي يؤثر على سلوكهم. وحين يصبحون في وضع امتلاك الثروة المادية فان كل الأنماط السلوكية الرأسمالية التقليدية تنهار. ويمكن رؤية التماثل الكامن بين المجموعة وبين الأموات الأحياء في الجزء الأخير من الفيلم حين يحاولون الدفاع عن المجتمع من غزو عصابة من راكبي الدراجات النارية.
ومع ان الفيلم ينتهي بسيطرة الأموات الأحياء، ومقتل اثنين من المجموعة، إلا ان هناك إشارة ضعيفة إلى بداية تأسيس مجتمع جديد يجسده نجاة الرجل والمرأة.
أكثر أفلام روميرو دينامية هو الفيلم الوثائقي الذي صوره في السراديب المستترة في منطقة بيتسبرغ، هذا الفيلم مدته 25 دقيقة وأخرجه لحساب مجموعة دينية في عام 1972.
ومع ان الفيلم كان مخططاً له أن يكون وسيلة لجمع التبرعات لتحسين أوضاع المسنين، إلا ان روميرو بنى فيلماً وثائقياً راديكالياً انتقد فيه بصراحة معالجة أمريكا المادية المرعبة لأوضاع المواطنين المسنين.
يبدأ فيلم ( حديقة الملاهي THE AMUSEMENT PARK ) بحجرة بيضاء نرى فيها رجلاً مسناً (لينكولن مازل) يحاور صديقاً يحاول بإصرار منعه من مغامرة الخروج إلى العالم الآخر. لكن المسن يتجاهل التحذير ويدخل إلى حديقة الملاهي، التي تمثل، مجازاً، أنانية أمريكا. ويتعرض هناك للاحتقار والاستغلال والإذلال وسوء الفهم كما لو كان طفلاً مزعجاً. مجموعات متعددة تسلبه وتضربه: زوجان غير متفاهمين / رجل مسن / شاب مرعوب يري فيه ما سيكون هو عليه / رجال متملقون/ ملائكة الجحيم.
يعود إلى الحجرة غاضباً والدماء تنزف منه، يقابل مسناً آخر يحاول أن يغامر بالخروج من السرداب.
كان على روميرو أن يضع بداية ونهاية معتدلة (كتلك التي في فيلم ” غزو ناهشي الجسد “) ، ومع ذلك فقد منع عرض الفيلم بحجة انه ” صعب جدا “. ان هذا الفيلم القصير هو أحد أهم الأفلام المقلقة التي استخدمت الفانتازيا في فيلم وثائقي اجتماعي، ولابد من ضرورة عرضه جماهيرياً.
على الرغم من الإطراء الحالي على أفلام جون كاربنتر، إلا انها مخيبة للآمال. ففي الوقت الذي يعي فيه كاربنتر للوشيجة بين القديم والجديد في هوليوود، فانه يرفض إدراج أية مضامين في أعماله.
ففي فيلم ( هجوم على الضاحية 13) 1976 الذي دمج فيه، بذكاءٍ، فيلمي (ريو برافو) و (ليلة الأموات الأحياء) ، يقوض أهمية الصراع المركزي بتقديمه الشباب الماركسي البديل، الذي يطلق على نفسه ” هدير الشوارع ” كوحوش غير مميزة.
وعلى الرغم من التقنية العالية في مشهد افتتاحية فيلم (هالووين HALLOWEEN ) 1978 ، والافتقار إلى الوعي الأيديولوجي، فان لا شيء يعوض تفاهة هذا الفيلم، مثله مثل فيلم ( الغريب ALIEN ) 1979.
فيلم (هالووين) ينتمي إلى الموجة الجديدة من أفلام الرعب الرجعية، التي لا تجد فيها أية محاولة لفهم مضامين الوحوش، بل إنها على العكس تصور الرعب كما لو إنه شرٌ مطلق.
فليست في الفيلم أية محاولة لاستكشاف جذور علم النفس المرضي لمايكل، بينما يصف ناقد شخصية النفساني دونالد بليسنز على إنها ” من أكثر الأمثلة السيئة في تصوير هوليوود لطريقة التحليل النفسي كأداة من أدوات القمع “. (روبن وود) .
فيلم ( المؤثرات EFFECTS) لديستي ميللر 1978 عرض في مهرجان أدنبره السينمائي، ولكنه لا يزال بانتظار من يوزعه، وهو فيلم ذكي ينتمي إلى أفلام رعب السبعينيات، ويبشر باتجاهات جديدة لهذا النمط .
حبكة الفيلم تدور حول مخرج ينفذ فيلماً مرعباً، بطريقة غامضة، إذ يحوّل ممثليه، دون معرفة منهم، إلى نجوم في فيلم إجرامي عنيف. إنه فيلمٌ يتطلب انتباها شديداً، فهو يدور على ثلاثة محاور من تصوير الفيلم داخل الفيلم، فالمخرج (جون هاريسون) ينفذ فيلماً، عن طريق كاميرا فيديو مخفية، يكون هو فيه آخر الناجين ليعرض كفيلم رعب، في حين ان الممثلين والطاقم يعرفون الشيء البسيط عما يدور حولهم. المصور والبطلة يعرفان أقل، بينما زوج البطلة والمستخدم يعرفان أكثر.
فيلم (المؤثرات) ذو بناءٍ معقد، استفاد من (طارد الأرواح الشريرة) وروميرو، وأفلام أخرى، وهو عمل هام بالنسبة لأفلام الرعب.
أوراق سينمائية (نادي البحرين للسينما) في 1 يناير 1987
المصدر:
مجلة FOCUS ON FILM – العدد 36 – 1980 .
هوامش:
1 – سوات : كلمة مختصرة للتعريف بفرقة” الأسلحة الإستراتيجية والتكتيكية” التابعة التابعة للبوليس الأمريكي، والتي تستخدم في التعامل مع الحالات التي يصعب على البوليس لعادي حلها. شكلت الفرقة في الستينيات لمكافحة الشغب والمظاهرات المعادية للحرب. فيلم (الأموات الأحياء: فجر الأموات) لا يشير صراحة إلى ان روجر وبيتر من أعضاء هذه الفرقة، إلا ان وضعهما يشير إلى ذلك ضمناً، كما ان هناك تحديداً في السيناريو الأصلي والقصة على انهما عضوان في ” سوات “.