تشكيليون فلسطينيون (98) الفنانة هناء ديب
بد الله أبو راشد*
خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة
الفنانة التشكيلية الفلسطينية “هناء ديب” المولودة في مدينة دمشق عام 1961، وتعود أصول عائلتها إلى لواء حيفا الفلسطينية وقد غادروها مُكرهين عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948. شغلتها الفنون التشكيلية والتطبيقية منذ سنوات عمرها المبكرة، ورافقتها في مسيرة حياتها التعليمية والمهنية، واكتملت ونمت في ظلال حاضنتها الأسرية،
كانت وما زالت مفتونة بحوارية الطين وعجائنه الخزفية التشكيلية منها والنحتية، تجوب في مجرة عراكها اليدوي ومُدركاتها البصرية والمتخيلة، لتُخرجها في سياق مجموعة من التجارب والمبتكرات المنسجمة مع ذاتها الباحثة والجمالية.
وجدير ذكره، أن الفنانة عملت في ميادين الخزف والنحت من باب الهواية واكتساب الخبرة والإفادة لذاتها ومن حولها في سياق الأسرة والمجتمع من خلال التعليم وتدريس مواد أسس التصميم الخزفي في المعهد المتوسط للفنون التطبيقية بدمشق ما بين أعوام (1997-2000)، فضلاً عن حضورها الفني التشكيلي والثقافي الدائمين بمجالات تخصصها ومُشاركتها في جميع المعارض الجماعية لاتحاد الفنانين الفلسطينيين ومديرية الفنون الجميلة في سورية منذ العام 1984. ولها نحو ثلاثة معارض ثنائية مع زوجها، وحائزة على الجائزة الثانية لفنون الخزف في مهرجان دمشق للثقافة والتراث الحادي عشر عام 2004.
أعمالها الخزفية لا تُغادر ميدانها التشكيلي النحتي وتصوغها في قوالب خزفية مُحملة بروحية النحت ثلاثي الأبعاد الشكلية، محمولة بإضافات فنية ولمسات تقنية تُعطي للخزف أبعاداً نفعية وجمالية في أن معاً. وترنو خروجاً ملموساً في ترجمة أوصافها الشكلية والتقنية عن مسارات النمطية والتقليد، لتسبك عوالمها البصرية ورؤاها التشكيلية في صيغ حداثة تعبيرية متمايزة، تُحرك صمت الخامة وتدحرجها في تكوينات اسطوانية بسيطة غير متكلفة تجمع أشتات سطوحها الانسيابية في حركتها الدائرية المتحركة فوق جدران أعمالها الخزفية عبر تباينات ظاهرة في ملامس السطوح، والساعية لاحتضان تضاريس شكلية مُعززة لمفاهيم الكتلة واتساع الفراغ في صيغة تقنية متآلفة.
الخزف لديها مُتناغم مع تجليات الأواني الفخارية، ولكنها مدونة السطوح بشرائح طينية نافرة تُظهر بعضاً من تواشيح شكلية لأشجار وأزهار في حلة لونية، موصولة بالتبسيط المساحي والمرونة الحركية وممزوجة بحس الطفولة والعبث الشكلي المقصود في إخراجها بصورة قريبة من عين المتلقي وقلبه، بينما نراها في مواضع أُخرى تتدثر بمسحة وطنية ورمزية بادية للعيان، ومربوطة بحس الانتماء لوطن فلسطيني وقضية تحرير وعودة مشروعة ومفتونة برمزية مفاتيح العودة المرتقبة للمنازل والبيوت التي غادرها سكانها العرب الفلسطينيين مُجبرين بفعل همجية الغرب الأوربي والانكليزي خصوصاً، ليحل مكانهم العدو المُغتصب الصهيوني، وفيها دلالة واضحة على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية الساعية للتحرير والعودة.
بينما نرى في أعمالها النحتية صيغ شكلية ومعالجات تقنية مُغايرة لما هي عليه في حرفية الخزف ومكوناته، وتقارب فيها مساحة التفكير البصري الواعي بالأشياء جمالية فكرة وخصوصية توليف شكلي، محمولة بمقولات الفنانة ورسائلها البصرية التي تود إيصالها لجمهور الفن والتلقي. مُنحازة في أساليبها الوصفية إلى الاتجاهات التعبيرية الرمزية والتعبيرية التجريدية، مُعتمدة فيها على وظيفة الفن في خدمة قضايا المجتمع والإنسان الدائر في فلكها، وتسعى لتوليد صوراً حسيّة مُفعمة برمزية المعنى ومتفاعلة مع هموم الفلسطينيين وأحزانهم، ومعيشتهم اليومية بما فيها من ألفة ومحبة وتكافل وتعاون.
ونجد في بعضها الآخر تقاسيم كفاحية فلسطينية متوالدة من معين التراث الشعبي الفلسطيني، المغردة في فضاء الأمل المعقود والحلم المتبقي في التحرير والعودة، مشفوعة بانتظار اللحظات الفاصلة على الطريق، مزينة بالكوفية وما تعنيها من خصوصية نضالية تختصر المعاناة ورحلة المقاومة والصمود. موصولة بمفاهيم الأرض ومكانة الأم الفلسطينية في دلالتها الرمزية وتوريتها الشكلية المتجسدة بشخوص النسوة المتوترات في منحوتات نصفية ثلاثية الأبعاد المنظورة، وحميمة التوأمة ما بين مدلول الأرض والأنثى كوجهين لمساقات رمزية واحدة، وتعبير صريح عن مقولات الأمومة المتجلية فيهما بتداعيات شكلية بملامح هلامية متسعة لجميع الأمهات الفلسطينيات.
موادها وأدواتها وخاماتها متعددة الخصائص التقنية، مبتداها الرئيس في توليف البنية الشكلية التراكمية مشغولة على الدوام بعجائن الطين اللين، مُشكلة من مداعبته اليدوية مقاماتها الوصفية المفتوحة على تفاصيل الأفكار والتعبيرات الحسيّة والانفعالية والنضالية المطروحة، وتسرد من خلالها جميع حكاياتها الرمزية، لتأتي بعدها عمليات التدخين الحراري والتلوين والقلوزة بالنسبة للأعمال الخزفية والتي تُوضع عادة في أفران خاصة وبدرجات حرارة متناسبة. بينما في ميادين النحت تتبع طرق قولبتها المعهودة بمواد تقنية مُضافة مثل الحجر الصناعي والبرونز، وفي بعض الأحيان تجمع ما بين خاصية الخزف والنحت التشكيلي راسمة معالم صداها في الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية كعزف منفرد الخصوصية.