توماس دورزاك: Selfie أفغاني
رحلة طويلة أمضاها بين الحروب والمآسي. كتابه «طالبان» منع في دول عدّة بعدما عرّى الصور النمطية التي سوِّقت الشعب الأفغاني بعد اعتداءات 11 سبتمبر. واليوم، ينكبّ المصوّر الألماني على مشروع جديد في الذكرى المئة للحرب العالمية الأولى
تولوز | في عام 2000، التحق المصور الألماني توماس دورزاك (1972) بوكالة «ماغنوم» للتصوير الفوتوغرافي، قبل أن يصبح عضواً فيها عام 2004، في الوقت الذي أصدر فيه كتابه الأوّل «طالبان». يصف دورزاك كتابه بأنّه «مولود بالصدفة». ورغم أهميته الفنية والثقافية والتوثيقيّة، إلا أنّه لم يلق رواجاً عالمياً. ذلك لأن طباعته منعت في عدد من المدن الأوروبية، حتى في نيويورك المعروفة بـ«انفتاحها وترويجها للفن المعاصر». بعد اعتداءات ١١ سبتمبر 2001، انتشرت صورة نمطية للرجل الأفغاني بوصفه «عدو أميركا والعالم». صار هذا الرجل يقود سيارة «بيك_أب» قديمة فقط، مقلداً بالأسلحة و«الهمجية». هكذا، وضعت «الميديا» زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وحركة «طالبان»، والشعب الأفغاني في سلّة واحدة.
في نظر «الغرب» اليوم، فإنّ «طالبان» تمثّل «القاعدة»، و«القاعدة» تمثل أفغانستان. والشعب الأفغاني بأسره عبارة عن جماعات متطرفة وإرهابية، متخلّفة ورجعية. لكن للمصور الألماني رأي آخر، وقد سعى إلى تقديم «البعبع» الأفغاني المنحدر من قبائل البشتون (البتان) بطريقة مختلفة في كتابه «طالبان». خلال إقامته في فندق في قندهار أثناء تغطية الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، حصل دورزاك على صور كناية عن بورتريهات لرجال وشبان أفغان كحيلي الأعين، ينتعلون صندلاً جلدياً بكعبٍ عال بعض الشيء، حتى أنّ هناك مَن يحمل زهوراً ويحرص على الوقوف بوضعية جميلة أمام خلفيات ملونة وفرحة. قال الفوتوغرافي الألماني إنّه عثر على الصور في استديو «صحاح زاداه» القريب من الفندق، قبل أن يشتريها مقابل ٢٠ و٤٠ دولاراً أميركياً. لم يكترث صاحب الاستديو لأمر بيعها، فهي لا تعني له شيئاً. وبالنسبة إلى رجال «طالبان»، فإنّ أي تصوير أو تجسيد للوجه الإنساني محرم. لهذا، أغلقوا الاستديو مراراً وأعادوا فتحه لتصوير محاربين أفغان وقفوا لفترة أمام العدسة كعارضي أزياء محترفين.
تظهر الصور الفوتوغرافية في الكتاب وجهاً بعيداً جداً عما نعرفه عن رجال «طالبان». يقفون متبرجين بينما يحملون الورود البلاستيكية أو الأسلحة، ويحرصون على الوقوف بطريقة ملفتة ويختارون خلفيات الصورة بعناية تزيد الصورة جمالاً وفتنة. ووفق صاحب الاستديو سعيد كمال، فإنّ هؤلاء الرجال لم يعودوا يوماً لاسترجاع صورهم. يعتقد المصور الألماني أنهم قتلوا أثناء قصف الجيش الأميركي لأفغانستان، فقد حاول مراراً إرسال الصور لعلّه يجد رداً من أحدهم، وقام أيضاً بإرسال الكتاب بعد طباعته لكن بلا جدوى. لاقى دورزاك صعوبة في نشر كتابه وانتُقدَ بشدة في أوروبا كونه «انتهك حرمة هؤلاء الأفغان وكرامتهم». بعضهم تساءل «كيف لك أن تلبسهم بهذا الشكل؟» لاعتقادهم أن دورزاك هو الذي طلب منهم أن يرتدوا أفضل ما لديهم ويتبرجوا ويقفوا أمام العدسة بهذه الوضعيات غير المألوفة. وطبعاً، مُنع الكتاب في نيويورك التي لم تستطع تحمّل عرض وجه أفغاني جميل، كان سبباً ــ برأي السائد ــ في وقوع تفجيرات ٩/١١! لم تجد الصور رواجاً إلا بين المثليين في أنحاء العالم، إذ طُبعت في ألمانيا من قبل مطبعة متخصّصة في قضايا المثليين. لا يتفهم دورزاك ردة الفعل هذه، خصوصاً أنه حصل على الصور عن طريق المصادفة وقرر الاحتفاظ بها كي لا تضيع نظراً إلى أهميتها بالنسبة إليه.
غطى دورزاك الحروب في العديد من البلدان، خصوصاً في دول الاتحاد السوفياتي السابق والشرق الأوسط وأفريقيا. اليوم، لا يزال يمضي معظم أوقاته في القوقاز. كتابه الجديد «ما خلف سوتشي» (2014)، أنجز لحساب «ناشونال جيوغرافيك» نتيجة رحلات عدة قام بها إلى شمال القوقاز ومنطقة سوتشي، حيث أقيمت الألعاب الأولمبية الشتوية. كما طبع عملاً شبيهاً بكتابه عن «طالبان» إذ اقتصر عمله على جمع الصور فقط. عشية انتخاب البابا فرانسيس عام 2013، زار دورزاك انستغرام وعثر على «تيار بصري كبير»، فتتبع بعض الـ«هاشتاغز» عن مواضيع مختلفة، وقام بجمع الصور. انطلاقاً من هذه الاهتمامات، يصف دورزاك نفسه بأنه «مصوّر» و«مقتنٍ للصور» وجامع لها. زار هذا الفنان ليبيا ومصر ولبنان وغيرها في رحلات خاطفة، ومكث لسنوات في العراق لتغطية الحرب هناك. كان يلتقط صور الجرحى والمصابين والممرضين والأطباء، ما ألهمه طباعة كتاب بعنوان M*A*S*H Iraq مستوحياً الاسم من المسلسل الأميركي «ماش» (1970) الذي يدور حول فريق طبي يجد في الضحك علاجاً لحالته خلال مشاركته في الحرب الكورية. يقول دورزاك إنه يلتقط جميع صوره في لحظتها ولهذا «يعتمد على الحظ كثيراً». وهو اليوم مشغول بمشروع يجسد مرور مئة عام على الحرب العالمية الأولى.