الباحث عبد الفتاح قلعه جي
القدود.. من “مار أفرام” إلى “صباح فخري”
الأحد 21 أيلول 2014
محطة القطار
على “قدِّ” الألحان الشعبية القديمة، والأناشيد الدينية، كتب الحلبيون أغاني جديدة فأسموها “قدوداً”، أستاذ القدود ومصدرها هو “مار أفرام” نفسه الذي كان ينتقي الألحان الرائجة وينظم على “قدّها” أناشيد تصدح في الكنيسة لراحة قلوب المؤمنين، الحلبيون أنتجوا من القدود ما يكفي لقرون قادمة وليس لأعوام فقط.
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 30 آب 2014، الشاعر “خالد الفرج” والمهتم بالتراث الشعبي الغنائي، فتحدث بالقول: «اشتهرت بها مدينة “حلب”، فهي من الفنون الموسيقية السورية الأصيلة منذ القدم، سميت الأغنيات الحلبية الجديدة بالقدود، لأن لها لحناً على “قد” قياس اللحن القديم، والكلمات على وزن الكلمات القديمة، مع اختلاف المضمون فقيل هذه الأغنية “قد” تلك الأغنية، وشاعت كلمة القدود، ومن أمثلة القدود الحلبية “تحت هودجها وتعانقنا… صار ضرب سيوف يا ويل حالي”؛ وهو مأخوذ عن الأغنية الدينية التي تقول: “يا إمام الرسل يا سندي… أنت باب الله ومعتمدي”».
ويضيف: «عرفت القدود منذ زمن القديس السرياني أفرام 306م الذي دعا الناس وعمل على ترغيبهم للحضور إلى الكنيسة، وإدراج الألحان الدينية التي يألفها الناس في طقوس يوم الأحد، ومن ضمنها كانت انطلاقة القدود، وكما هو معروف قدود “مار أفرام” في الكنيسة السريانية من أقدم القدود في “حلب”».
ويبين الباحث “عبد الفتاح قلعه جي” في كتابه “دراسات ونصوص في الشعر الغنائي بالقول: «القدود منظومات غنائية أنشئت على عروض وألحان منظومات غنائية شعبية ذات سيرورة؛ حيث
يتم المحافظة على الوزن والإيقاع الموسيقي، ويستبدل الشاعر النص الشعبي القديم المكتوب غالباً بالعامية بنص جديد مكتوب غالباً بالفصحى، وثمة نوعان من القدود: أولها كحلول لحن أغنية شعبية في نص جديد لا يختلف عن الأول في شروطه، وغالباً ما يعمد المطرب إلى هذا التصرف حسب المناسبة، وثانيها القد الموشح فهي موشحات بسيطة ازدهر نظمها على يد العيد من الشعراء؛ وهو نوعان: نوع أصله أغان دينية ثم وضع على قد ألحانها كلمات غزلية، مثل أغنية:
“عليك صلى الله يا خير خلق الله”،
وقد حوفظ على نغمة الحجاز فيها ونظم على لحنها الأغنية الشعبية:
“عالأسمر اللون.. عا لآسمراني
تعبان يا خيو والله.. هواك رماني”.
والنوع الثاني أصله أغان شعبية ثم وضع لها على قد ألحانها كلمات دينية، مثل الأغنية الشعبية:
“الوي الوي.. الوي الوي
تحلا لي من الله… يا نور عيني”.
وقد صاغ “أمين الجندي” على قدها:
“نديمي حي… بذاك الحي
غزال المي… بديع الزي”».
ويتابع: «هناك القدود الموشحة، وهي صنعة “حلب” وبها تفردت مدرستها الفنية، وهي مستمرة ما دام الغناء الشعبي
والغناء الديني متجاورين فيها، غالباً ما يتعرض اللحن إلى التطوير أو تتم ولادة جديدة له في كلمات جديدة، وهذا التناسخ لروح الأغنية هو أصل القدود، وكان يتم بشكل عفوي ومستمر، ويقوم بالتصرف فيه الشاعر المغني، كما تمتاز القدود ببساطتها وتعبيرها عن حياة الجماعة وأذواقها، ولكونها في الغالب أغاني جماعية يؤديها الناس في احتفالاتهم وطقوسهم وأعمالهم، ورغم ما يطرأ على المجتمعات من تبدلات؛ تبقى هناك فئة محتفظة بالروح الأولى؛ إنها الطبقة الشعبية التي تبقى مصممة على المحافظة على كل ما هو قديم».
ويقول المطرب الحلبي “محمد عزيز”: «أعمد حالياً إلى نقل ألحان شعبية مشهورة ذات طابع طربي راقص إلى نصوص دينية؛ لأن رواد الموالد والأذكار من الشباب يميلون إلى هذه الألحان، والقدود بشكل عام قديمة جداً لها قداستها وشيوعها؛ فهي في الأصل أغان دينية أو شعبية استقرت في وجدان الأجيال المتعاقبة.
ومن القدود الحلبية ما غناه “صباح فخري”:
“خمرة الحب اسقنيها… هم قلبي تنسنيه
عيشة لا حب فيها… جدول لا ماء فيه
يا ربة الوجه الصبوح.. أنت عنوان الأمل
أسكري باللثم روحي… خمرة
كتاب دراسات ونصوص في الشعر الشعبي |
الروح القبل
إن تجودي فصليني…. أسوة بالعاشقين
أو تضني فاندبيني…. في ظلال الياسمين”».
أما الشاعر وأستاذ اللغة العربية “خالد الحسين”، فيقول: «القد في اللغة هو القامة والمقدار، والقدود الحلبية نوع موسيقي يختلف عن الموشح؛ فهو أقرب إلى القصيدة، والموشح أمتن تأليفاً، وأعلى صنعة، وأشد ترابطاً، وأبسط وأسهل من حيث إيقاعاته، هذا من الناحية الموسيقية واللحنية، أما من حيث النص الشعري، فالقدود والموشحات صنوان، وأنت تتابع وتستمع لكليهما ترى شعراً رائع الألفاظ، رفيع المعاني، جميل المحتوى».