“خولة العبد الله”.. بين سريالية الواقع وواقعية الخيال
الخميس 22 كانون الأول 2016
ساحة سعد الله الجابري
تعيش الفنانة التشكيلية “خولة العبد الله” حالة من الانسجام والروحانية مع لوحتها؛ فالفنّ بالنسبة لها رسالة ومسؤولية؛ تريد من خلالها نقل الواقع الإنساني الممزوج ببعض الخيال لإيصال الجمال والأمل، بعيداً عن الخراب والتشويه؛ لتجد لوحاتها متسعاً لها في كبرى المعارض العالمية.
للحديث عن تجربتها الفنية، مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 15 تشرين الثاني 2016، الفنانة التشكيلية “خولة العبدالله”، لتحدثنا عن مسيرتها قائلة: «ولدت ضمن عائلة تمارس الفن بالفطرة؛ فكل أفراد عائلتي لديهم هواية الرسم تكاد تصل إلى الاحتراف؛ لكن لم يختر أحد منهم هذا المجال؛ أذكر في المرحلة الابتدائية كانت رسوماتي تلقى إعجاباً كبيراً من معلمتي، وتعلقها على حائط المدرسة؛ لكن ذلك كان بالنسبة لي هواية أمارسها، ولم تكن من أولوياتي؛ بل كان هدفي الدخول إلى كلية “العمارة”. وبعد نيلي الشهادة الثانوية، وعند التوجه للتسجيل في الجامعة صادف مروري بجانب كلية الفنون الجميلة رؤية الطلاب وهم يرسمون لوحاتهم، ووجود هذا الكمّ الهائل من اللوحات والألوان جذبني إليها، حيث لم أستطع مقاومة هذا الكمّ من الجمال، فقرّرت في اللحظة الأخيرة الدخول إلى كلية الفنون الجميلة، وكان ذلك في اليوم الأخير للتسجيل. وأثناء فحص القبول نلت أعلى علامة من بين المتقدمين».
وعن علاقتها بالفنّ، تضيف: «في الوقت الذي قرّرت احتراف الفنّ حَمّلت نفسي مسؤولية؛ لأن الفن رسالة، وكأي عمل يجب أن يكون له هدف؛ فالموضوع الذي أطرحه بلوحاتي هو مسؤوليتي، أحاسب عليه كرسالة إنسانية؛ فأنا مسؤولة فنياً وإنسانياً عن لوحتي، وأغلب لوحاتي تحمل بعداً إنسانياً مشبعاً بالأمل بعيداً عن الابتذال، وبأسلوب واقعي سريالي لكون السريالية هي المدرسة التي تربط الفكرة الخيالية بعناصر واقعية ممزوجة بخيط صغير من الأمل،
لوحة تعكس علاقة المرأة بالتاريخ حصلت على جائزة في معرض الربيع |
حيث أجسده من خلال المرأة، لأنني أنظر إليها على أنها الجمال والعطاء؛ لذلك تستحوذ على معظم لوحاتي».
وعن مشروعها الفني، تتابع: «لا يوجد عمل من دون فكرة أو هدف؛ هذا ما أؤمن به وأعمل عليه؛ مشروعي اليوم يكمن بتغيير صورة الإنسان العربي بنظر الغرب من خلال اللوحة؛ فأثناء تناوب الاحتلال على بلادنا أتى معه فنانون مستشرقون نقلوا من خلال رسوماتهم الكثير من حضارتنا وتراثنا، منهم من نقلها بطريقة صحيحة، وآخرون بطريقة مشوهة ومبالغ بها، وأحياناً مغلوطة، ووصفونا بقمة التخلف والجهل؛ فصوّروا المرأة الشرقية على أنها مجرد جسد فقط، وتجاهلوا عقلها، مضطهدة خلقت فقط من أجل الرجل، كما عكسوا صورة الرجل الشرقي على أنه الإرهابي القاطن في الصحراء، المتخلّف المحبّ للقتل وسفك الدماء. وهذه اللوحات معروضة في كبرى المعارض والمتاحف العالمية التي يرتادها أناس كثر، منهم من لم يزر الشرق؛ لذلك فقد يرسم بذهنه صورة كما رآها في اللوحة؛ لذلك أسعى دراسياً من خلال بحثي النظري (الاستشراق بين المضمون الفكري، والقيم الجمالية)، وعملياً برسم صورة معاكسة تماماً لما روّجوا له من خلال إنجاز لوحات مناقضة تحمل قيمة ومفاهيم، وتعكس صورة المرأة الحقيقية المثقفة والقيادية والأم. وأن الرجل ليس بتلك الهمجية والتخلف كما أتى في لوحاتهم؛ هذا هو مشروعي الذي بدأت العمل عليه».
وللمزيد حول تجربتها الفنية وما وصلت إليه، يضيف الفنان التشكيلي “طاهر البني”: «تحرص “خولة
لوحتها في معرض حلب قصدنا وأنت السبيل |
العبد الله” في لوحاتها على التكوين الفني البعيد عن الصيغ التقليدية، وإغنائه بمفردات جديدة تتضافر فيه الملامح الأنثوية مع محيطها عبر مناخات شاعرية، تنمّ عن الجوانب الفكرية والروحية، التي تدفعها إلى تجسيدها في لوحة لا تنقصها المهارات التصويرية الواعدة، التي تحقق لمبدعها مكانة مرموقة في التصوير الواقعي بصيغة تعبيرية ومناخات رومانسية. واللوحة التي تنجزها تقود المتلقي إلى طرح العديد من الأسئلة حول الشخصية المصورة، والأبعاد المعنوية التي تسعى إلى إيصالها على الرغم من الصيغ اللونية المحددة التي تساهم في بناء اللوحة، وخطوط منحنية تشف عن الروح التي تقف خلف مبدعها، وبذلك تكون مساهمتها تأكيداً على إبراز القضايا الإنسانية التي تودّ إيصالها إلى مجتمعها».
بدوره الفنان التشكيلي “بشير بدوي”، يقول: «”خولة العبد الله” فنانة أبدعت بفنّ التصوير الزيتي؛ الناظر إلى لوحاتها يرى أن هناك موهبة ولدت منذ الطفولة، وبرأيي الفنان يولد فناناً؛ حيث استطاعت صقل موهبتها بدخولها إلى كلية الفنون الجميلة، وقد أبدعت في رسم الإنسان حيث تكثر الوجوه في لوحاتها؛ تحب أن تظهر بريق العيون؛ لوحاتها غنية بالألوان والخطوط؛ ولديها شيء من الرومانسية التي تظهر من خلال التكوين. واستطاعت على الرغم من تجربتها الزمنية القصيرة أن تضع نفسها إلى جانب المخضرمين في الفنّ».
من الجدير ذكره، أن “خولة العبد الله” من مواليد “حلب”، عام 1984، خريجة كلية الفنون الجميلة، حائزة على شهادة الباسل لأربع سنوات
الفنان التشكيلي طاهر البني |
متتالية لنيلها المرتبة الأولى خلال دراستها الجامعية، وهي معيدة في كلية الفنون الجميلة في جامعتي “حلب”، و”دمشق”، وموفدة داخلياً لدراسة الماجستير والدكتوراه، ومشاركة في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل “سورية” وخارجها. لوحاتها معروضة في المعرض الجماعي في “أندهوفن” في “هولندا” 2016، ومعرض في “ألمانيا” عام 2016، وقد شاركت في تنفيذ جداريات عدة عامة وخاصة، وأعمالها مقتناة من عدة جهات داخل “سورية” وخارجها. حاصلة على جائزتين متتاليتين في معرض “الربيع” لعامي 2014-2015، وثلاث شهادات تكريم.