مصور حربي سوري: الكاميرا كانت درعي الواقي
أُطلق عليه الرصاص واعتُقل من طرف تنظيم “داعش” وفقد أعضاء من عائلته. ورغم كل ذلك تابع كرم المصري تصوير مشاهد الوحشية في حلب. واليوم هو يعيش في الملجأ بفرنسا، ولا يقدر على التخلص من رؤية تلك الصور.
انهارعندما كان مجبرا لأول مرة على رؤية رجل فقد ساقيه بعد هجوم جوي، يتذكر كرم المصري. ففي ذلك اليوم لم يتمكن من أخذ صور.
ورغم الصدمة وجد المصور الشاب طريقا في التعامل مع إراقة الدماء. ففي السنوات اللاحقة قام بتوثيق الواقع الصعب في حلب. المدينة التي ترعرع فيها، يلحظ المرء اليوم رمز وحشية الحرب الأهلية السورية. “لم أعد أنظر مباشرة إلى الأطفال المصابين والجثث الهامدة. فآلة التصوير كانت بيننا، لقد قمت بحماية نفسي”. ويضيف كرم المصري:”آلة التصوير كانت درعي الواقية”.
الثورة عوض الحقوق
كرم المصري يبلغ من العمر اليوم 25 عاما، وهو إبن ابوين عملا في قطاع التعليم. وهو لم يكن ينوي العمل كمصور، لكن صوره حول أحداث الحرب في حلب نُشرت على مستوى العالم على صفحات الصحف. وعندما استولى متمردو الجيش السوري الحر في 2012 على أجزاء كبيرة في حلب، كان المصري طالبا في شعبة الحقوق. وخضع الجزء الشرقي للمدينة الذي كبر فيه لسيطرة المتمردين حين تخلى المصري عن الدراسة وشرع في التقاط صور وتسجيل فيديوهات لعمليات القتال والهجمات بالقنابل عبر هاتفه النقال. وأرسلها إلى قنوات تلفزة عربية. ويقول اليوم:”مدرسة الثورة كانت مثيرة أكثر من الجامعة”.
وفي أحد الأيام جلب المصري اهتمام وكالة الأنباء الفرنسية التي لم يكن لها مثل غالبية وسائل الإعلام الغربية مصورون أو مراسلون في عين المكان، لأنّ الوضع أصبح خطيرا في سوريا، ورجال الإعلام مهددون بالقتل أو الاعتقال من قبل ما يسمى تنظيم داعش ومجموعات راديكالية أخرى.
واشترت منه وكالة الأنباء الفرنسية صورا وفيديوهات، واقتنى كرم المصري بعدها آلة تصوير احترافية. وبمرور الوقت أصبح مصورا مطلوبا. لكن من يتجول بآلة تصوير مكلفة عبر حلب المحاصرة يثير بالطبع الاهتمام. وعندما غزا تنظيم “داعش” المدينة في نوفمبر 2013 اعتقلوا المصري الذي حامت حوله الشبهات كشخص يتجول ويصور في كل مكان.
في مخالب تنظيم “داعش”
لم تكن المرة الأولى التي اعتُقل فيها المصري، ففي 2011 عندما هزت أحداث الربيع العربي العالم العربي، اعتقلته السلطات الحكومية لمدة شهر بسبب تعليقاته المعادية للدولة على موقع فيسبوك. ويتذكر المصري بأن “عمه تدخل بإرشاء حراس السجن كي لا يكون التعذيب قاسيا”.
وبسبب الجوع والعطش خلال الاعتقال نسي المصري مشاعر الخوف. ومع طرد تنظيم “داعش” من حلب في بداية 2014 اخذوا معهم السجناء إلى بلدة الباب القريبة. وهناك علم المصري أن والدته توفيت بسبب برميل متفجر سقط فوق بيتها.
وأطلق سراح المصري عندما أصدر “داعش” عفوا عن السجناء، ورجع إلى حلب المدمرة التي هجرها أعضاء العائلة والأصدقاء الذين مازالوا على قيد الحياة. وانهمك المصري في العمل، وانطلق يصور يوميا مشاهد الاقتتال في الشوارع وأجساد الرجال والنساء والأطفال المشوهة ودمار القصف من قبل الحكومة السورية في البداية وبعدها من قبل الروس. “كل صورة أخذتها تجذرت في ذاكرتي”، يقول المصري الذي أضاف:”أعرفها بدقة ويمكن لي وصف الظروف التي أخذت فيها الصور”.
وفي ديسمبر 2016 عندما استولى الجيش السوري على المدينة وأخلى سبيل آلاف المدنيين والمقاتلين ..وترك المصري أيضا حلب.
وبمساعدة وكالة الأنباء الفرنسية تمكن المصري من الهرب إلى فرنسا حيث طلب حق اللجوء. ولا يحق له بعد العمل، لأنّ عليه أولا جمع الوثائق الضرورية. لكن كرم المصري يدرك ماذا يريد أن يفعل:”أرغب في التصوير مجددا في عين المكان”.
روري مولهولاند/ م.أ.م