دمشق-سانا
يحجز التشكيلي الدكتور بطرس المعري لنفسه مكانا خاصا في الحركة التشكيلية السورية بما يقدمه من أعمال تستقي أسلوبها من الفن التراثي الشعبي المخلوط برؤية فنية تعبيرية حداثية تظهر فيها بصمات الحفار الغرافيكي وتلعب فيها الكلمة دورا مهما ما يشكل لوحة فريدة لها جمهورها المنوع محققا المعادلة الصعبة في جمع هذا الكم من الجمهور وكسر الحاجز المعرفي والثقافي بين الإنسان العادي والفن التشكيلي المتهم بتوجهه إلى النخبة في المجتمع العربي.
وعن علاقته بعمله الفني يقول المعري في حديث لـ سانا: “لأن اللوحة وسيلتي للتعبير تأخذ من جهدي وتفكيري أغلب الوقت والجزء الأكبر من مشروعي الفني الثقافي فهي تقع في أول اهتماماتي ليأتي من بعدها الكتابة النقدية في الفن التشكيلي ولا سيما المحلي ومن ثم رسم الكاريكاتير والكتابة في الفن التشكيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويتابع المعري: “وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة لنقل وتبادل الأفكار على كل الصعد والمجالات وفيها يمكن مخاطبة الشريحة الكبيرة من الشباب الذين يجب محاورتهم والإصغاء إلى أفكارهم ومتطلباتهم” معتبرا أن هذه الوسائل تجتذب الشباب أكثر من صالات الفن التشكيلي والمعارض والمقالات.
الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة التي ينشرها المعري عبر صفحته على الفيسبوك أو في الصحف ترتبط مواضيعها بالدمار والبشاعة والخوف كمنعكسات لما يحيط بنا من إرهاب إلى جانب الحنين إلى مدينة دمشق القديمة كهروب من التفكير مما يحدث الآن.
المعري الذي يعمل باستمرار على تطوير أدواته ومواكبة كل جديد من خلال البحث عن مواضيع وأساليب جديدة للتعبير عن أفكاره يوضح أنه يتواصل مع الجمهور التشكيلي عبر الاعتماد على موروثنا الفني المحلي وثقافتنا الشعبية من أجل خلق فن تشكيلي معاصر واقناع الوسط التشكيلي أن باستطاعة البساطة بناء فن حقيقي.
ويلفت إلى أن لوحته تتكلم بلسان الإنسان العادي وتحمل همومه من غير فلسفة عصية على الفهم لتكون اللوحة عملا فنيا تتذوقه العامة ويلامس ذائقتها لتتفاعل معه بعيدا عن التوجه للنخبة فقط.
ويوضح المدرس السابق في كلية الفنون الجميلة أن اللوحة حصيلة خبرة وممارسة عملية تتراكم مع الوقت لدى الفنان وهي صدى لثقافته واهتماماته وهمومه وهواجسه مشيرا إلى أن لوحته تأتي حصيلة لتخصصه بفن الحفر والطباعة وممارسته فن التصوير والغرافيك التجاري واطلاعه على الفنون الحديثة والمعاصرة المتعددة.
ويقول: “دراستي النظرية للفنون الشعبية في منطقتنا العربية وتعرفي على أعلامها ومفرداتها وخصائصها ومنطقها الفني والبصري جعل لوحتي تنهل من هذه الفنون مع الاستفادة من تأثيرات الفنون التشكيلية والبصرية الأخرى لإخراج هذه الفنون بقالب معاصر”.
ويؤكد المعري أنه ابن بيئته وثقافته المحلية بالمقام الأول وينطلق من ذاته ليكون عمله الفني أصيلا مبينا أن لوحاته ليست تطويرا للفنون التراثية فحسب ويقول: “المنطق والأسلوب اللذان أستخدمهما في بناء عملي الفني لا ينتميان إلى فنوننا القديمة ولكنني استمد منهما مفردات وأفكارا تناسب ما أريد القيام به في الشكل والفكرة”.
ويهدف المعري من خلال عمله الفني إلى مخاطبة العامة لذلك يلجأ إلى التبسيط وإلى سرد الحكايات التي يحبها الجميع وتأتي بعض الكلمات والعبارات أحياناً كحلول تشكيلية من ضمن نسيج اللوحة وأحيانا كشرح مفردات للقصة كما يفعل الفنان الشعبي.
المعري الذي عرض نتاجه الفني المنجز خلال العامين الماضيين مؤخرا في صالة تجليات بدمشق يرى أنه “لا يمكن حاليا تقييم حالة السوق الفنية لدينا بحكم الظروف التي يمر بها البلد” مشيرا إلى أن “بعض صالات العرض ذات الإمكانات المالية القوية تقوم بنشاطات تتبنى من خلالها مواهب معينة وربما أشباه مواهب ليصبحوا نجوما في مجالهم وتعمل على تسويقهم ورفع أسعار أعمالهم وربما تعتم على مواهب أخرى بهذا الشكل”.
ويقول: “يخضع الفنان اليوم لشروط السوق واللعبة التسويقية التي صارت في كثير من الأحيان ليست بيده ولا بيد المؤسسات الثقافية الرسمية التي ينتمي إليها والتي بدورها تقدم الدعم والمساعدة ضمن إمكانياتها المحدودة ولكنها لا تستطيع ضبط السوق الفنية لخير جميع الفنانين من دون استثناء”.
ويتابع المعري: “تشجيع الفنانين يكون من خلال إقامة ورشات العمل والمعارض الجماعية وتسهيل استيراد المواد الفنية أو بناء مراسم وتأجيرها للفنانين بمبالغ زهيدة والأهم تقديم ضمان صحي أو تقاعدي للفنان التشكيلي”.
ويوضح ابن مدينة دمشق أن على عاتق المؤسسات التعليمية الفنية الرسمية عملية التطوير من ناحية التأكيد على التعليم أو المنهاج الأكاديمي الفني الرصين كأساس لا غنى عنه ومن ثم فتح باب الحرية للطلاب الفنانين في
اختيار أساليبهم الفنية وطرق تعبيرهم التي يرونها تناسبهم.
ويقول: “على طالب الفنون الجميلة أن يتقن رسم الأشخاص مباشرة عن طريق الموديل العاري للإنسان بطريقة أقرب إلى التناسق وبذلك ندرس الفن بشكله الصحيح بعيدا عن الأفكار المناقضة للحالة الإبداعية”.
ويجد المعري ضرورة في الحوار مع جيل الفنانين الشباب لأنه يمر بمخاض كبير على صعيد تطور الفنون المتسارع والتي تستفيد من التطور الرقمي ومن التكنولوجيا الحديثة إلى جانب المخاض الفكري والسياسي الذي تمر به المنطقة والعالم أجمع.
ويعبر المعري عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري بالقول: “مع وجود من يتعلم الفن ويعمل وينتج خلاله سيؤدي ذلك إلى ظهور إبداع سوري” معتبرا أن وجود مجموعة من المواهب الفنية الشابة المبشرة لا يكفي وعلينا بالمقابل اعداد كوادر من المدرسين ممن تخصصوا في الفنون البصرية الحديثة للحاق بالركب الفني عالميا.
والفنان بطرس المعري من مواليد دمشق عام 1968 حاصل على الإجازة في الفنون الجميلة قسم الحفر وعين معيدا في كلية الفنون الجميلة عام 1995 وحصل على دبلوم الدراسات المعمقة وبعدها شهادة الدكتوراه بدرجة مشرف جداً مع التهنئة من باريس وله كتابات في الفن وعمل في مجال الغرافيك والإعلان وفي رسومات المجلات والكتب.
محمد سمير طحان