eSyria
اعداد الدكتور مهيار الملوحي
صدرت مجلة (المصباح) في دمشق في شباط عام 1928، وهي مجلة علمية أدبية تاريخية اجتماعية، صاحبها ومنشئها الشيخ محمد أحمد دهمان (1899-1988) وقد صدرت ضمن (40) صفحة من الحجم الصغير، وكانت تصدر أول كل شهر عربي، وتطبع في مطبعة التوفيق وكانت إدارتها تقع في (باب بريد)، ومن أبوابها: (فاتحة المصباح، وهو المقال افتتاحي، وكنوز الشرق، وحقيبة الأخبار وكانت تذكر أخبار المطبوعات الصادرة في ذلك الوقت، وكذلك اهتمت بالشعر والأدب، ومن أقلامها: نظمي الحمزاوي وأحمد عبيد ومعروف الأرناؤوط، وكانت في ذلك الوقت تنشر أشعار لأنور العطار وشفيق جبري ومحمد البزم وخير الدين الزركلي وجميل سلطان .
نجد في العدد الأول من مجلة المصباح، الصادر في شباط عام 1928، أن الصحفي والأديب نظمي الحمزاوي كتب تحت عنوان (النقد الأدبي) مقالا يبين فيه أهمية النقد، وكيف أصبح من العلوم التي لاغنى للصحافة عنه، وتحت هذا العنوان كتب مايلي:
((في البلاد العربية نهضة علمية عبقرية، وهبّة فكرية أدبية، ظاهرة ظهور الصبح لذي عينين والوسائل إلى تعزيز هذه النهضة وتنشيطها بين الناطقين بالضاد آخذة في ازدياد.
وقد أصبح من البين الصريح أن أفضل واسطة لتقويم اعوجاج النفوس وتليين قناتها، وتثقيف حنايا الأدمغة وغربلة دقيقها هو الانتقاد.
والنقد بالمعنى المتعارف عليه هو التمييز بين الجيد والزيف، ومعرفة الغرر من العرر وإظهار الخمير من الفطير، وبيان الصالح من الطالح.
والإنسان مولع دائما بالنقد، وقلما يعجبه شيء من أمور هذه الدنيا، ألم تر صغار المتفرجين على ألعاب كرة القدم كيف يهزون أقدامهم هزا عنيفا كلما طاشت الكرة في رجل لاعب ماهر، فيخيل إليهم أنهم لو كانوا مكانه لأحسنوا الرماية ونالوا الاستحسان العام: في حين أن موقف المتفرج المشرف على الميدان المكتشف على عيوب الناس وعثراتهم، غير موقف اللاعب المندس في غمار تلك المعمعات والمدقق في آثارهم وحركاتهم، وقلما يسلم شيء من النقد ويعصم من الغلط. والانتقاد أنواع: منها النقد السياسي، ونقد المجتمع الأخلاقي، والنقد العلمي الأدبي.
والنقد الأدبي وهو هدفنا في هذا البحث يتناول الكتّاب، فيكون محكاً يزيل عن وجه الحقيقة ماتراكم من الأدران، ويزكي العقل ويصقل الجنان ويهذب الذوق، بل هو أشبه بالكير الذي يصهر معادن الكتابة فيظهر الزيوف المبهرج من الذهب الخالص.
ولا تخلو منتوجات القرائح ومولدات الأفكار من الزين والشين، والغث والسمين لذلك كان احتياجنا عظيما إلى هذا العلم، لتنقية مستودعاتنا العقلية من الزوائف، واملاء حاصلاتنا الفكرية من قمح الفوائد، والمتصدي لهذا العلم الجليل يجب أن يكون من أربابه، لئلا يتعسف في مسارب طرقه المبهمة، فيجني على النقد ويغدو آفته.
على الناقد أن يكون نزيها شريفا، بصيرا بمواقع الكلام عليما بمواطن الضعف والقوة، يدعم أقواله بالبرهان، ويهذب عباراته فلا يتحيز لأي كان، بل يقرر الحقيقة الوضاحة فيكون كأعدل القضاة، مجردا عن الهوى والغرض، بعيدا عن التحامل المعيب، يتخذ العقل مشيرا والعلم دليلا، والإنصاف مذهبا ودينا، فيجادل بالتي هي أحسن لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وقد بات علم النقد في البلاد الراقية منتشرا بين سائر الطبقات وباتت منزلته في الذروة العلياء مرفوعة اللواء، وقد أفسحت له صحافتها الحقول الواسعة وأوقفت له أقلام مشاهير الكتاب فكانوا يقيلون العثرات، ويصححون الهفوات ويقومون المعوجات، وجريا على هذه السنة الصالحة واتباعا لهذه القاعدة المفيدة فقد جرت صحافة الشرق في هذا المضمار فخصصت أبوابا متسعة فيها لنقد مايردها من الكتب، وماتطلع عليه من المقالات وماتعثر عليه من النظم المختلة والعادات المعتلة والأخلاق المعوجة وهي سائرة في هذا الميدان الطلق إلى الأمام، سدد الله خطواتها إلى مافيه المنفعة العامة، وألهمنا قول الحق وفصل الخطاب والسلام)).
والشيخ محمد أحمد دهمان ولد في دمشق وتلقى علومه على يد والده، ثم تابع علومه في مكتب الشيخ عبد القادر المبارك ثم التحق بالمدرسة “الجقمقية” وتابع العلم معتمدا على شيوخ عصره وهو فقيه ومؤرخ ومحقق، كان من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق. وقد حقق عشرات الكتب التراثية في التاريخ والعلوم والعلوم الدينية.