“وحيد استانبولي”.. أعمال نحتية بمفاهيم مدرسية معاصرة
الثلاثاء 30 أيلول 2014
حلب الجديدة – عفرين
استطاع بمواهبه الفذة وقدراته الفنية الكبيرة أن يقلب المفاهيم المتعلقة بالنحت لدى أكثر الناس ممن رفضوا عمل التماثيل، إلى قبولها وتفهمها اجتماعياً، إنه الفنان “وحيد استانبولي”.
حول فنه وسيرته تحدث لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 19 أيلول 2014، الفنان “يوسف إبراهيم” بالقول: «الفنان الراحل هو من مواليد مدينة “حلب” في العام 1940، درس فن النحت في “النمسا”؛ حيث تخرج في أكاديمية الفنون في العام 1966، قبل أن يعود إلى مدينته “حلب”، ويعمل مدرساً لفن النحت في “مركز الفنون التشكيلية”.
قام بإنجاز عدد من الأعمال والنصب الفنية في “حلب”؛ أبرزها النصب التذكاري الموجود في مدخل المدينة الذي يؤدي إلى “دمشق” باسم “الخصب”؛ وذلك في العام 1967، كما أنجز مجموعة من الأعمال النحتية في الحدائق والساحات العامة في كل من “حمص” و”الرقة” و”إدلب”، كتمثال “البتاني” في “الرقة”، وغيرها».
وأضاف: «شارك الفنان “استانبولي” في عدة معارض دولية ومحلية، وله أعمال موجودة في مختلف المتاحف الفنية العالمية، وخلال مسيرته الفنية نال عدداً من الجوائز سواء داخل “سورية” أو خارجها.
كان عضواً مؤسساً في تأسيس كل من “نقابة الفنون الجميلة السورية”، و”اتحاد التشكيليين العرب”، بتاريخ 21 كانون الثاني من العام 1994، توفي بعد أن ترك بصمة كبيرة في تاريخ النحت السوري المعاصر، إضافة إلى جيل من الفنانين الذين عملوا على إكمال مسيرته الفنية – النحتية».
الباحث الفني “محمود مكي” قال حول تجربته: «استطاع هذا الفنان أن يملأ الفراغ الكبير الذي تركه الفنان “فتحي محمد” بوفاته المبكرة، في فترة زمنية كانت فيها الساحة النحتية تشكو من اضمحلال وتراجع واسع للنحت السوري، وعن جدارة
نصب الخصب في مدخل حلب |
وقوة، حتى بدا تأثيره واضحاً في جيل كامل من الفنانين الشباب في الستينيات من القرن العشرين.
بدأت تجربته واقعية تعبيرية بتعاليمها الأكاديمية الصارمة، ولكنه قدمها بروح عصرية خالية من التسجيلية التقليدية، وكانت مواضيعه تتضمن الشخصيات التاريخية ذات الأثر في تاريخنا العربي، مثل: “أبو العلاء المعري”، و”ابن الرومي”، و”إبراهيم هنانو”، و”عبد الرحمن الكواكبي”، وغيرهم.
كان أسلوبه في مجمل هذه الأعمال يتمحور حول المطابقة الكاملة لعناصر الشخصية الداخلية، فظهرت من خلالها قدرته الفنية في البحث عن النقاط البارزة في الشخصية، كما تميزت في تشكيلها بالبساطة واختزال الخطوط ببراعة والتكوينات الثابتة مع إحساسه المفرط لمقدار حبه لكل شخصية صنعها، إننا نلاحظ فيها مدى تعاطفه مع الكتلة التي تأخذ مكانها المناسب في الفراغ من حولها بشكل مذهل، وتثير حالة متنامية من الاندهاش لجمالية التكوين.
راح فيما بعد يطور أساليبه النحتية وتقنياته الفنية نحو الحداثة المطلقة، ضمن المفاهيم الفنية المعاصرة التي اطلع عليها أثناء دراسته في “أوروبا”، فاتجه نحو التعبيرية الجديدة التي تفصح عن رؤيته الجمالية والفكرية، فكانت موضوعاته مستمدة من المحلية والحياة اليومية، ثم انتقل إلى التكعيبية؛ فكان رائداً فيها في النحت السوري، كعمله “نهضة الزراعة” الموجود في مكتب القطن بـ”حلب”، ثم بدأ توظيف الكتلة في الفراغ الواسع لإبراز رؤيته الجمالية، مستلهماً بعض عناصره من التراث العربي المحلي، في هذه الفترة بدأت شهرته تنتشر بين الأوساط الفنية والثقافية العامة، وبدأ تكليفه لصنع أعمال ضخمة في
الحروفية في أعماله |
مداخل المدن، كالخصب بـ”حلب”، و”البتاني” بـ”الرقة”، و”السقوط” بـ”حمص”، وفي الساحات العامة مثل: “ساحة فرحات”، و”ساحة السوق الحرة”. وفي الحدائق العامة كحديقة “السبيل”، و”الحديقة العامة” بحلب، وفي واجهات البيوت والمحلات، مثل واجهة مطعم “الأصدقاء”، وبعض الفيلات وداخل البيوت الحلبية، وهذا ما جعله فناناً جماهيرياً محبوباً بشخصيته المتواضعة وبأعماله النحتية المتميزة، التي استمدها من البيئة المحلية».
وحول أهم ما يميز تجربة “استانبولي”، قال “مكي”: «لقد تعددت تجاربه في النحت السوري المعاصر، وكان له السبق في عدة نواحٍ فنية، فقد كان من الفنانين الأوائل الذين أرسوا القواعد الأساسية للنحت السوري المعاصر، وقدموا أعمالهم النحتية بمفاهيم مدرسية معاصرة كـ”الواقعية، والتعبيرية، والرمزية، والتكعيبية، والتنقيطية التجريدية، والحروفية”. وكان من أوائل من قدموا أعمالاً ضخمة في بعض الساحات العامة في المدن ووضع النصب التذكارية الضخمة في مداخل المدن.
كما كان من الفنانين الأوائل في إدخال المنحوتة الفنية في واجهات الأبنية، والمحلات التجارية، وداخل البيوت العامة والخاصة، ومن أوائل الذين استطاعوا تحقيق ما يسمى “المعادلة الفنية الصعبة” والمزاوجة بين التراث والمعاصرة في النحت، وأخيراً، كان “استانبولي” من الفنانين الأوائل الذين أدخلوا “الحروفية” في النحت السوري».
وأضاف: «تعد التجربة الفنية للفنان “وحيد استانبولي” في النحت السوري من التجارب الرائدة وعلى عدة مستويات من حيث المضمون والشكل، فقد استطاع أن يكون جماهيرياً بفنه رغم أن قراءة أعماله تحتاج إلى قدر كبير من الوعي الفني والتذوق الجمالي، ويعود ذلك إلى سببين: الأول:
من أعماله |
لكونه كان أكثر التصاقاً بالواقع وبقضايا شعبه، ومحلياً بموضوعاته في أعماله النحتية، والثاني: قدرته على زرع أعماله في كل مكان من مدينة “حلب” التي عشقها وأحبها بصفاء ووفاء، فلم يحتج إلى صالة مغلقة لعرض أعماله فيها، بل امتلك الساحات العامة والحدائق وواجهات الأبنية.
لقد استطاع بموهبته الفنية وحبه لأمته استيعاب ظروف هذا العصر، وعكسها بصدق للجماهير بمفاهيم جديدة، وأن ينضم إليهم بصمت العابد، ويقدم لهم المعرفة والفائدة التي يجسدها بفنه، فما أروع أن ندخل الحياة كلها من الباب الذي صنعه وفتحه لنا على مصراعيه».