كيف تعمل النانوتكنولوجي
Nanotechnology
تشهد أيامنا هذه تقاربا بين العلماء لم يسبق له مثيل لدراسة عالم متناهي في الصغر، لا نستطيع ان نراه حتى باستخدام أجهزة الميكروسكوب الضوئي. هذا العلم هو النانوتكنولوجي، انه عالم الذرات والتراكيب النانوية. النانوتكنولوجي علم جديد ولا احد يعلم ما سوف يترتب عليه. وبالرغم من ذلك، فان التوقعات تتراوح بين القدرة على انتتاج أشياء مثل الماس والمواد الغذائية وحتى الروبوتات النانوية.
من اجل فهم علم النانوتكنولوجي الغير اعتيادي، نحن بحاجة إلى معرفة الوحدات المستخدمة في قياس وتحديد أبعاد هذا العالم. السنتيمتر هو 1/100 من المتر، والمليمتر هو 1/1000 من المتر، والميكرومتر هو 1/1000,000 من المتر ولكن كل هذه المقاييس لا تزال كبيرة جدا بالمقارنة مع مقياس النانو. النانومتر والذي يرمز له بأول حرفين بالإنجليزية nm هو 1/1000,000,000 أي واحد في المليار من المتر، وهي اصغر من طول موجة الضوء المرئي واقل بمائة الف مرة من سمك شعرة الإنسان. وبقدرة الله عز وجل نجد ان كل شيء قد صنع في احسن صورة على مستوى جزيئي. على سبيل المثال أجسادنا هي تجميع من ملايين الخلايا الحية. يمكن تشبيه هذه الخلايا الحية بالآلات النانوية الطبيعية. وعلى المقياس النانوي يمكن ان نضع هذه الذرات مع بعض لبناء أي شيء.
في محاضرة بعنوان عجائب الدنيا الصغيرة: علم النانو (Small Wonders: The World of Nanoscience) قال الدكتور Horst Störmer الحائز على جائزة نوبل ان المقياس النانوي اكثر أهمية من المقياس الذري لان المقياس النانو هو أول نقطة منها تستطيع ان تبدأ بتجميع شيء ما— أي إنها بداية وضع الذرات مع بعض حتى نحصل على شيء مفيد.
في هذا الموضوع من سلسلة كيف تعمل الأشياء سوف نقوم بتوضيح ماذا تعني النانوتكنولوجي اليوم؟ وما هو مستقبلها؟ وسوف نقوم أيضا بالتحدث عن المخاطر المحتملة التي قد تحدث بالعمل على مقياس نانوي.
عالم النانوتكونولوجي
يختلف الخبراء في بعض الأحيان حول مكونات المقياس النانوي، ولكن بصفة عامة، يمكنك ان تفكر في تكنولوجيا النانو على انها تتعامل مع أي شيء يقاس في حدود بين 1 و100 nm. واكبر من هذه الحدود تصبح في مقياس الميكرون واقل منها يكون في المقياس الذري.
بسرعة اصبحت النانوتكنولجي وسط متعدد التخصصات، فالفيزيائيون والكيميائيون والبيولوجيون والمهندسون كلهم اجتمعوا لدراسة المادة على المقياس النانوي. يتوقع الدكتور Störmer ان التخصصات المختلفة سوف تطور لغة مشتركة للتواصل بين مختلف التخصصات. عندها فقط يمكن ان ندرس النانوتكنولجي بفاعلية لأنك لن تستطيع فهم عالم النانوتكنولجي بدون خلفية متينة في مختلف العلوم.
من الجوانب المثيرة في علم النانوتكنولجي هو الدور الذي تلعبه ميكانيكا الكم. قواعد ميكانيكا الكم تختلف كثيرا عن الفيزياء الكلاسيكية، وهذا يعني ان سلوك المادة على المقياس النانوي يمكن ان يتناقض في الكثير من الأحيان مع المفاهيم التقليدية التي نتعامل بها في حياتنا اليومية. فمثلا ليس باستطاعة احد ان يمشي في اتجاه جدار وفجأْة ينتقل إلى الجانب الأخر منه (teleport)، ولكن في المقياس النانوي فان الالكترون يمكنه ان يفعل ذلك – وهذا ما يعرف بالنفق الإلكتروني electron tunneling. المواد العازلة هي تلك المواد التي لا تحمل شحنة كهربية، قد تصبح في الحالة الصلبة مواد شبه موصلة عند المقياس النانوي. نقاط الذوبان للمواد يمكنها ان تتغير نتيجة لزيادة المساحة السطحية. تذكر عزيزي القارئ ان تنسى ما تعرفه عندما تدخل في علم النانوتكنولوجي وان تبدأ تعلم كل شيء من جديد
تحضر شريحة سليكون كمرحلة ابتدائية لتصنيع رقائق الكترونية.
اذا ماذا يعني كل هذا؟ في هذه اللحظة، كل العلماء يجرون الأبحاث والتجارب على المواد على المقياس النانوي ليتعلموا خواص المواد وكيف يمكن ان نستفيد من المزايا والخصائص الجديدة في تطبيقات متنوعة. يحاول المهندسون استخدام الأسلاك النانوية لصناعة معالجات كمبيوتر اصغر واصغر واكثر قوة وقدرة. أما الأطباء فيبحثون عن طرق تستخدم جسيمات النانو في التطبيقات الطبية. لازال أمامنا طريقا طويلة لنسلكه قبل ان تصبح النانوتكنولجي هي العامل المسيطر في التكنولوجيا والتطبيقات الطبية.
في الجزء التالي من المقال سوف ننظر إلى اهم تركيبين نانويين وهما الأسلاك النانوية وأنابيب الكربون النانوية.
انه عالم صغير بعد كل شيء
على المقياس النانوي، تكون الأجسام صغيرة جدا لا يمكن ان نراها حتى باستخدام الميكروسكوب الضوئي. علماء النانو استخدموا الميكروسكوب النفقي الماسح scanning tunneling microscopes أو ميكروسكوب القوى الذرية atomic force microscope لمراقبة أي شيء على المقياس النانوي. يستخدم الميكروسكوب النفقي الماسح تيار كهربي ضعيف كمجس لمسح سطح المادة. أما ميكروسكوب القوى الذرية فانه يمسح السطح بمجس دقيق جدا. كلا الميكروسكوبيين يرسل بياناته إلى جهاز الكمبيوتر، والذي يقوم بدوره في تجميع المعلومات ويعرضها بشكل جرافيكي على الشاشة.
الأسلاك النانوية وأنابيب الكربون النانوية Nanowires and Carbon Nanotubes
حاليا، عثر العلماء على تركبين من اهم التراكيب النانوية والتي لها اهتمام خاص: الأسلاك النانوية nanowires وأنابيب الكربون النانوية carbon nanotubes. الأسلاك النانوية هي أسلاك بقطر صغير جدا، وفي بعض الأحيان يصل قطرها إلى 1 nm. يتوقع العلماء استخدام هذه الأسلاك النانوية في بناء ترانزستورات دقيقة لرقائق الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى. في السنتين الماضيتين غطت أنابيب الكربون النانوية على الأسلاك النانوية. ولكن لازال العلماء يدرسون هذين التركيبين اكثر وقد توصلوا لنتائج مهمة جدا في هذه المرحلة.
أنابيب الكربون النانوية هي عبارة عن أنابيب أسطوانية بحجم النانو من ذرات الكربون. تخيل شريحة من ذرات الكربون، تبدو الشريحة مثل شريحة من الأشكال السداسية. اذا قمت بلف الشريحة على شكل أنبوبة، فانك سوف تحصل على أنبوبة كربون نانوية. تعتمد خواص أنابيب الكربون النانوية على كيف تقوم بلف الشريحة. وبمعنى اخر، بالرغم من ان جميع أنابيب الكربون النانوية مصنوعة من الكربون إلا إنها مختلفة جدا عن بعضها البعض بالاعتماد على كيف تترتب ذرات الكربون.
عند الوصول للترتيب الصحيح للذرات، فانك تحصل على أنبوبة كربون نانوية اقوى بمئات المرات من الحديد، واقل بستة مرات وزنا. يخطط المهندسون بناء مواد من أنابيب الكربون النانوية مخصصة لصناعة السيارات والطائرات. فسيارات خفيفة تعني استهلاك وقود اقل وزيادة متانة جسم السيارة يعني زيادة أمان ركاب السيارة وسائقها.
أنابيب الكربون تلعب دورا فعالا كمواد شبه موصلة اذا تم الحصول على الترتيب الصحيح للذرات. ولا يزال العلماء يعملون على إيجاد طرق صناعة أنابيب كربون نانوية لتستخدم في تصنيع ترانزستورات معالجات الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
في الجزء التالي من المقال سوف ننظر للمنتجات التي قد تستفيد من مزايا النانوتكنولوجي
الجرافيت مقابل الماس Graphite vs. Diamonds
ما الفرق بين الجرافيت والماس؟ كلا المادتين مصنوعتين من الكربون، ولكن كلا منهما تمتلك خواص مختلفة تماما عن الأخرى. الجرافيت ناعم والماس قاسي. الجرافيت يوصل التيار الكهربي ولكن الماس عازل ولا يمكن ان يوصل التيار الكهربي. الجرافيت معتم ولكن الماس شفاف. الجرافيت والماس يمتلكان هذه الخواص بسبب طريقة ارتباط ذرات الكربون مع بعضها البعض على المقياس النانوي.
منتجات بتقنية النانوتكنولوجي
قد تدهش من كم المنتجات المتواجدة في الأسواق والتي استفادت من مزايا النانوتكنولجي.
واقي الشمس sunscreen – الكثير من مستحضرات الواقي الشمسي تحتوي على جسيمات نانوية من أكسيد الزنك أو أكسيد التيتانيوم. المركبات القديمة لواقي الشمس استخدمت جسيمات كبيرة، وهذا ما أعطاها اللون الأبيض. أما الجسيمات الأصغر فهي غير مرئية بمعنى عندما تضعها على الجلد فلن تعطي اللون الأبيض.
مركبات أكسيد الزنك تترك هالة بيضاء ولكن واقيات شمس من جسيمات أكسيد الزنك النانوية لا تترك اثرا
زجاج ذاتي التنظيف self-cleaning glass – تعرض شركة Pilkington منتج يعرف باسم Activ Glass، يستخدم جسيمات نانوية تجعل من الزجاج محفز ضوئيا photocatalytic ومحب للماء hydrophilic. تأثير التحفيز الضوئي يعني انه عندما يسقط الضوء فوق البنفسجي على الزجاج، فان جسميات النانو تصبح نشطة وتبدأ في تكثير الجزيئيات العضوية على الزجاج (الأوساخ والغبار). والمحب للماء يعني ان عندما يسقط الماء على السطح فانه ينتشر على الزجاج بالكامل وهذا يساعد على تنظيف الزجاج ولا يتجمع الماء عليه على شكل قطرات.
الملابس clothing – يستخدم العلماء الجسيمات النانوية لتعزيز الملابس. من خلال طلاء الأقمشة بطبقة رقيقة من جسيمات أكسيد الزنك النانوية، وبالتالي يمكن صناعة ملابس بدرجة اعلى للوقاية من الأشعة فوق البنفسجية الحارقة. بعض الملابس تحتوي على جسيمات نانوية في شكل شعيرات دقيقة تعمل على جعل الملابس مضادة للماء.
طلاء مقاوم الخدش scratch-resistant coating – اكتشف المهندسون ان إضافة جسيمات نانوية من سلكيات الألومنيوم لطلاء بوليمر مقاوم الخدش يجعل الطلاء اكثر فعالية واكثر مقاومة للخدش. وهذا الطلاء مهم في الكثير من التطبيقات من السيارات وحتى العدسات اللاصقة.
ضمادات مضادة للميكروبات antimicrobial bandages – ابتكر العالم Robert Burrell عملية لتصنيع ضمادات مضادة للبكتيريا باستخدام جسيمات نانوية من الفضة. أيونات الفضة تمنع امتصاص الخلايا للبكتيريا. بمعنى ان الفضة تقتل الخلايا الضارة.
المنتجات الجديدة التي تدخل فيها النانوتكنولجي متجددة كل يوم. فهناك الأقمشة المقاومة للتجعد، والمستحضرات ذات النفاذية العميقة، وشاشات البلورات السائلة LCD وغيرها من وسائل الرفاهية والراحة التي تستخدم النانوتكنولجي والمتوفرة في الأسواق. ومن المتوقع انه خلال فترة قريبة، سوف نرى الكثير من المنتجات التي تستفيد من مزايا النانوتكنولجي من معالجات انتل والبطاريات البيولوجية النانوية ومكثفات بسمك نانومتر. في حين ان هذا الأمر مثير حقا إلا ان المثير اكثر هو ان هذا جزء يسير جدا من بعض التطبيقات التي قد تؤثر علي حياتنا في المستقبل.
شاشات بلورات سائلة قابلة للانثناء والطي مرنة باستخدام النانوتكنولجي
في الجزء التالي من المقال سوف ننظر إلى بعض الأشياء المدهشة التي يمكن ان تنتج بالنانوتكنولجي.
التنس والنانوتكنولجي
أثرت النانوتكنولجي تأثيرا كبيرا في عالم التنس. ففي العام 2002 شركة تصنيع مضرب التنس Babolat قدمت مضرب مدعم بأنابيب الكربون النانوية. لقد قاموا بصناعة المضرب من أنابيب الكربون النانوية المصهورة بالجرافيت، حيث كان المضرب خفيف جدا، واقوى بمرات عدة من الحديد. في حين ان مصنع كرات التنس Wilson قدم كرة تنس مزدوجة القالب. هذه الكرات مغطاة بطبقة من الجسيمات النانوية على القلب الداخلي لها. بحيث تمنع هذه الطبقة من تسرب الهواء من الكرة.
مستقبل النانوتكنوجي
في عالم ستار تريك شاهدنا آلات تعرف باسم الناسخات replicators تقوم باستنساخ أي شيء مادي، من الأسلحة وحتى فناجين الشاي، اعتبرت الناسخات على مدى طويل بانها ضرب من ضروب الخيال العلمي إلا ان بعض العلماء يعتقدون بإمكانية تصنيعها. وتعرف باسم المصنع الجزيئي molecular manufacturing، واذا ما أصبحت في يوم من الأيام متوفرة حقيقة فان العالم سيتغير بشكل جذري.
ترتص الذرات والجزيئات مع بعضها البعض لأنها تمتلك أشكال متوافقة تجعلها متراصة مع بعضها البعض أو من خلال الشحنة التي تجذبها. مثل ما يحدث مع المغناطيسات، الذرات المشحونة بشحنة موجبة سوف ترتبط مع الذرات المشحونة بشحنة سالبة. ملايين من هذه الذرات يتم ترتيبها مع بعضها البعض في قطع بواسطة آلات نانوية، ومن ثم يبدأ إنتاج أشكال محددة. الهدف من الصناعة الجزيئية هو التلاعب بالذرات بشكل منفرد ووضع كل ذرة في شكل محدد بحيث نستطيع إنتاج التركيب المطلوب.
الخطوة الأولى هو تطوير آلات نانوية تعرف باسم المجمعات assembler، بحيث يتمكن العلماء من برمجتها للتحكم بالذرات والجزيئات. في جامعة ريس تمكن البروفيسور Richard Smalley من إثبات انه يتطلب ملايين من السنوات لتتمكن آلة نانوية من تجميع كمية مفيدة من المادة. ولكي تكون الصناعة الجزيئية ذات فائدة عملية فإننا نحتاج إلى مليارات من المجمعات تعمل مع بعضها البعض في نفس اللحظة. يعتقد العالم Eric Drexler ان المجمعات تعمل في البداية باستنساخ انفسها لتزيد عدد المجمعات العاملات. وكل جيل من المجمعات سيقوم ببناء جيل آخر، مما ينتج عنه نمو متزايد حتى نصل للمجمعات المطلوبة لإنتاج جسم ما.
قد تحتوي المجمعات على أجزاء متحركة مثل التروس النانوية
مليارات من المجمعات والمستنسخات قد تشغل حيز صغير لا يتعدى مليميتر مكعب، وقد لا يزال اصغر بكثير من ان يرى بالعين المجردة. تعمل المجمعات والمستنسخات مع بعضها البعض بشكل أوتوماتيكي لبناء منتج، وفي النهاية قد تستبدل هذه الطريقة كل طرق التصنيع المعروفة. هذا بالتأكيد سوف يقلل تكلفة التصنيع وتجعل المنتجات اقل تكلفة للمستهلك واكثر قوة ومتانة. بمعنى انه يمكننا ان نستبدل كل شيء حتى الماس والماء والطعام. وبهذا تنتهي مشكلة المجاعة في العالم.
التأثير الأكبر للنانوتكنولجي في مجال الصناعة الطبية. المريض يشرب سائل يحتوي على جسيمات نانوية مبرمجة للهجوم على الخلايا السرطانية والفيروسات. كما ان هناك حديث حول ان الروبوتات النانوية قد يكون لها اثر على إبطاء أو عكس عملية الشيخوخة وزيادة متوسط العمر بشكل ملحوظ. كما ان الروبوتات النانوية تبرمج للقيام بعمليات جراحية معقدة – مثل الجراحة النانوية التي تستطيع العمل على مستوى أدق بألاف المرات من أدق أداة جراحة معروفة. بالعمل على المقياس النانوي فان الروبوتات النانوية قد تعمل بدون ان تترك أي أثار خلفها. بالإضافة إلى أنها قد تعمل على تغير مظهرك الخارجي، فيمكن برمجتها للقيام بعمليات تجميل من خلال إعادة ترتيب الذرات لتغير لون العين مثلا او شكل الأنف أو الأذن أو أي جزء ترغب في تعديله.
النانوتكنولجي لها أثار إيجابية على البيئة. على سبيل المثال يمكن ان يقوم العلماء ببرمجة طائرات روبوتية نانوية لإعادة بناء طبقة الأوزون. ويمكنها أيضا ان تقوم بالتخلص من الملوثات في مصادر المياه. صناعة المواد باستخدام طريقة البناء من الأسفل للأعلى يمكن من خلالها بناء مصانع تنتج تلوث اقل من المصانع التقليدية. كما انه بالنانوتكنولجي يمكن التخلص من الحاجة المستمرة للطاقة فيصبح لا داعي لقطع الأشجار أو البحث عن الفحم والنفط.
الكثير من خبراء النانوتكنولجي يشعرون بان هذه التطبيقات خارج نطاق الممكن، على الأقل على المستقبل القريب. حذرون من ان الكثير من التطبيقات المثيرة قد لا تتحقق وتبقى مجرد نظريات. بعض القلق ان النانوتكنولجي سوف تؤول لمجرد علم خيالي بمعنى ان الهالة المثارة حول النانوتكنولجي سوف تستمر بالتزايد حتى تصبح المعيقات لهذا المجال معرفة عامة ويختفي عنده كل اثارة واهتمام.
في الجزء التالي سوف ننظر لبعض تحديات ومخاطر النانوتكنولجي.
كم هي حديثة تقنية النانوتكنولجي؟
في العام 1959 قدم العالم الفيزيائي رتشارد فينمان Richard Feynman الحاصل على جائزة نوبل محاضرة لجمعة الفيزيائيين الأمريكية بعنوان هناك الكثير من المتسع في الأسفل There’s Plenty of Room at the Bottom. لقد ركز في حديثه على ما يعتقد انه من الممكن ان نصنع أجهزة قوية وصغيرة جدا
في العام 1986 كتب العالم Eric Drexler هندسة الابتكار Engines of Creation وقدم مصطلح النانوتكنولجي. توسعت الأبحاث العلمية على مدار العقود الأخيرة. المخترعون والمؤسسات ليسوا بعيدون عن عصر النانوتكنولجي فهناك اليوم اكثر من 13000 براءة اختراع مسجلة في مكتب الاختراعات بالولايات المتحدة الأمريكية وكلها تحتوى على كلمة نانو.
تحديات ومخاطر النانوتكنولجي
التحدي الأعظم في النانوتكنولجي هو اننا بحاجة لان نتعلم اكثر عن المواد وخواصها على المقياس النانوي. كثير من الجامعات والمؤسسات العلمية والشركات على مختلف أرجاء العالم تدرس بشغف كيف تنسجم الذرات مع بعضها البعض لتكوين تراكيب اكبر. إننا لازلنا في مرحلة تعلم كيف تؤثر ميكانيكا الكم على المواد عند المقياس النانوي.
لان العناصر عند المقياس النانوي تتصرف بشكل مختلف عن حالة المادة الصلبة، فان هناك خشية من بعض الجسيمات النانوية التي قد تصبح خطرة. بعض الأطباء قلقون ان الجسيمات النانوية صغيرة جدا، بحيث إنها بسهولة قد تنفذ إلى حاجز الدماغ الدموي وهو الغشاء الذي يحمي الدماغ من المواد الكيميائية الضارة في مجرى الدم. اذا كنا نخطط لاستخدام الجسيمات النانوية لطلاء كل شيء من ملابس وحتى الشوارع، فإننا بحاجة إلى ان نتأكد من إنها لا تسممنا.
بالقرب من حاجز المعرفة هناك حاجز تكنولوجي ايضا. فلكي نحول ما نتوقعه من النانوتكنولجي إلى واقع ملموس، علينا ان نجد طرق لتصنيع منتجات نانوية مثل الترانزستورات والأسلاك النانوية. في حين اننا نستطيع استخدام الجسيمات النانوية لصناعة أشياء مثل مضرب التنس وملابس خالية من التجاعيد، فإننا لا نستطيع صناعة أشياء معقدة مثل رقائق معالجات الكمبيوتر والأسلاك النانوية حتى الأن.
هناك اهتمام مجتمعي كبير حول النانوتكنولجي، فباستخدام النانوتكنولجي يمكننا ان نصنع أجهزة قوية جدا. بعض المنظمات تخشى من ان السبيل الوحيد لفحص التأثير الأخلاقي للنانوتكنولجي في مجال الأسلحة هو بعد تصنيعها. ولذلك فهي تضع ضغوطات كبيرة على العلماء والسياسين بضرورة الفحص المتأني لكل إمكانيات النانوتكنولجي قبل تصميم المزيد من الأسلحة الفتاكة.
اذا كان مجال النانوتكنولجي يجعل بالامكان ان نعزز صحة البشر، فهل هذا أخلاقي؟ نظريا النانوتكنولجي قد تجعلنا اكثر ذكاء واكثر قوة وتزيد سرعة الشفاء من أي مرض وتمنحنا حتى قدرة الرؤية الليلية. هل علينا ان نستمر نحو تحقيق هذه المزايا؟ هل بعد ذلك نستطيع ان نطلق على انفسنا بشر، أو سنصبح بشر متحولون؟ هل هذه هي الخطوة التالية المتوقع في مسار التطور البشري؟ حيث ان بداية كل تكنولوجيا تكون مكلفة جدا، هل يعني ذلك إننا سوف نقسم العالم إلى فئتين فئة الأغنياء القادرين على إدخال التعديلات على انفسهم لانهم يملكون تكلفتها ونترك الفقراء يعانون اكثر؟ إننا لا نملك إجابات لكل هذه الأسئلة، ولكن الكثير من المنظمات تطلب من علماء النانو ان تأخذ كل هذه المواضيع في الحسبان قبل ان يكون ذلك متأخرا جدا.
ليست كل الأسئلة في هذا المجال تدخل في مجال تغير جسم الإنسان – بعضها له علاقة بالاقتصاد والمال. فاذا أصبحت الصناعة الجزيئية حقيقة، كيف سوف تؤثر على اقتصاد العالم؟ افترض إننا نستطيع بناء أي شيء نحتاجه بمجرد الضغط على زر، ماذا يحدث لكل الوظائف في المصانع؟ اذا كان باستطاعتنا ان نصنع أي شيء من خلال المستنسخات، ماذا سيحدث للعملة النقدية؟ هل ننتقل بالكامل لاقتصاد الكتروني؟ هل نحتاج عندها أي نقود.
سواء استطعنا الإجابة على هذه التساؤلات أو لا يبقى الموضوع مفتوحا للمناظرات. الكثير من الخبراء يعتقدون ان كل هذه المخاوف لا مجال لها وانها سابقة لأوانها بكثير وربما ليست ضرورية. حتى مع ذلك فان النانوتكنولجي سوف تستمر بالتأثير علينا كلما تعلمنا عنها اكثر.
العاطفة المهلكة
صاحب مصطلح النانوتكنولجي العالم Eric Drexler قدم رؤية مروعة حول الروبوتات النانوية ذات الوظائف المتعددة، حيث تعمل على استنساخ نفسها بلايين المرات بسرعة سوف تستنزف كامل العالم عندم تقوم بسحب ذرات الكربون من البيئة لبناء المزيد من انفسها. إنها تعرف باسم سيناريو grey gee حيث تستبدل أجهزة نانوية كل المواد العضوية. وهناك سيناريو اكثر رعبا وهو green goo حيث تعمل أجهزة نانوية على مسح كل المواد العضوية على وجه الأرض.
وفي النهاية أتمنى ان يكون الموضوع قد وضح بشكل مبسط وميسر تقنية النانوتكنولجي وماذا يتوقع منها والمخاطر والتحديات التي سوف تواجهنا، وانه لا يزال هناك الكثير من المعلومات بحاجة لدراسة وتوسع ولهذا نرى ان معظم المؤسسات البحثية والجامعات تعكف على دراسة المادة على المقياس النانو وكلما اكتشف خاصية جديدة تطورت أجهزة احدث ولازلنا على عتبة النانوتكنولجي بعد.