عبد الله أبو راشد*
الفنان التشكيلي الفلسطيني “باسل عبد الكريم العكلوك” من مواليد مدينة دمشق عام 1973، حكمته ظروف النكبة واللجوء والمعيشة إلى التنقل المستدام هو وذويه لمناطق إقامة عديدة. تعود أصوله الفلسطينية إلى مدينة دير البلح بقطاع غزة، تخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس عام 1998، عمل مديراً لدائرة الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة الفلسطينية في قطاع غزة. وهو عضو في جمعية الفنانين التشكيليين، وله حضور طيب في ميادين العروض الفردية والجماعية داخل فلسطين المحتلة وخارجها، كانت مدينة غزة مُستقراً لإقامته ونهاية لترحاله.
لوحاته التصويرية مفتونة بتيارات الحداثة الغربية، وتفتح سجلها البصري على تعددية الرؤى الشكلية وتنوع المعالجات التقنية لمضامين لوحاته، وتراه يمرر في مكوناته الشكلية سحابة وصف لوني وهندسي تركيبي وبنائي لمسارات تجلياته الذاتية، والموزعة ما بين الواقعية التعبيرية، والتعبيرية الرمزية، والتجريدية، والسريالية. وترنو السباحة في غابة الألوان المتحررة من القيود النمطية بالفن من خلال بوابة عجائنه اللونية المندرجة في أوصاف لا شكلية، تشدو بلوغ متعة شخصية تربطه بشكل أو بآخر بطفولة مبكرة ضائع، وتبوح بما يعتمل في صدره وجوانحه ورغباته من حالات دفينة ودافعية لمجونه الشخصي وعبثه اللوني المسفوحة بتدريجاتها المشتقة فوق سطوح خاماته.
مضامين لوحاته خارجة عن المألوف التشكيلي الفلسطيني والمعروف، ونجدها أشبه بفسحة تصويرية مُغردة خارج سربها البصري، ترسم لذاتها الشكلية خصوصية تأليف وتفصيل بصري من نمط لوني وشكلي مغاير، موزعة في ترجمات نصيّة للطبيعة الخلوية، والشخوص الآدمية الهلامية سريالية الطابع، والواقعية التعبيرية الموصولة بتقاسيم فلسطينية معشبة برمزية القسمات وتفاصيل المعاني والتضمينات الشكلية، ونلمس في بعضها كثيراً من المداعبات الشخصية لمخيلة حالمة، أو مغامرة وباحثة عن متعة البحث والتجريب في أروقة التشكيل الشيئي المتحركة في تفاعلات دائرة الألوان الرئيسة، المأخوذة بالملونات الحارة والباردة وجمعها على سطح شكلي واحد.
لوحاته ذات المسحة السريالية حاضنة لمشاعره الذاتية كإنسان وفنان منحاز لتربته وأرضه وناسه، وهي عاكسة بطبيعة الحال لما يجول في داخله من أحاسيس وانفعالات ورؤى، مُستحضرة من واقع فلسطيني مُعاش لصوغها في حلة وصف وطريقة شكلية مجافية للواقع، وتغدو أشبه بحكايات خيالية مروية للتو من واحة سرد بصري مكشوفة على أغنيات الأرض والحرية والتحرر، وتصبو بلوغ حريتها المشروعة والمعبرة عن التفاعل المشهود ما بين الإنسان والأرض ومدارات نشأته الأولى في تشكله من تراب وأمشاج مختلطة، وكأنها رسالة صوريّة غير مباشرة لربط قدر الفلسطيني بأرضه، ومربوطة بحزمة أمانيه الساعية للتخلص من فلول العابرين من الصهاينة المغتصبين.
مفرداته وعناصر جمله التشكيلية المنثورة في فضاء مكوناته تتسم برقص الحركة ومرونتها، وكأنها أجساد ميكانيكية مُتحركة في فضاء عبثي لمجرة كونية افتراضية، مُستعارة من فضاء شكلي خارج سياق المعمورة، تُخفي في مضامينها ورمزيتها المشهودة ذالك الطفل المسكون في داخل الفنان، والذي تعشق صوراً متخيلة أو مرئية مرت في واحة بصره ومزاجه ذات يوم، لتعود إلى مساحة التمثيل الشكلي لسردية تلك الصور، وكأنها فلم تلفزيوني متحرك في لقطات كوادره الشكلية المصمتة قبل دخولها في مدارات تشكيلات محاكية لمتواليات الرسوم الملونة الكرتونية المتحركة.
* فنان وناقد تشكيلي فلسطيني