نال جائزة التميز عن فئة الجندي المجهول وجائزة الموظف المتميز
محمــد أحمــد البلوشي: حب الحياة يحقق المستـــحيل
المصدر: حياة الحرزي ـــ دبي
بابتسامة ودودة ونبرة هادئة استقبلنا الشاب الإماراتي محمد أحمد البلوشي ليروي لنا بلغة تشي بقدر كبير من الإرادة والتصميم على الأهداف، حكايته مع الحياة وتجربته الطويلة مع المرض والعجز بعد تعرضه لحادث أليم جعله غير قادر على الحركة لمدة خمس سنوات متواصلة، حيث يؤكد اليوم أن الإنسان قادر على العطاء بقلبه وعقله قبل ساعده. وعلى الرغم من الخجل والهدوء اللذين يميزان شخصيته، إلا أنه يخفي وراء الوداعة إصراراً عجيباً على المضي في دروب الحياة التي يمضيها بين عمله اليومي وولعه بالتصوير الضوئي والكتابة وتكنولوجيا المعلومات التي يحبذها.
يعمل محمد في شبكة قنوات دبي منذ عام 2002، كمنسق خدمات إلكترونية لبرامج المسابقات على قناة «سما دبي»، حيث يقوم بعملية اعداد الأسئلة وسحوبات النتائج الخاصة بهذه البرامج وإعداد قائمة الإجابات الصحيحة والفائزين عن طريق السحب الإلكتروني، كما ظل على مدى مواسم متتالية مسؤولاً عن تصويت برنامج «الميدان» و«السنيار» و«آخر الأسبوع» و«البيت» وبقية البرامج التي اعتمدت مسابقاتها على االتصويت عبر الرسائل النصية.
رسالةلا يؤمن محمد بالمستحيل وإنما بدور الفرد في المساهمة في الارتقاء بالحاضر ويقول: «دولة الإمارات تحفز المبدعين الشباب على التميز، ولكن تحديد الأهداف بدقة والعمل الجاد وحدهما قادران على تحقيق التميز إلى جانب الإيمان بالنفس والتحلي بالصبر والإصرار اللذين يجعلان العطاء غير مرتبط بالقدرات الجسدية، فالإنسان قادر على العطاء بقلبه وعقله وعمله».
تطوير النفس
يؤمن محمد بأن تطوير الذات تمرين وجودي لا يتوقف مهما توالت العقبات، حيث يعمل حالياً على تطوير نفسه واكتساب مهارات جديدة في العمل، سألته «الإمارات اليوم» عن كيفية تكريسها داخل بيئة العمل فتحدث عن تجارب الإعداد الجديدة التي يحبذها واشتغاله حالياً مع فريق الاعداد لبرنامج «السنيار» بعد اقتراحه مد يد العون ومساعدة زملائه.
«أعز الناس»
يحب الإماراتي محمد أحمد البلوشي، ممارسة نشاطات عدة ما بين العلاج الطبيعي والرياضة، كما يحب القراءة ويعشق الكتب وله محاولات صغيرة في كتابة الخاطرة ينشرها على صفحته الخاصة على «انستغرام»، التي جعلها متسعاً للحديث عن قيم الصبر والأمل والتفاؤل التي يؤمن بها، حيث يقول: «أعتبر نفسي نشيطاً على المواقع الاجتماعية كافة، ولدي صفحة خاصة على (انستغرام) أسميتها (أعز الناس) تضم 1700 متابع يتزايدون بشكل يومي، وهذا ما يجعلني مسؤولاً عن متابعيها وحريصاً على تقديم الجديد باستمرار».
حادث أليم
في عام 2003 وبعد التحاقه بالعمل في قناة «سما دبي»، تعرض لحادث مروري خطير مع شاحنة كبيرة سبب له كسراً واضحاً في الرقبة وشللاً رباعياً تحول إثره رهين المعاناة لأشهر عدة قبل أن يقضي حياته مسافراً بين ألمانيا وتايلاند ليخضع لجلسات العلاج الطبيعي التي ساعدته على استعادة بعض ما فقده، ومواصلة حياته على كرسي متحرك بعد أشهر طويلة من مطارحة المرض.
لا يخفي محمد امتنانه لبيئة عمله في قناة سما دبي ولشبكة قنوات دبي اللتين ساندتاه إثر تعرضه للحادث وانقطاعه لمدة خمس سنوات متواصلة أمضاها في رحلات علاج بأوروبا، حيث فتحت له المؤسسة أبوابها وتفهمت حالته الصحية وعدم قدرته على الحركة حتى عام 2008، الذي استعاد فيه محمد عمله وانتقل ليشغل مهمة تنسيق الخدمات الإكترونية، حيث يقول: «مكنتني هذه الوظيفة من العمل في أي مكان، كما أن أغلب الموظفين هنا أصدقائي فقد فتحوا لي أبواب جميع الأقسام بعد تعرضي للحادث وعودتي مجدداً للعمل، كما لاتزال المؤسسة تعول على ثقتها بي من خلال ما يوفره لي حالياً دوامي المرن الذي يمكنني من إتمام مهامي من البيت أو من أي مكان مناسب آخر تتوافر فيه خدمة الإنترنت والهاتف اللذين يطلبهما العمل».
جهود مميزة
نال البلوشي جائزة التميز عن فئة «الجندي المجهول» في عام 2010 تكريماً لجهوده المتميزة التي رافقت انطلاقة المواسم الأولى لبرنامج «الميدان» ومتابعاته اليومية والدؤوبة للرسائل النصية للمشاهدين على الهواء، حيث تطلبت متابعة المسابقات جهوداً خاصة وتفرغاً لمدة 24 ساعة متواصلة من العمل إلى جانب فريق البرنامج لتحديد المحتويات ونشرها على الشاشة.
إلى جانب هذا التكريم نال البلوشي جائزة الموظف المتميز لشهر مايو 2013 من أحمد سعيد المنصوري المدير العام للقنوات التلفزيونية والإذاعية في مؤسسة دبي للإعلام، وخليفة حمد أبوشهاب مدير قناة سما دبي، وبسعادة كبيرة يتذكر محمد هذه المرحلة ويتحدث عنها قائلاً: «كنت حينها أعمل حتى أيام العطل والأعياد وكانت المشاركات تصل بالملايين فقد سجلنا مرة 15 مليون رسالة نصية، وقتها كنت مسؤولاً عن تقسيم العمل ووضع جداول المناوبات بين الزملاء وتوزيع الأدوار على الفريق الذي كان شديد الحرص على إنجاح عملية المتابعة وإظهار البرنامج بصورة مشرفة تليق بصورة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، فكانت المسؤولية كبيرة حينها حتى أنني لا أزال أتذكر أنني لم أتحصل على إجازة ولو ليوم واحد طوال فترة العرض، فقد كانت ساعات العمل متواصلة لتحقيق أهداف التميز الذي كنا نناشده».
حلم الصورة
استطاع محمد استغلال أوقات فراغه بشكل إيجابي يجعله قادراً على تحقيق التميز الذي يحلم به عندما يتعلق الأمر بممارسة التصوير الضوئي الذي يجذبه ويستنفذ ميزانياته، ويقول عنه: «أنفق أغلب راتبي الشهري على شراء الكاميرات والعدسات لأنني أحب التنقل بين مختلف الأماكن لمواكبة أهم الفعاليات التي تسلط الضوء على التصوير الضوئي، ولالتقاط أجمل صور الأماكن التراثية القديمة وأجمل الأعمال اليدوية خلال فترات مختلفة من اليوم، بالإضافة إلى هذا الجهد الذي أبذله باستمرار، لدي مشاركات في تظاهرات ثقافية عدة تهتم بالتصوير الضوئي في الدولة كجائزة منصور بن محمد للتصوير الضوئي، ومعرض التصوير الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الانسانية 2014 وجمعني بمجموعة من المصورين، كما شاركت في فعاليات معرض جماعي آخر أقامه نادي الشباب بمناسبة اليوم الوطني، كما حللت أخيراً ضيفاً على تلفزيون الشارقة للحديث عن تجربتي في مجال التصوير الضوئي». في سياق حديثه عن مناطق الضوء التي يبصر منها الأمل ويصنع منها أجمل صوره يعترف البلوشي بأنه قبل أن يحب التصوير لم يكن منتبهاً إلى العالم من حوله ولا إلى حركة الأشياء فيه، ويقول إنه بات اليـــــوم أكثر تأنيا في الاستمتاع بالتفاصيل وبالنسق الذي تتراتب فيه المكـــــونات حولنا، كما تمكن مــــــن خلال «أصدقاء التصوير»، من تركيب مسند خاص للكاميرا على كرســـيه المتحرك حتى يتسنى له الاستمـــــــتاع بهذه التجربة الاستثنـــــائية التي يحسمهــا بهـــــــــذا التوصيف الخــــــــاص قائـــــلاً: «ليــــــســــت الحاجــــــــــة أم الاخـــــتراع وإنما الرغبة في الشيء».
سند أمي
لا يخلو الحديث إلى محمد من نفحات الأمل التي استقاها من تجارب الحياة ولا من الابتسامة التي يستعين بها على الصعاب، حيث يقول: «علمتني تجربة اقترابي من الموت، تقديس الحياة والتفاؤل والصبر في مواجهة مصاعبها، والاستعانة برصيد الأمل لتخفيف عناء الطريق»، ويواصل حديثه قائلاً: «كل ما أعيشه اليوم وما استطعت تحقيقه بعد تجربتي المريرة مع المرض والإعاقة، أحيله إلى سند أمي الذي دفعني إلى مواصلة المشوار وتخطي العقبات، فقد نغفل أحياناً ونحن صغار عن رؤية التضحيات التي يكرسها هذا الكيان الإنساني الاستثنائي الذي يحملنا ويرعانا، ولكن تجربة الضعف والوهن واستعادة الحياة بعد تجربة الموت المحتوم جعلتني أراها تتحرك في عالمي وتجذبني نحوها لأدرك بالتالي وجودها وأستشف أسراره، وأصبح قادراً على التمييز بينه وبين وجود الآخرين من حولي».
ولع بالتكنولوجيا
قبل تعرضه للحادث الأليم، لم يتخلف محمد عن أي معرض لتكنولوجيا المعلومات لشغفه الكبير بهذا المجال الذي جعله بدوره مصدر ثقة من حوله فقد أصبح جميع الأهل والأصدقاء يستعينون به عندما يواجهون مشكلات مرتبطة بتكنولوجيا الاتصال، لهذا السبب ولأسباب أخرى يطمح محمد مستقبلاً إلى التسجيل في أحد الجامعات لمواصلة دراسة التكنولوجيا.