- مبدع الفوتوغراف: المصور الكرخي – محي عارف
مبدع الفوتوغراف: المصور الكرخي (محيي عارف)…
كل أهل الكرخ، ومعظم أهالي بغداد، لابد أن يكونوا قد مروا باستوديو الفنان المبدع، مبدع الفوتوغراف محيي عارف، وتطلعوا إلى الصور الرائعة بالأسود والأبيض التي يعرضها في محله الشهير باسمه في الكرخ وتحديدا في شارع الوصي الذي استبدل اسمه بعد 14 تموز 1958 الى (شارع النصر).
منذ صغري وأنا كلما أمر من شارع الوصي (النصر)، أقف اتطلع إلى فترينة صور المصور المبدع محيي عارف المعلقة، لما تحتويه من ابداع الموضوع واللقطة، حيث كان يوثق المهن الشعبية والشخصيات الفلكلورية في المجتمع، وكان الابداع بالصور الأسود أبيض ولم يكن الملون قد دخل العراق بعد.
شخصياً لم أحظ بالتقاط صورة لي عند المرحوم محيي عارف لأن مصورنا الخاص في البداية كان المرحوم السيد عبدالرسام أو عبدالمصور السامرائي، جارنا في العطيفية، ولديه كنت التقط الصور الشخصية، ومنه اشتريت أول كاميرة في طفولتي (كوداك) بسعر 150 فلساً، وفيلمها من نوع الـ 120 ملم، والتقطت فيها المئات من الصور التي مازلت احتفظ بالكثير منها وبخاصة صور سفراتي المدرسية آنذاك.
وبعدها تحوّلت الى المصور الفنان المبدع والمتميز في لقطاته الفنان (سعدي) في منطقة الرحمانية والذي من ثم انتقل الى حي العربي ولا أعرف أخباره بعد 2003، واستطيع أن أميّز صوره من بين مئات المصورين لأن له طريقة خاصة في الاضاءة والتقاط الصورة..كونه يجمع بين فن الرسم وفن التصوير.
نعود إلى موضوعنا مع المبدع الفوتوغرافي محيي عارف، فقد برز الفنان المصور محي عارف من بين الكثيرين من المصورين العراقيين الذين توزعت رؤاهم عبر حركة الواقع المليء والمتخم بالحركة الدائبة ولكن مما يشار الى هذا المبدع انه سرق بعدسته الخاطفة والمميزة حركات لشخصيات مألوفة في المجتمع البغدادي ومن خلال فعالياتها اليومية المختلفة .. حيث رأى (البغدادي) نفسه وهو يتحرك من خلال هذه الصورة او تلك فاقترب اعجابه من هذا الفنان القدير ..!
ان لقطات مثل (ام اللبن أو بائعة اللبن) .. وهي امرأة قروية وكثيرا ما يطلق عليها اسم ( المعيدية) حيث تنتمي الى المعدان الذين تميَّزوا بصناعة الالبان من فصيلة الجاموس واصبحت لهم شهرة خاصة به حيث تأتي الى اسواق بغداد الشعبية .. وتمتاز بلباسها التقليدي الجميل والمتناسق والذي يختلف عن اي زي اخر .. فهي تتمنطق بنطاق نسيجي من الصوف يطوق خصرها الممتليء من الاعلى وتتدلى من نهايتي هذا النطاق كرتان صغيرتان وتلف ساقيها من القدم والى ما تحت الركبتين بلفاف عريض بينما تلف رأسها بحجاب لا يبان من وجهها غير عينيها .. فتضع علب حاويات اللبن الواحدة فوق الاخرى على رأسها بشكل عمودي فتتراءى للناظر وكان الحاويات آيلة للسقوط لكنها ثابتة لاتتحرك …
وكذلك تناول الفنان محيي عارف، شخصية ابو عبد ( بائع القهوة) المتجول والذي يحمل (الدلة) بيد والفناجين بيد اخرى وبطريقة مدهشة ..وهنالك شخصيات بغدادية كثيرة حاول الفنان محي عارف ان يظهرها بعدسته بذكاء خاص ومنها ايضا (ام الخيرة – ضاربة الودع) و ( بائع الشربت عرق السوس) و (ماسح الاحذية) وبائع(السميط) و(الحداد) و(النجار) و(ابو الربل -الحوذي) و (أم الباقلاء)، وغيرها من الشخصيات التي وثقها الفنان وبوضعيات مختلفة جدا واعطاها زخما في الحركة كما في لقطته الشهيرة (الحلابة) اي تلك المرأة القروية التي تجلس على الارض بين فخذي البقرة ذات الضرع المنتفخ لغرض عصرالحلمات حتى تجمع الحليب في اناء خاص !
كل هذه اللقطات وغيرها عبرت عن امكانية العين الراصدة لهذا الفنان الكبير والذي احتفظ بارشيف كبير من الصور النادرة وذ ات التفرد العالي عبر اختياره لاسلوب اللقطة الفنية في عالم الفوتغراف ..!
اهم عامل مساعد ساعد الفنان محي عارف هو موقعه في ذلك الشارع الذي يقع فيه ( صالونه) وهو الذي كان يسمى بشارع الوصي وبعد 14 تموز اصبح يسمى ( بشارع النصر) وهو عبارة عن منطقة تجارة دائبة الحركة وتصب فيها مداخل لمحلات شعبية كثيرة مثل الشواكة وسوق الجديد ومحلة الذهب وبعض من متاطق الكرخ الشهيرة .. مما اثر هذا التقارب من المحلات بشكل مباشر في اغناء هذا الشارع بالكثير من المفارقات والمداخلات التي زودت عين الفنان بابداعات لها خاصيتها والتي اغنته بما لايستطيع الاخرون ان يحيطوا بما الت اليه عدسته ..!
كما ان جميع الباصات المنطلقة من باب المعظم والميدان وساحة الشهداء باتجاه مختلف مناطق الكرخ، تمر من شاره النصر وكان ثمة منطقة توقف للباصات تقع امام محل محيي عارف.. فصار محيي عارف سمة ثابتة من سمات الكرخ وشارع النصر وساحة الشهداء.
ان المرحوم محي عارف ،، لازال في ذاكرة الفن الفوتغرافي الاصيل وكذلك في ذاكرة(البغداديين) الذين احبوه واقتربو منه كثيرا ،، كما احبه الفن الذي اختاره وترك بصماته عليه …!
كان محيي عارف أشهر مصور في الكرخ، وكان المتزوجون حديثاً يحرصون على توثيق زواجهم تذكارياً بصورة من إلتقاط كامرة المبدع محيي عارف، الذي كان يحترم خصوصيات العوائل، ويحتفظ بصور الأعراس ولا يعرضها ولا يطلع أحدا عليها غير أهلها، فأكتسب محبة وثقة الناس بالإضافة البداعه الفني المتميز.
كتب الأستاذ طالب البغدادي معلقاً على موضوع يخص فناننا الكرخي المبدع محيي عارف كتب يقول: ((كان محي عارف صديقنا ومصورنا وقد سبق وان طلبت منه ان يبيعني نسخاً من صوره المعروضة في الفترينة الخارجية منها صورة بائع السميط، وصورة علية الخبازة (من محلة الذهب) فوافق يشرط ان لا استنسخ منها..
وعند استلامي الصور فاجاني باهدائي صورة مكبرة لي اخذتها عند دخولي بكالوريا السادس الابتدائي عام 1949 ولم اكن في حينها احتفظ بنسخة منها وهي معلقة الان على حائط الذكرى في بيتي مع صور اخرى منها صورة لمحي عارف اخذها لنا بعد وفاة والدي عام 1948 تضمني مع اخوتي المرحومين حسني وعبدالهادي والاحياء حفظهما الله عادل ومقداد..)).
المرحوم محيي عارف كان يحترم خصوصيات رواده مما اكسبه محبة واحترام الناس.