جورج إيستمان: مخترع الكاميرا
ولد جورج إيستمان فى العام 1854م، فى ولاية وترفيل الأمريكية، كان يعمل محاسبا فى بنك، عندما قرر الذهاب فى رحلة لقضاء إجازته فى جزر الكاريبى، وكان عليه كى يتمكن من التقاط صور لتلك الرحلة، أن يحمل آلة التصوير التى كانت متوفرة فى تلك الفترة، وقد وصف تلك الكاميرا بأنها “كانت حمل حصان”. فوزنها الثقيل، وحجمها الكبير، كانا يثقلان عليه ويحدان من قدرته على التحرك، ومن هنا بدأت شرارة الفكرة فى ابتكار آلة تصوير خفيفة وسهلة الاستخدام، وأيضا رخيصة الثمن، ليتمكن الجميع من اقتنائها.
بدأ عمله بإنتاج أفلام متطورة بعض الشىء يبيعها محليا، وعمل جاهدا لابتكار آلة التصوير التى يخطط لها، لكن كان ينقصه التمويل اللازم، الذى سرعان ما وجده من رجل أعمال وضع إمكانياته المادية تحت تصرفه، لتأسيس شركة يكون جورج إيستمان مديرها العام. وسرعان ما تمكن فى العام 1888م من إظهار ابتكاره إلى الوجود: كاميرا صغيرة الحجم وتعمل بأفلام متطورة .
وضع جورج إيستمان سياسة بسيطة لنجاح شركته وانتشارها عالميا، قامت هذه السياسة على أربعة خطوط أساسية: أن ينتج كميات كبيرة، وأن تكون الأسعار مخفضة وبمتناول الجميع، وتوزيع المنتجات محليا وعالميا، وأخيرا الإعلان الجيد للمنتج من خلال الشرح الوافى ..
وبالفعل ما إن أتم خطواته حتى بدأت الطلبات تنهال عليه، خاصة بعد الشعار الذى أطلقه لشركته، “اضغط الزر.. ونحن نقوم بالباقى” لتكون كوداك أول كاميرا صندوق مزودة بفيلم ملفوف، وبدأت تغزو العالم، فقد بيع منها فى لندن وحتى العام 1912م أكثر من أربعة ملايين كاميرا .
بعد النجاح الذى حققه إيستمان قام بتطوير عمله، وأصدر فى العام 1895م آلة التصوير المسماة “برونى” التى تعتبر بداية التصوير الحديث ذى اللقطات، لتبدأ ملامح عصر جديد فى عالم فن التصوير، ويبدأ معه انتشار اسم “كوداك” فى مناطق عديدة من العالم، حتى أن الناس استبدلوا كلمة كاميرا بكلمة كوداك، الذى أصبح يعنى شيئا واحدا فقط: هو آلة التصوير مهما كان نوعها.
لم يكتف جورج إيستمان بتحقيق حلمه، بل أراد أن يتمكن كل إنسان من اقتناء كاميرا، فطرح كاميرا بدولار واحد لتكون بمتناول الجميع، واهتم بموظفيه كثيرا، فخفض ساعات عملهم دون أن يخفض أجورهم، وصمم برنامجا لرعايتهم وحمايتهم فى حالات الحوادث والمرض، وقد بلغ عدد الموظفين لديه فى العام 1911م، أكثر من خمسة آلاف موظف، وتوسع عمل الشركة، فأصبحت تنتج الآلات الطبية والمنتجات الإلكترونية، وتوسعت الشركة كثيراً، حتى أنها احتلت فى العام 1994م المرتبة الخامسة والعشرين فى ترتيب أكبر الشركات الأمريكية.
اتخذت الشركة العديد من الإجراءات المتطورة فى العديد من المناطق، فتبنت إبداعات إعلانية سبقت زمانها، وخاصة عندما طرحت فكرة فتاة كوداك، التى ظهرت فى العديد من الصحف والمجلات ولفتت إليها الأنظار بقوة، واعتمدت برنامجا لتحفيز الموظفين، وكذلك برنامجا آخر للتوزيع العالمى لمنتجاتها، بالإضافة إلى الاستغلال الأمثل للأرباح، كما أولت اهتماما خاصا باحتياجات الزبائن، وأنشأت قسما خاصا للأبحاث والتطوير.
وبعد أن شعر جورج إيستمان بأنه أنجز كل ما كان يطمح إليه، قام بتاريخ 14/ 3/ 1932م، بدعوة أصدقائه إلى العشاء، حيث تنازل أمامهم عن مجمل ثروته لصالح جامعة روشستر، وبعدها صعد إلى غرفته وأطلق النار على نفسه، منهيا حياته برباطة جأش، وترك لهم رسالة قصيرة كتب فيها “لقد أنجزت عملى فلماذا الانتظار .”
وعلى الرغم من رحيل مؤسس كوداك، إلا أن الشركة لم تنته معه، بل استمرت وحققت نجاحات كبيرة، وحصدت أرباحا هائلة، بالإضافة إلى العديد من الابتكارات فى عالم صناعة الكاميرات والأفلام، فكانت أول من ابتكر كاميرات الكارتريدج 126 فى العام 1963م، وأتبعتها فى العام 1972م بكاميرا كارتريدج 110 وبعد عشر سنوات أنتجت الأسطوانات الفوتوغرافية، وفى السبعينيات أيضا طلبت المخابرات الأمريكية من “كوداك” استحداث تقنية عسكرية تضمن وتحافظ على السرية التامة للصور والمعلومات، فقامت الشركة بإنتاج أول شريحة رقمية للصور تبلغ سعتها 1 ميجابايت، ثم أصبح بإمكان الجميع استخدام هذه التكنولوجيا فى الثمانينات من القرن الماضى .
ومع نهاية الألفية الثانية، بدأ العالم يتجه نحو التصوير الرقمى، واشتدت المنافسة بين الشركات فى إنتاج آخر الابتكارات فى عالم التصوير الرقمى، إلا أن كوداك كانت السباقة، إذ قامت فى العام 1991م، بإنتاج أول كاميرا رقمية ذات عدسة أحادية عاكسة وهى “كوداك دى سى إس 100 ” وتحتوى على قرص صلب خارجي، ثم لاحقا أصدرت كاميرا “دى سى إس 200″ التى تحتوى على قرص صلب مدمج .
لم تكن الألفية الجديدة لصالح كوداك، فقد بدأت الشركة تفقد الأرقام الكبيرة فى الأرباح التى كانت تجنيها، خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على مبيعاتها من الأفلام، التى بدأت تتقلص مع الانتشار الكبير للكاميرات الرقمية، التى لا تحتاج إلى الفيلم لإجراء عملية التصوير، وتمتاز هذه الكاميرات بسهولة استعمالها، وإمكانية مراقبة الصورة قبل التقاطها، وتعديلها أو حذفها، بالإضافة إلى التقاط عدد كبير جدا من الصور، على خلاف الفيلم الذى يقيده عدد محدد من الصور التى تحتاج إلى مختبر لإظهارها وتحميضها، وهذه ميزات تفتقدها الكاميرات التقليدية، التى تراجعت حصتها فى السوق بشكل كبير، فقد قررت الشركة فى العام 2002م الاستغناء عن 1700 وظيفة، عقب التعثر الذى بدأت تشهده مبيعات الشركة من الأفلام، وقد جاء قرار تسريح الموظفين هذا بعد ارتفاع أرباح الشركة فى الربع الثالث من ذاك العام المالى بشدة، لتصل إلى 334 مليون دولار، مرتفعة من 96 مليون دولار لذات الفترة من العام الذى سبقه، إلا أن ارتفاع تكلفة إعادة هيكلة الشركة من 130 مليون دولار إلى 170 مليونا، جعلها تقدم على هذه الخطوة.
وفى العام التالى 2003م، أعلنت الشركة عن الاستغناء عن عدد أكبر من الموظفين بلغ 15 ألف عامل، وذلك ضمن عملية التحول نحو الصناعة الرقمية والابتعاد عن سوق الأفلام الذى بدأ يلفظ أنفاسه إذ تقلص فى ذاك العام بنسبة بلغت 8 %؛ ليصل عدد الموظفين لديها فى هذا العام إلى 64 ألف موظف، بعد أن كان عددهم فى العام 1998م يفوق الـ 86 ألف موظف، وانخفضت أرباح “كوداك” فى الربع الأخير من هذا العام إلى 19 مليون دولار، مقارنة مع 113 مليون دولار لذات الفترة من العام الذى سبقه.
هذه الخسائر المتتالية دفعت الشركة إلى الاعتماد على منتجاتها الرقمية، وتحسين أدائها لتتمكن من المنافسة الشرسة التى يشهدها السوق، وتمكنت فى العام 2004م، من تحقيق أرباح مقبولة، إذ بلغت أرباحها فى الربع الأول من هذا العام 28 مليون دولار، مرتفعة من 12 مليونا عن ذات الفترة من العام السابق، حيث بدأت جهودها فى سوق الكاميرات الرقمية تؤتى ثمارها، فقد احتلت المرتبة الأولى لإنتاج وبيع آلات التصوير الرقمية فى أمريكا لهذا العام، وحققت حصة سوقية وصلت إلى نحو 22 %، مقابل 18% لسنة 2003م، لكنها قامت بهذا العام بتقليص إضافى لأعداد العاملين لديها، لتتمكن من الحد من الخسائر التى توالت عليها عاما بعد عام، فانخفض عدد العاملين إلى 54800 موظف بعد أن كان عددهم فى العام 2003م أكثر من 64 ألفا.