من طرائف الصحافة– مجلة المضحك المبكي – حبيب كحالة
صدرت مجلة (المضحك المبكي) في دمشق في عام 1929، وكانت مجلة سياسية كاريكاتورية أسبوعية، وقد أسسها حبيب كحالة (1898-1965) وصدرت مجلة المضحك المبكي بالحجم الكبير وكانت منذ بدايتها ذات غلاف ملون، وقد اعتمدت على الرسم الكاريكاتوري إضافة إلى أبوابها الهزلية والساخرة المتعددة مثل: (حديث سياسي حشاش) و(القراء يسألون ويستفتون والمضحك المبكي تفتي لهم) و(هنا يحرر الأستاذ المقص) و(الكلام بسرك) و(مضحكات مبكيات) و(حكمة الحمار) وإلى آخر ما هنالك من أبواب اشتهرت في هذه المجلة واشتهرت المجلة بها.
وبعد أن مضى أكثر من (20) سنة على صدور المجلة كانت تنشر قصصا أو حكايات طريفة من أرشيف الماضي ومجموعات إعداد المضحك المبكي.
نجد في العدد رقم (887) الصادر في 20 آذار سنة 1954، في السنة الرابعة والعشرين، حكاية طريفة حدثت أثناء الإضراب العام الذي قادته الكتلة الوطنية في سورية عام 1936 أثناء الانتداب الفرنسي، والذي شمل كافة مرافق الحياة في سائر المدن، وقد دام الإضراب ستين يوما تعطلت فيها الحياة العامة تماما، وكان الهدف من الإضراب التوقيع على المعاهدة بين الحكومتين السورية والفرنسية، والتي تنتزع فيها سورية الكثير من حقوقها الوطنية من سلطات الانتداب وكان من أسبابه المباشرة اعتقال بعض الزعماء الوطنيين والشعبيين وعلى رأسهم فخري البارودي (1889-1966) وقد عاش الشعب السوري موجات عارمة من الغضب أثناء المفاوضات والمناورات السياسية بين الشعب السوري وقياداته وبين سلطات الانتداب ومندوبيها.
وكتبت المضحك المبكي تحت عنوان:
قصص وحكايا مضحكة من أرشيف الماضي ومجموعات المضحك المبكي، حكاية الإضراب العام عندما أرادت الكتلة الوطنية أن تنهيه ما يلي:
(من جملة القصص التي مازال الوطنيون يذكرونها مهما مرت عليها الأيام حكاية الإضراب العام الذي وقع في دمشق عام 1936، والذي دام ما يقرب من ستين يوما.
لقد أعلنت الكتلة الوطنية الإضراب حتى تجاب الأماني القومية فأضرب الأهلون اضطرابا عاما شاملا، وعندما مر عليه عشرة أيام رأى الوطنيون وعلى رأسهم دولة جميل بك مردم بك أن يدعوا إلى إنهائه، لأنهم اعتقدوا أنه الأوفق أن تفتح المدينة بناء على دعوة منهم من أن تفتح بدون رأيهم فيفشل عملهم ويحبط مسعاهم، إذ إنه لم يكن أحد ليتوقع أن يستمر الإضراب أكثر من هذه المدة التي أضربت فيها المدينة.
واجتمع الوطنيون ذات صباح في منزل دولة لطفي بك الحفار بحضور فخامة هاشم الأتاسي ودولة جميل مردم بك والأستاذ هاني الجلاد وكثيرون غيرهم، وقد بحثوا في الإضراب واستمراره إلى هذا الحد، وأخيرا رأوا أنه ليس بالإمكان أن تبقى المدينة مضربة أكثر من هذا وأنه يخشى إذا تركت وشأنها أن تفتح بنفسها وهكذا يفشل الإضراب ولا تكون له النتيجة المطلوبة، ولهذا فقد قرروا أن ينزلوا جميعهم إلى الجامع وأن يلقوا هناك بيانا يدعون فيه الأمة والتجار إلى الفتح وإنهاء الإضراب، وبذلك يبرهنون أن المدينة بيدهم تأمر بأمرهم فإذا طلبوا إليها الإضراب أجابت إلى طلبهم وإذا دعت إلى إنهائه أجابت إلى طلبهم أيضا.
وعلى هذا فقد نظموا بيانا طويلا وعهدوا إلى الأستاذ هاني الجلاد ليلقيه في الجامع باسم الكتلة الوطنية يدعو به الناس إلى الفتح وإنهاء الإضراب.
واستلم الأستاذ الجلاد هذا البيان ونزل إلى الجامع مع بقية أعضاء الكتلة الوطنية، فلما انتهت الصلاة وقف حضرته وألقاه على المصلين وختمه بالدعوة إلى الفتح وإنهاء الإضراب بعد أن مر عليه أيام طوال. إلا أن المصلين ما كادوا يسمعون الدعوة إلى إنهاء الإضراب حتى هجموا على الخطيب الأستاذ الجلاد وأخذوا يصيحون خائن خائن، انزل عن المنبر، نحن سنستمر بالإضراب إلى أن تستجاب جميع مطالبنا القومية، ..انزل خائن… وهكذا اضطر النزول بدون أن يستطيع أن يتابع كلامه أو يعرب عن رأيه.
وعندما رأى أعضاء الكتلة الوطنية وعلى رأسهم جميل مردم هذا الموقف من الشعب تنكروا للأستاذ هاني الجلاد وأخذوا يصرخون في وجهه أيضا، انزل، خائن، الإضراب سيستمر حتى تجاب مطالبنا القومية، ووقف على أثر ذلك دولة جميل مردم وخطب في الحاضرين خطبة طويلة عريضة كانت نتيجتها أن استمر الناس على إضرابهم حتى أجيبت مطاليبهم كما هو معلوم…
ومنذ ذلك التاريخ قطع الأستاذ هاني الجلاد علاقته مع الكتلة الوطنية وأخذ يحاربها في شتى المناسبات وهو حتى اليوم مازال يذكر ذلك الموقف الذي دفعه فيه الوطنيون فلما هاجمه الشعب تخلوا عنه وجعلوا منه كبش المحرقة…
هذه حكاية إذا أردت أن تعرف حقيقتها بالتفصيل فما عليك إلا أن تسأل عنها الأستاذ الجلاد فهو حتى الآن مازال قلبه محروقا منها..).