خليل الذوادي
مصور زوجوا بناتكم
إنه أحد رواد التصوير الفوتوغرافي الضوئي في البحرين، محل صغير من محلات سوق المنامة، تجاوره دكاكين تعج بالبضائع المختلفة والتي يحتاج إليها المواطن في ذلك الزمن؛ ليس ببعيد عن سوق السمك القديم، وليس بمستغرب أن تجد جميع رجال ونساء وأطفال البحرين في تلك المنطقة من المدن والقرى. العم عبدالله مبارك صاحب استديو «الأفراح» للتصوير الضوئي الذي كان آباؤنا يصطحبوننا معهم للتصوير عنده وكان يحلو لنا أن نسميه بالعم وكان هو يؤثرنا فيدعونا بأبنائه وكانت تنمو بينه وبين زبائنه علاقة وثيقة، هو يستفيد وفي نفس الوقت يرضي طموحه ورغبته في كسب أصدقاء جدد ويمارس هوايته وحرفته بكل حب وتفاني ورغبة في الجودة والإتقان لا يهم إذا رغبت في التصوير باللباس التقليدي فستجد عند المصور عبدالله مبارك الغترة والعقال، وحتى إذا رغب الصغار «الشطفة» فهي أيضاً موجودة أما إذا رغبت في أن تكون بالملابس الغربية أو كما يسمونها المصريين «بالأفندية» فستجد عند المصور عبدالله مبارك المعطف «الكوت» والقميص، والكرافته وليس مهماً أن يكون مئات الناس قد لبسوا نفس اللباس، فالصورة ليست بالألوان وإنما هي بالأبيض والأسود «Black and White». عبدالله مبارك كان يقلقه تأخر سن الزواج، وكان محارباً على طريقته بالقضاء على العنوسة، ومحاربة غلاء المهور، وكان يعتبر الإحجام عن الزواج بمثابة المفسدة ولذلك فقد عشق عبارة «زوجوا بناتكم» ولم يكن من المستغرب أن أصبح الناس يعرفونه بمصور «زوجوا بناتكم» فقد أصبحت هذه العبارة هي علامته التجارية المميزة ولا أدري إن كان قد سجلها في الغرفة التجارية في البحرين آنذاك، ولكنها ظلت لصيقة باستديو «الأفراح» لصاحبه عبدالله مبارك. عندما أصبحنا على مشارف الشهادة الإبتدائية طلب منا التصوير الشخصي للحصول على شهادة إتمام الدراسة الإبتدائية وكان الحل هو الذهاب إلى المنامة من البديع لأخذ الصورة أما من استديو «الأفراح» لعبدالله مبارك أو أستديو «الهلال» لخليل إبراهيم او استديو «الأندلس» لعبدالله جابر أو استديو «خلفان» لحسن خلفان أو «استديو إعجاز» أو «استديو شير» أو «استديو جنرال استور» لعائلة شكيب واستديو «البحرين» ليوسف أحمد وكانت الاستديوهات متجاورة تقريباً وبعضها يبعد قليلاً وكانوا يتعاونون خصوصاً وقت الزحمة ووجود أعداد من الطلبة الراغبين في التصوير، فالخيارات متاحة والمستويات تقريبا متقاربة. المصور «زوجوا بناتكم» كان دائم الإبتسام، سريع البديهة، صاحب طرفة حسن التصرف والمصورون الآخرون كانوا على درجة أيضاً كبيرة من الخلق ولم يكونوا يغارون من بعضهم، وإن كانوا يظهرون تميزهم وإستعدادهم لتقديم الأفضل، وهذا أمر مشروع في المهن المماثلة والتي يكون فيها التنافس شريفاً. وبعض المصورين كما يقول بذلك المصور عبدالله جابر وهو أحدهم قد تدربوا في استديو الظهران بالمملكة العربية السعودية لصاحبيه الفنان المصور يوسف قاسم والفنان جاسم العمران وكانا رائدين في التصوير الفوتوغرافي. أوصاني الوالد يرحمه الله بأن أصور عند عبدالله مبارك، لأنه كان زبوناً دائماً عنده، وكان الوالد يحرص على أن يأخذ المصور «زوجوا بناتكم» صورة عائلية لنا ونحتفظ بها في برواز في بيتنا بالبديع ونسخة منها في بيتنا بمدينة الحد والثالثة في بيتنا بقرية الجسرة. ذهبت مع أصدقاء الدراسة بمدرسة البديع الإبتدائية للبنين عصر أحد الأيام إلى استديو «الأفراح» بالمنامة، وهناك إلتقينا بعبدالله مبارك وكان يعرف بالضبط ما تحتاج إليه صورة شهادة إتمام الدراسة الإبتدائية، وزودنا باللباس اللازم، وأجلسنا على الكرسي المخصص وضبط الخلفية، وعدل من مواجهتنا للكاميرا، وأمرنا بالابتسام وما هي إلا لحظات وإذا بالكاميرا تعلن التقاط الصورة؛ بعد أن أضاء الكشاف اللازم، وتناوبنا التصوير وأعطانا موعداً آخر لاستلام الصور، ولا أتذكر بالضبط قيمة هذا التصوير لفرط فرحتنا وغبطتنا بالتصوير أولاً وبإعلان براءتنا من الدراسة الإبتدائية ثانياً وإستلام صك تخرجنا إن شاء الله ونحن نحمل شهادة إتمام الدراسة الإبتدائية وإستعداداً للذهاب إلى المدرسة الغربية بالمنامة للإلتحاق بالإعدادية. كان هذا هو حلم اليقظة الذي انتابنا ونحن في استديو «زوجوا بناتكم»، وذهبنا في اليوم الذي حدده المصور عبدالله مبارك وإذا بي أرى صورتي وأفرح بها ولكن كدر خاطري وجود ذبابة في خلفية الصورة، فقلت له يا عم «عبدالله» من أين أتت هذه الذبابة؟! فقال لي: هون عليك فإذا به يأخذ «الموس» الشفرة ويزيل بها الذبابة، وهو يبتسم وأخذ منا الضحك يومها مأخذه ورجوته أن احتفظ بأحد هذه الصور مع وجود الذبابة بالخلفية للذكرى، فلم يمانع جزاه الله خيراً في ذلك. المصور «زوجوا بناتكم» شخصية لا تنسى في مجتمعنا الآمن، فقد كان صديقاً للجميع وكان صاحب رسالة إنسانية ومجتمعية، ولا نملك إلا أن نترحم عليه وندعو الله له بالمغفرة والرضوان، فهو جزء من تاريخ التصوير الفوتوغرافي في بلادنا وجزء من تاريخ نسيجنا الاجتماعي والثقافي، وهؤلاء الرواد اسسوا للتصوير الفوتوغرافي وطوروا من إمكانياته وتعاملوا مع الألوان بحرفية وعشق، وإن كانوا يفضلون الأسود والأبيض ويعتبرون أن عصر التصوير الفوتوغرافي ذهب بذهاب الأسود والأبيض. وعلى الخير والمحبة نلتقي